لا شك أن علاقة المدرب الإيطالي جوسيبي جيانيني بالكرة اللبنانية ومنتخبها الأول بعد 22 كانون الثاني لن تكون كقبله. ففي هذا اليوم، صدر على الصفحة الأولى لصحيفة «لا غازيتا ديللو سبورت» الإيطالية موضوع عن قضية تلاعب في نتائج مباريات في إيطاليا، وذكر فيها أن مدرب منتخب لبنان متورط في هذه القضية، وتحديداً في موسم 2008 - 2009 حين كان يدرب فريق غاليبولي. معلومات «لا غازيتا» لم تكن عبر معلومات صحفية، بل هي نشرت تحقيقات الشرطة التي ورد فيها تورط جيانيني الذي لم يستدعَ حتى الآن.
والفرق كبير بين معلومات يحصل عليها الصحافي من مصدر معيّن قد يكون أحد اللاعبين أو المدربين، أي من جهد شخصي، وبين نشر معلومات من تحقيقات الشرطة التي هي رسمية موثّقة. فالجانب الثاني أقوى بكثير؛ لأنه من مصدر رسمي، في حين أن الجانب الأول أضعف.
القضية كان من الممكن أن تحصل على اهتمام بسيط؛ لأنها معنية بشخصية شهيرة في الكرة الإيطالية، لكن وجود جيانيني على رأس الجهاز الفني للمنتخب اللبناني أعطى الموضوع بعداً آخر. فمعالجته تنطلق من مصلحة المنتخب بعيداً عن مدى جرمية جيانيني أو عدمها. فهو حتى هذه اللحظة بريء، والمتهم يبقى كذلك حتى تثبت إدانته، وهو لم يستدعَ حتى هذه اللحظة. لكن تناول الموضوع يتعلق بجانب آخر ومن زاوية مختلفة. فالمنتخب اللبناني يستعد لمباراة تايلاند في 5 آذار ضمن تصفيات كأس آسيا، حيث يسعى لبنان للتأهل إلى نهائيات أوستراليا 2015. وبناءً عليه، فإن الأمور على درجة عالية من الحساسية في منتخب لبنان واستحقاقه المصيري، ولا تتحمل أي مجال للتهاون أو الحذر في التعاطي مع القضية.
فيوم الاثنين سيشهد تمريناً للمنتخب على ملعب الأنصار عند الساعة 11.30 صباحاً، وهو الأول منذ انتشار خبر القضية، فهل من المعقول تجاهل الموضوع والتصرف كأن شيئاً لم يكن؟ وهل من المعقول أن يتوجه جيانيني إلى التدريب بنحو عادي ويمارس مهماته رغم ورود اسمه في القضية؟ والمسألة ليست موجهة إلى شخص المدرب أو انقضاضاً عليه في لحظة ضعف يمر فيها، لكن هناك مصلحة أكبر وأهم تتطلب تحركاً على أعلى مستوى وقرار اتحادي سريع، يبعد جيانيني عن المنتخب في الفترة الراهنة لحين توضّح الأمور. فما ذكر في الصحيفة الإيطالية ليس بالأمر السهل، رغم تأكيدات محامي جيانيني بأن الملف ضعيف. فالمعلومات من جهة رسمية وفي صحيفة محترمة وتتعلق بشخصية تاريخية في الكرة الإيطالية. فمدرب منتخب لبنان هو لاعب منتخب كبير وقائد فريق العاصمة روما ورمزها الثاني بعد توتي «الملك». وبالتالي لا يمكن أن تغامر الصحيفة بإيراد اسمه ما لم يكن هناك معلومات مؤكدة عن تورطه. فجيانيني لاعب تاريخي، وأي خطأ معه قد يكلف الصحيفة غالياً، وتداعيات زج اسمه بنحو خاطئ مكلف أكثر بكثير من إيراد اسم للاعب مغمور.
كذلك إن المعلومات هي من الشرطة الإيطالية المتخصصة بمكافحة المافيا. فنحن في لبنان أوقفنا عدداً كبيراً من اللاعبين بناءً على تحقيقات لجنة أردنية برئاسة فادي زريقات مارست عملها في مقر الاتحاد وعلى طاولة اللجنة العليا، في حين أن ما يحصل في إيطاليا أكثر تطوراً، والتحقيقات تجريها سلطات رسمية، وستناقش القضية المحكمة الفيدرالية التي ستنظر في القضية قبل أن تحيلها على القضاء الرياضي لاتخاذ الحكم بناءً على معطيات قاطعة. ورغم ذلك، يبقى جيانيني بريئاً، لحين استدعائه وتوجيه التهم إليه وإدانته. لكن ماذا بالنسبة إلى منتخب لبنان في المرحلة المقبلة؟
ما هو مؤكّد برأي كثيرين من مسؤولين متابعين، وحتى لاعبين، أن جيانيني لا يمكن أن يستمر مع منتخب لبنان. هذا لا يعني فسخ العقد معه وإقالته، لكن يمكن التوصل إلى صيغة تبعده عن المنتخب مؤقتاً بانتظار توضّح الصورة. وهذا يتطلب تحركاً اتحادياً وتحييد الحسابات، أو ـ بكلام آخر ـ التخلي عن الحذر خوفاً من تأويل أي موقف ووضعه في خانة «المعادي» أو «غير الوطني». فهناك أزمة استجدت فجأة وتتطلب قراراً جريئاً بعيداً عن مدى تورط مدرب المنتخب.
لكن تبقى مسألة شائكة أيضاً، تتعلق بشخصية المدرب الذي سيكمل المشوار حتى مباراة تايلاند على الأقل. فهناك وجهة نظر تقول بأن يكمل المدرب المساعد كارلو تيبي المهمة؛ لكونه أكثر العارفين بواقع المنتخب بعد جيانيني. كذلك إن الفترة الباقية قبل 5 آذار قصيرة ولا تسمح بالتعاقد مع مدرب يملك مؤهلات تسمح له بقيادة منتخب لبنان. أضف إلى ذلك أن أي مدرب محترم لا يمكن أن يقبل بأن يكون مدرب «شهر ونصف» إلا إذا اتُّفق معه على أنه لن يحاسَب على مباراة تايلاند.
وجهة نظر أخرى لا توافق على تسلّم تيبي لتدريب المنتخب، نظراً إلى صعوبة الأمر على صعيد علاقته باللاعبين وقدرته على إدارتهم؛ فجيانيني، صاحب الشخصية القوية والمدعوم بقوة، كان قادراً على السيطرة على لاعبيه، لكن تيبي قد لا ينجح في هذه الناحية، وهو أمر سيرتب على المسؤولين في المنتخب جهوداً مضاعفة. لكن في الوقت عينه، قد يكون للاعبين الكبار في المنتخب كرضا عنتر ويوسف محمد وعباس عطوي وغيرهم في إبقاء الأمور مضبوطة على صعيد اللاعبين؛ لأن الجميع أمام فرصة تاريخية بالتأهل إلى نهائيات كأس آسيا.
لا شك أنها معضلة حقيقية تواجه المسؤولين في الاتحاد، لكن منتخب لبنان في سباق مع الزمن، وأمامه استحقاق كبير يستحق أن تتخذ في سبيله قرارات حاسمة تجنب المنتخب أي خضات هو في غنى عنها. وقد يكون الحل أيطالياً، عبر طلب جيانيني التنحي مؤقتاً أو نهائياً، بغض النظر عن تورطه، إن كان يغلّب مصلحة منتخب لبنان على أي مصالح شخصية، وكي يقطع الطريق على كلام يشير إلى أن العقد مع منتخب لبنان هو مكسب لا يمكن أن يتخلى عنه جيانيني. فالمقربون منه يؤكدون أنه ليس بحاجة إلى المال، وهو على علاقة طيبة جداً برئيس الاتحاد هاشم حيدر، وبالتالي يمكن أن يجنب الجميع الإحراج ويتخذ هو القرار المطلوب.




المحكمة الفيدرالية ستستدعيه

تفيد المعلومات بأن مدرب منتخب لبنان جوسيبي جيانيني طلب من محاميه في إيطاليا تقديم طلب إلى السطات الإيطالية للاستماع إليه واستدعائه، لأنه متأكد من براءته. لكن الشرطة الإيطالية أجابت بأن استدعاء جيانيني غير مطروح حالياً، لكن هذا لا يعني أنه لن يحصل لاحقاً. فالمعلومات الإيطالية تؤكّد أن المحكمة الفيدرالية ستستدعي جيانيني.