زهراء، عمار ، محمد و حسين مع 15 لاعباً تقريباً باتوا فريق «العدائين» لكرة السلة على الكراسي في مدينة صيدا جنوب لبنان. بين الشلل الدماغي والبتر والصعوبات الحركية، تتوزع حاجات أعضاء الفريق، وإلى جانبهم شبان وشابات أرادوا مشاركتهم الخبرة والتجربة. بالنسبة لإيمان صباغ (32 سنة) مدربة الفريق وصاحبة الفكرة، التي تلعب كرة السلة منذ أن كانت في الرابعة عشر من عمرها، فإن الطريق طويل، إلا أنه معبّد بالشغف الذي لمسته منذ بداية العمل مع «أكاديمية الرياضة التكيفية لذوي الاحتياجات الخاصة في صيدا».يعلو صوت صباغ فيما تنادي اللاعبين خلال التمارين. على جوانب الملعب المتواضع يقوم شبان وشابات بتدريبات خاصة تتغير بحسب احتياجاتهم الجسدية. «هناك قدرات فردية يجب العمل عليها من أجل دمجها في الفريق واللعب»، تشير إيمان فيما توجه اللاعبين على الركض السريع وتهدد بعقوبات للمتقاعسين، تقول ذلك ممازحة.
إمكانات جسدية واجتماعية ونفسية عدة تعمل الرياضة على تنميتها في الأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة. بالنسبة إلى زهراء التي تعاني من شلل دماغي فإن رمي الكرة هو أهم ما يساعدها حالياً في التحكم بيديها، إلى جانب أن الفريق أدخلها في عالم جديد، وهكذا هي الحال بالنسبة إلى عمار الذي يعاني من بتر في الساق.
يسعى نادي العدائين للمشاركة في بطولات آسيوية ودوليّة


تدرك إيمان أن الرياضة قد تكون مجرد متنفس إلى بعض اللاعبين بينما تشكل بداية الاحتراف والتنافس إلى آخرين، إلا أن ذلك لا يقلل بالنسبة إليها من الجدية في التعامل مع الرياضة لأهميتها على الصعيد الجسدي والنفسي والاجتماعي. إضافة إلى ذلك فإن التدريب يساهم في جعل اللاعبين يدركون حقيقة قدراتهم، «شاركنا في مباراة ودية مع أول انطلاقتنا، يمكن أن أؤكد لك أن المباراة الثانية فاجأت الفريق المنافس، أدرك اللاعبون واللاعبات أن لديهم الكثير ليقدموه».
تشدد إيمان على أنه إضافة إلى أهمية هذا المشروع لذوي الاحتياجات الخاصة، فإن له آثاراً إيجابية كبيرة على الشبان والشابات المشاركين في الفريق ممن ليست لديهم احتياجات خاصة. «يشكل هذا مظهراً مهماً من مظاهر الإندماج الاجتماعي وتكييف الرياضة في ذلك».

الحلم كبير
عقبات عدة واجهت الفكرة منذ البداية، من «جمع إحصاءات حول ذوي الاحتياجات الخاصة الجسدية في مدينة صيدا، إلى التواصل معهم»، تؤكد إيمان موضحة أن بعض العائلات والجمعيات رفضت أن يحضر أبناؤها أو عكفت عن تشجيعه.
إضافة إلى ذلك فإن الفريق لم يحصل على أي دعم رسمي «الدعم الأول كان من جمعية طرابلس لرياضة المعوقين» ومدربها توفيق علوش الذي «عمل على تأمين الكراسي المخصصة لرياضة كرة السلة، وشارك معنا في مباريات ودية دفعت أعضاء الفريق إلى اكتشاف حقيقة مواهبهم وقدراتهم. هذا إضافة إلى دعم جمعية رعاية اليتيم التي تؤمن ملاعب التدريب»، تؤكد صباغ، مشيرة إلى أن هذا الدعم ليس كافياً حيث أن المشروع يحتاج إلى صيانة كراسي وأماكن تدريب وغيرها من الاحتياجات التي قد تساعده على الصمود أولاً، وصعود سلم الاحتراف ثانياً.


حالياً، وبالتوازي مع السعي إلى تسجيل الفريق لإشراكه مستقبلاً في مسابقات محلية وإقليمية ودولية رسميّة، فإن هناك مشاريع عدة من أجل تأمين داعمين له على الصعيد المحلي، وهذا ما وعدت بلدية صيدا بالإشراف عليه. «لا يزال لبنان في مرحلة متأخرة، في الرياضة عامة ورياضة ذوي الاحتياجات الخاصة ثانياً، وهذا واقع أكثر صعوبة في الجنوب، لا نوادي ولا اهتمامات، بل أن هناك العديد من العراقيل أمام هذه المشاريع»، تؤكد صباغ بأسف.
يأمل المشرفون بأن يدفع هذا المشروع برياضة ذوي الاحتياجات الخاصة ورياضة كرة السلة على الكراسي المتحركة قدماَ، حيث أن هناك الكثير من المجالات التي يمكن استغلالها فيها، من تنظيم الدوري إلى تمثيل لبنان في الألعاب البارالمبية (ألعاب ذوي الاحتياجات الخاصّة). وكانت جمعية طرابلس لرياضة المعوقين وبالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والسفارة الأميركية قد أطلقت أخيراً مشروع تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة في كرة السلة، حيث من المتوقع أن يخضع اللاعبون إلى دورات تدريبية متخصصة والعمل على تأسيس فرق جديدة في مناطق مختلفة من لبنان.
بالنسبة إلى إيمان فإن فريق العدائين هو بداية الحلم بأن يكون هناك مشروع رياضي متكامل في الجنوب يستطيع جميع ذوي الاحتياجات الخاصة المشاركة فيه. «لكل فرد قدرات محددة، وهناك ألعاب خاصة لهذه القدرات. هناك ألعاب مخصصة لذوي الإعاقات البصرية أو السمعية أو الحركية، وبينها رياضة كرة المضرب على الطاولة، والركبي وغيرها»، توضح إيمان متحدثة عن مشروعها الذي قدمته إلى جامعة تينيسي في الولايات المتحدة الأميركية بعد أن وقع الاختيار عليها من بين أكثر من 200 طلب من 100 دولة وأرسل للمشاركة في برنامج تدريبي، حيث تم اختيار 17 مدرباً رياضياً من 16 بلداً.
يلمس ذوو الاحتياجات الخاصة تأخر لبنان في تكييف حاجاتهم وقدراتهم وبينها الرياضية، إلا أن الشغف والإيمان بالإمكانات يؤكد أن يداً واحدة قد تقدر على التصفيق.