«إذا أردنا أن ننسخ شيئاً عن غيرنا، علينا أن ننسخه، وعلى الأقل، أن نحسّن فيه تماشياً مع عاداتنا وبلادنا». هكذا كانت كلمات المدرب الإيطالي السابق فابيو كابيلو، والتي نشرتها صحيفة «لا ريبوبليكا»، عن «البوكسينغ داي» في إيطاليا. أولاّ، كان هذا النظام يسير فقط في إنكلترا، وفي الدوري الإنكليزي الممتاز. لم تكن أي من الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى تعتمد هذا النظام المكتظ بالمباريات، سوى الدوري الإنكليزي. «البوكسينغ داي»، هو عبارة عن مباريات للدوري المحلّي، خلال عطلة الميلاد ورأس السنة. ويقضي النظام، بأن لا تتوقّف عجلة الدوري الإنكليزي عن الدوران، بل تستمر في أيام الأعياد، وحتّى في ليلة رأس السنة. حيث يصبح الأمر محتّماً على كل فريق من «البريمرليغ»، أن يخوض ثلاث مباريات في الدوري في أسبوع ونصف الأسبوع تقريباً. ضغط مباريات كبير يتعرّض له لاعبو الفرق الإنكليزية في هذه الفترة، إلاّ أنهم في الوقت عينه، اعتادوا عليها، وأصبحت جزءاً من الموسم الكروي، الذي يمر بهذه المحطّة دائماً. في إيطاليا، وتحديداً في الموسم الماضي (موسم 2017/2018)، أجمع المفوّضون المعنيون بالدوري الإيطالي الدرجة الأولى «serie a»، على أن الـ«بوكسينغ داي»، ستصبح في إيطاليا أيضاً، ولن يقتصر الأمر على إنكلترا. هذا القرار أثار الكثير من الجدل في إيطاليا وفي الصحف الإيطالية، نظراً لأهميّة فترة أعياد الميلاد ورأس السنة في البلاد. في الموسم الماضي، كان القرار يقضي بلعب بعض مباريات كأس إيطاليا، وعلى أن يخوض كل فريق مباراة واحدة في هذه البطولة خلال الأيام الأخيرة من السنة. إلاّ أن اليوم الأمر أصبح مختلفاً تماماً، وبحسب جدول الدوري الإيطالي، والذي وضعه المفوّض الاستثنائي للـ«serie a» رجل الأعمال الإيطالي جيوفاني مالاغو، توجد مباريات في الـ26 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وفي الـ29 من الشهر ذاته (كلها مباريات تخص الدوري الإيطالي فقط). يقول مدير عام نادي روما الإيطالي ماورو بالديسوني: «المعادلة بسيطة، لعبة كرة القدم هي لعبة ترفيهية في المقام الأوّل، وسيكون من المميّز أن تلعب في وقت الأعياد، أمر سيعود بالكثير على إيطاليا وعلى الدوري الإيطالي تحديداً. الدوري الإنكليزي أثبت أن هذه النظرية من الممكن أن يتم العمل بها بنجاح، وستزيد من نسبة المشاهدين والمتابعين للدوري الإيطالي». يعتبر بالديسوني من التيّار الموالي لهذه الفكرة التي يمكن وصفها بالـ«غريبة». بينما في الجهة المقابلة، أي في التيّار المعارض لهذه الفكرة، يوضح المدرب فابيو كابيلو وجهة نظره بالنسبة للـ«بوكسينغ داي» الإيطالي: «إنه وقت متأخر، هذا يعني أن المباريات ستنتهي في وقت متأخر من الليل، وكثير منها سيكون موعد نهايتها في منتصف الليل، وسيخرج المتابعون والمشجعون من الملاعب، وسط البرد القارس، في حين أنه سيكون الكثير منهم لديه يوم عمل عادي في اليوم التالي لهذه المباريات، إذا كان ولا بدّ، أن تقام المباريات في أيام الأعياد، يجب أن تقام في أوقات مبكرة، وتساعد الجماهير على الخروج من الملعب في أوقات مناسبة». هكذا يرى كابيلو الحدث الجديد في إيطاليا، وهذه كانت كلماته في الموسم الماضي. وبالنسبة لمعضلة الوقت التي تطرّق إليها، فها هي اليوم، مباريات الدوري الإيطالي في الـ26 من كانون الأول/ديسمبر الجاري، ستقام أغلبها في وقت مبكر (عند الساعة الرابعة بتوقيت بيروت)، في حين تبقى مباراة واحدة فقط، تخالف بقية المباريات في مواعيدها، وهي المباراة التي ستجمع بين كل من انتر ونابولي في سان سيرو.
ولكن هل فعلاً الـ«بوكسينغ داي» الإيطالي، شبيه لما يحدث في كل عام في إنكلترا؟ بحسب جدول مواعيد مباريات الدوري الإيطالي، يلاحظ الجميع، أن مباريات الدوري الإيطالي ستتوقف في الـ29 من الشهر الجاري (سيكون اليوم الذي تلعب فيه آخر المباريات من السنة)، حتى الـ19 من كانون الثاني/ يناير من العام المقبل. أي أن الأمر وكأنه لم يحدث، وكأن بالـ«بوكسينغ داي» كنظرية، لم يطبّق الإيطاليون أساسها، والذي يقضي بعدم توافر أيّام للعطل. فحسابياً، الأيام التي ستلعب فيها مباريات الدوري الإيطالي، والتي تأتي في أيام عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، سيعوّضها الاتحاد الإيطالي لكرة القدم بـ20 يوماً من الراحة من مباريات الدوري المحلي. وفي هذا الصدد يقول مدير عام نادي روما بالديسوني: «لن يتغيّر على اللاعبين أي شيء، العطلة التي كانوا يريدونها في فترة الأعياد، ستكون من بداية كانون الثاني حتى الـ19 من الشهر عينه». العكس تماماً يحدث في إنكلترا، حيث تخوض فرق الدوري الإنكليزي المباريات في فترة الأعياد، وحتى مع بداية العام الجديد، أي لا مجال للراحة، وهذا ما اشتهرت فيه دائماً وما تقوم عليه فترات «البوكسينغ داي» في إنكلترا.
من بين الأسباب التي يعتبرها بالديسوني أساسية لقيام مثل هذا النوع من المباريات في منتصف الأسبوع وفي فترات الأعياد، هي العائدات المالية من النقل التلفزيوني. حيث سيزيد من متابعة المشاهدين لمباريات الدوري الإيطالي نظراً لعدم توافر بقية الدوريات (يتوقف كل من الدوري الفرنسي والألماني والإسباني عن اللعب في فترة الأعياد). حيث قال بالديسوني: «عدم استغلال هذه الفترة وتركها لدوريات أخرى (كالدوري الإنكليزي) يعني فقدان القدرة التنافسية بيننا وبين بقية الدوريات، لذلك قررنا المشاركة خلال هذه الفترة».
في النهاية، تعيش الكرة الإيطالية تراجعاً كبيراً في السنوات الماضية، إن كان على مستوى الفرق المتنافسة في أكبر البطولات الأوروبية (باستثناء حضور جيد ليوفنتوس)، أو على صعيد المتابعة. ففي الموسم الماضي، احتلت إيطاليا المركز الرابع من حيث الحضور الجماهيري، بمعدل 22177 مشجعاً في المباراة الواحدة في الدوري (الدوري الألماني أولاً، إنكلترا ثانياً وإسبانيا ثالثاً). ومن الممكن، وبحسب ما ذكره بالديسوني، أن تكون هذه الفترة، والتي يحضر فيها إلى الملاعب الإيطالية الكثير من الناس باختلاف أعمارهم (نظراً لفترة الأعياد والعطل الرسمية في البلاد) قد تزيد من نسبة الحضور، وتعود إيطاليا من جديد للواجهة مقارنة مع غيرها من الدوريات التي لطالما كانت تسبقها بلاد النهضة. ولكن نسبة الحضور والمتابعة و«الحماسة الجماهيرية»، قد لا تشير بالضرورة إلى تقدم فرق بلدٍ ما من عدمه. فهذه إنكلترا، وهذه فرقها.