منذ عقدين، خطا رجل الأعمال المصري محمد الفايد الخطوة الأولى لمشروع العرب الاستثماري في الكرة الأوروبية. حينها، اشترى نادي فولهام الانكليزي بصفقة قُدرت بثلاثين مليون باوند. إلا أنّ الاستثمار الحقيقي في الملاعب الأوروبية بدأ فعلياً في العقد الأخير، حين اقتحمت الأموال الخليجية عالم المستديرة. مانشستر سيتي الانكليزي، ملقا وخيتافي الاسبانيان، أندية أوروبيةٌ عريقة تعيش بأموال عربية. ولا ننسى طبعاً باريس سان جيرمان الفرنسي، الذي أصبح تحت طاعة القطريين مقابل 100 مليون يورو، حيث الكلمة الأولى والأخيرة لناصر الخليفي. ربما، لم تكن قطر لتشاهد نظيرتها الإمارات تشتري مقعداً لها في الملاعب الأوروبية من دون أن تحرك ساكناً. فبعدما اشترى الشيخ منصور بن زايد نادي مانشستر سيتي بصفقة تجاوزت 210 ملايين باوند عام 2010، تبعته قطر في العام التالي واشترت نادي باريس سان جيرمان. ولدى البحث عمّن من الممكن أن يتولى إدارة النادي، وقع الاختيار على مدير «الجزيرة الرياضية» السابق ناصر الخليفي، مديراً عاماً للنادي الفرنسي. القطري الذي احترف كرة المضرب لـ15 عاماً، لم يفلح في تحقيق أي شيء في اللعبة التي أحبها. لم يعلم آنذاك أنّ شهرته ستكون خارج المستطيل. يُحكى عن صفقة «مشبوهة» بينه وبين ساركوزي، أو بين القطريين والفرنسيين، لكن اختيار الخليفي لرئاسة النادي الباريسي لم يكن عبثياً؛ فعندما كان مدير الحقوق في الجزيرة الرياضية، جلب حقوق كبرى البطولات الأوروبية إلى القناة القطرية، لتصبح الجزيرة «المحتكر» الأول في العالم العربي. مع قدومه إلى باريس، حمل الخليفي رؤيته إلى النادي الفرنسي. احتكر الدوري بصرفه أموالاً تفوق ميزانيات الآخرين بكثير.
وتحت عهدته، فرض النادي سيطرته على الألقاب المحلية. فقد عاد الفريق الأول بقوة إلى المنافسة على بطولة الدوري الفرنسي، واحتكر اللقب لمواسم كان آخرها الفائت. بات تتويج الـ«بي أس جي» بلقب الدوري تحصيلاً حاصلاً كل عام، كما سطا على كأس رابطة الأندية في السنوات الخمس الأخيرة، إلى جانب كأس فرنسا. ورغم نجاح الخليفي على الصعيد الفرنسي، إلا أنّ الكأس «ذات الأذنين» ما زالت طويلة على «رقبة» باريس سان جيرمان. نجاح رؤية الخليفي محلياً، قابلها فشل أوروبي. استراتيجية القطري كانت الإنفاق على نحوٍ كبير لجعل باريس سان جيرمان مارداً أوروبياً، ينافس عمالقة كريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد. النادي نجح بالفعل في فرض اسمه بين الكبار. أنفق الملايين منذ الـ2011 حتى اليوم على صفقات من العيار الثقيل، أملاً بالتتويج ببطولة دوري أوروبا، لكن الصورة الباقية في الذاكرة تبقى صورته عقب «ريمونتادا» برشلونة الشهيرة، التي خرج فيها الفريق الباريسي ذليلاً من كاتالونيا.
في موسم 2013/2014، ضم باريس سان جيرمان كافاني وماركينيوس مقابل 109 ملايين يورو، وفي الموسم التالي ضم ديفيد لويز مقابل 50 مليون يورو، ثم ضم أنخل دي ماريا ودراكسلر، وأخيراً نيمار ومبابي في صفقتين خياليتين. لكن هل هذا كافٍ؟ بطبيعة الحال، فإنّ الأمور في فرنسا لا تدار بالطريقة نفسها كما في قطر. هنا، المال لا يصنع كرة القدم. الأموال قد تشتري اللاعبين، ولكنها لا تصنع التاريخ ولا تجلب البطولات. هكذا، فاقت قيمة إنفاق النادي الباريسي مليار يورو، ولكن من دون نتيجة. بقي القطاف الأوروبي صفراً! عقم باريس في أوروبا ليس مفاجئاً، فصفقات الخليفي الكبيرة جعلت من النادي قبلةً للنجوم الذين يسعون لجمع الأموال وكسب الشهرة، لا حباً بالنادي وايماناً بمشروعه. اللاعبون يفتقدون الحس التنافسي والروح القتالية من أجل شعار النادي، إلى جانب غياب هوية كروية خاصة به بسبب تغيير الرئيس للكثير من المدربين، الذين لا يحصلون على حرية الاختيار في التعاقدات بسبب تدخل الخليفي. مبارتا باريس سان جيرمان ضد نادي ريال مدريد في بطولة دوري أبطال أوروبا، الموسم الماضي، أظهرتا ضعف الفريق الباريسي في البطولة الأقوى في القارة العجوز. ولا ننسى الريمونتادا التاريخية التي قام بها لاعبو نادي برشلونة في الموسم ما قبل الفائت، حين خطفوا التأهل إلى ربع نهائي البطولة بعد تسجيلهم سداسية في مرمى سان جيرمان، رغم فوز الأخير برباعية في مباراة الذهاب. هكذا، وقفت الفرق الأوروبية حائطاً منيعاً في وجه مشروع الخليفي، الذي لم تسعفه أمواله في اقتناص اللقب.