عند الساعة الواحدة من ظهر أول من أمس السبت، كان فريقا زوق مصبح والإخاء الأهلي عاليه يجريان حركات التحمية، قبل مباراتهما ضمن الأسبوع الثاني من دورة التصفية الرباعيّة للبطولة النسائيّة في كرة القدم على ملعب بحمدون. قبل هذا الوقت بنحو نصف ساعة، تلقّى المراقب في الاتحاد اللبناني لكرة القدم ومسؤول ملعب بحمدون سعيد عبد الخالق الذي كان موجوداً في منزله لظروف صحيّة، اتصالاً لإبلاغه بورود معلومات عن وجود شخص مرتبط بأحد مواقع المراهنات في ملعب بحمدون، وأن المباراة مدرجة على أحد مواقع المراهنات العالميّة.توجّه عبد الخالق إلى الملعب برفقة أحد العناصر الأمنيّين، حيث جرى التعامل مع الشخص، وصودِر هاتفه وهويته، وسُلّما لاحقاً للاتحاد اللبناني لكرة القدم.
لم تكن المرة الأولى. قبلها بأسبوعين كان المسرح في كرة الصالات، وتحديداً على ملعب الصداقة في لقاء جمع نادي 1875 التابع لجامعة القديس يوسف ونادي الجيش ضمن الأسبوع التاسع من دوري الصالات. في هذه المباراة التي كانت مُدرجة أيضاً على أحد مواقع المراهنات، طُرد مندوب هذا الموقع من مدرجات المباراة وأُخرِج من الملعب، وهذا أمر شاهده من كان موجوداً لمشاهدة اللقاء. كانت لجنة كرة الصالات متنبهة للموضوع بعد حادثة شهدتها مباراة سابقة كانت تجمع ناديي بنك بيروت وطرابلس قبل أسبوع على ملعب جامعة القديس يوسف. في هذه المباراة حصلت حادثة غريبة. كانت النتيجة تشير إلى تقدّم فريق بنك بيروت (8-0). سجّل فريق طرابلس هدفه الوحيد في الثواني العشرين الأخيرة، فـ«انفجر» الملعب ومعه المدرجات والجمهور، كما بعض اللاعبين الذين كانوا يشاهدون المباراة من على المدرجات. الفرحة بهدف طرابلس كانت لافتة، ليتبيّن لاحقاً أن المباراة كانت مدرجة على موقع مراهنات عالمي وانتهاء نتيجتها بتسجيل أكثر من ثمانية أهداف كانت ستدرّ أرباحاً كبيرة على المراهنين.
لم تكن هذه المباراة الأولى التي تُدرَج على مواقع المراهنات. فالمرة الأولى كانت في لقاء زوق مصبح مع اللويزة على ملعب الأخير. فوجِئت لجنة كرة الصالات بما حدث، واتخذت حينها إجراءات بهدف الحدّ من هذا الأمر، والعمل على عدم تكراره في مباريات كرة الصالات في لبنان. وبعد هذا اللقاء اتُّخِذَت سلسلة إجراءات بصورة غير معلنة، بهدف حماية بعض الأندية وعدم التأثير سلباً بصورة اللعبة، بحسب ما تحدثت بعض المصادر.
أُوقف مندوب شركة مراهنات في ملعب بحمدون، وسُحب هاتفه وهويته الشخصيّة


في الأسبوع التاسع، تصدّت اللجنة لهذا الأمر أيضاً، حيث طُرد مندوب موقع المراهنات من الملعب، ما أجبر الموقع على سحب المباراتين المدرجتين على صفحة المراهنات بين ناديي الحرية صيدا واللويزة على ملعب الشويفات، وجامعة القديس يوسف مع الجيش على ملعب الصداقة. (لا يكون إدراج المباريات على مواقع المراهنات سرّاً، بل تظهر أسماء الفرق وتفاصيل الرهان بوضوح عند أي متصفّح للموقع).
منذ ذلك الحين لم تُدرَج أي مباراة في دوري الفوتسال على مواقع المراهنات، بحسب ما أكدت بعض الجهات. لكن يبدو أنه اختير مسرح آخر. بطولة السيدات. هنا كان تحرّك الاتحاد اللبناني سريعاً أيضاً، فكان الحسم في مباراة الزوق مع الإخاء الأهلي عاليه. بعد مصادرة هاتف مندوب موقع المراهنات وهويته وتسليمهما للاتحاد، حضر المندوب لاحقاً إلى مقر الاتحاد حيث وُجِّهَت الأسئلة إليه، للوقوف على جميع التفاصيل والمعلومات.
مجموعة من المعطيات كشفها المندوب، حيث تبيّن أنه على علاقة مباشرة مع موقع المراهنات الذي يقع مقرّه في سويسرا. فخلال المباراة وبعد مصادرة الهاتف، لم ينقطع الاتصال مع الموقع الذي استمرّ بإرسال الأسئلة إلى المندوب، للوقوف على تفاصيل اللقاء، من دون معرفة بتوقيفه، وأصبح الهاتف في عهدة الاتحاد اللبناني لكرة القدم. تبيّن أن الرقم سويسري وانقطع الاتصال بعد أن أبلغ المسؤول الاتحادي المتصل بأن المندوب أُوقف. في هذه اللحظة سُحبت المباراة من على الموقع وانقطع الاتصال، وهو الأمر الذي أكّد كل الشكوك.
في الاتحاد، تبيّن أن المندوب لا علاقة له بلعبة كرة القدم، وهو من ضمن مجموعة من المندوبين لمواقع المراهنات الذين يحصلون على وظائفهم، بعد طلب هذه المواقع لموظفين في بلدان مختلفة عبر إعلانات تُنشر في أكثر من موقع إلكتروني ومواقع مراهنات عالميّة. هي ليست المباراة الأولى للمندوب. فقبلها كانت هناك مباراتان ضمن الدرجة الأولى للرجال أُدرجتا على موقع المراهنات وقام المندوب بنقل تفاصيلها إلى الموقع حينها.
وبحسب التفاصيل فإن مندوب الشركة يتقاضى مبلغ 40 يورو مقابل كل مباراة ينقلها، بمعدل مباراتين شهرياً. ويُحوَّل المبلغ إلى حساب مصرفي من أوروبا. قّلة المباريات التي يغطيها المندوب تشير إلى وجود عدد آخر من المندوبين الذين جرى التعاقد معهم، وهم موزعون على مدرَّجات ملاعب كرة القدم اللبنانية، وفي مختلف الفئات، وهذا الأمر أكّده بعض الجهات، بعد تكرر حوادث طرد مندوبين ينقلون تفاصيل المباريات من على المدرجات.
ما يؤكّد ذلك، ما حصل مع مدير نادي الصفاء يوسف بعلبكي. فقبل انطلاق تمارين فريقه على ملعبه، كانت هناك مباراة ضمن بطولة الدرجة الثانية، وكان فريق هومنتمن طرفاً فيها. خلال اللقاء كان هناك أحد المتفرجين ينقل تفاصيل المباراة من تسديدات ورميات تماس وركلات حرة وركنيات بشكل واضح من على المدرج، ويتحدّث بصوت مسموع لمن هم موجودون. تدخل البعلبكي وطلب توضيحاً من المشجع لما يقوم به، فكانت الإجابة أنّه مندوب لوكالة فرنسية تدفع له راتباً شهرياً بقيمة 400$ وتكلّفه نقل وقائع عدد من المباريات. لكن بعد الكثير من الأخذ والردّ، تبيّن أن الشخص الموجود كان يعمل لأحد مواقع المراهنات العالمية ايضاً.
وعادة ما يدخل المندوبون إلى المباريات كمشجعين عاديين، ويقومون بعملهم من على المدرجات، بعد أن تكون المباراة قد أدرجت على مواقع المراهنات. وتؤكد مصادر أن طرد المندوبين أو مصادرة هواتفهم لبعض الوقت، هو أقصى ما يمكن القيام به اتحادياً. فالاتحاد اللبناني لا يحق له استدعاء أشخاص واستجوابهم. حادثة بحمدون كانت استثناءً، حيث نجح فيها المسؤولون من الحصول على هوية المندوب وهاتفه، ما أجبره على الحضور إلى الاتحاد لاسترجاعهما، وهو الأمر الذي أدى إلى كشف المعلومات. لكن هذا لا يمكن أن يحدث دائماً. تأتي هذه الحوادث في وقت جرى فيه سابقاً الحديث عن مراهنات حصلت، وأخرى تحصل في مختلف الألعاب، بانتظار أن يكون هناك قوانين أو إجراءات واضحة حول هذا الأمر.