هناك فارق في المستوى بين اللاعب المحلي واللاعب المحترف السبب الرئيسي للإخفاق غياب المرافق الرياضيّة في لبنان

عادت بعثة منتخب لبنان لكرة القدم إلى بيروت بعد نهاية مشوارها الآسيوي في الإمارات، وعاد معها المدير الفني للمنتخب المونتينيغري ميودراغ رادولوفيتش. أمضى ساعات في بيروت قبل أن يغادر إلى بلده لفترة راحة ستمتد إلى نحو أسبوعين. هو «المطلوب الأول» كروياً لدى الرأي العام الرياضي في لبنان، ومن راقب وسائل التواصل الاجتماعي خلال مشاركة لبنان في آسيا، سيكون من السهل عليه أن يرى حجم الانتقادات التي وجهت إلى مدرب المنتخب، حتى من قبل صحفيين رياضيين في لبنان وخارجه، ومن قبل لاعبين ومتابعين. استياء كبير من الخروج المبكر، ومن النتائج والصورة التي ظهر فيها المنتخب. كثيرة الأسئلة التي يواجهها «رادو» بعد تجربة كأس آسيا. الأخبار التقت مدرب منتخب لبنان بعد العودة من بطولة آسيا، وسألته عن مختلف النقاط التي شغلت الرأي العام اللبناني، وعن سبب إخفاق المنتخب في بطولة آسيا، وخروجه من الدور الأوّل.

ماذا حصل في آسيا، هل خروجنا كان متوقعاً، أم أننا فشلنا؟
أولاً أعتقد أننا حققنا نجاحاً كبيراً بالتأهّل إلى كأس آسيا عبر التصفيات للمرة الأولى. هذا التأخّر في التأهّل ليس بالصدفة. السبب الرئيسي غياب المرافق الرياضيّة في لبنان. كيف يمكن أن نعود من معكسر طويل في البحرين حيث كان التمرين على ملاعب بعشب طبيعي، لنعود ونتدرب على ملعب بعشب اصطناعي لخمسة أيام. هناك أمرٌ يجب أن يعلمه الجميع، أن كرة القدم على ملاعب اصطناعية هي رياضة أخرى مختلفة عن اللعب على ملاعب طبيعيّة كما كان في الإمارات. كل شيء مختلف. سرعة الكرة، تحركات اللاعبين، السيطرة على الكرة، التسديد على المرمى.
لاعبو منتخب لبنان يتدربون بأحذية تتوافق مع الملاعب الاصطناعية، ويلعبون بأحذية مختلفة للملاعب الطبيعية. إذا أردتم أن تطوّروا المنتخب اللبناني، فعليكم أن تطوّروا المرافق أولاً، والنظام التدريبي وإيجاد دوري قوي. فحين يكون الدوري قوياً تسهل عمليّة الاختيار.
لا أريد أن أصنف لاعبي المنتخب بين لبنانيين وأجانب. كلهم لبنانيون، لكن هناك فارق في المستوى بين اللاعب المحلي واللاعب المحترف في الخارج. اللاعب المحلي موهوب جداً، لكن لا إمكانية لتطوير موهبته والارتقاء بمستواه في ظلّ هذه الإمكانات. هناك مواهب كبيرة جداً، لكنها ستبقى مواهب. لا أقول إن اللاعب المحترف في الخارج يتمتع بموهبة أفضل. ما أقوله أن حياتهم الكروية مختلفة، ويعيشون في بيئة محترفة. يتدربون بنحو صحيح وجيد، يعيشون بنحو صحيح. نمط حياتهم مختلف، ويلعبون في دوري قوي. لهذا رأينا الفارق بين اللاعبين.
خلال السنوات الأربع الماضية قمنا بعمل جبّار. حين أتيت كان تصنيف لبنان في المرتبة 155، وحققنا إنجازاً بالوصول إلى المركز 77 مع سلسلة مباريات من دون هزيمة، كذلك فإننا تأهلنا إلى كأس آسيا.
يعتقد كثيرون أن هذا التقدم في التصنيف، وكذلك السجل النظيف، وهمي ومزيّف نتيجة مباريات سهلة وعقلية دفاعية، وأنك كنت تعمل لتحسين سيرتك الذاتية، لا لمصلحة منتخب لبنان، كيف ترى هذا الأمر؟
لا ليس وهمياً أو مزيّفاً. فمن ضمن تلك المباريات والتقدم في التصنيف لعبنا مع أوزبكستان وتعادلنا سلباً وكنا جيدين، وفزنا على الأردن (1-0). وبالنسبة إلى أسلوب اللعب، أشدد على أنني لم أغيّر بأسلوب لعبي في جميع المباريات التي خضناها حتى التي فزنا فيها بنتيجة كبيرة. مباراة كوريا الشمالية، على سبيل المثال، التي فزنا فيها بخمسة أهداف نظيفة. ومن ضمن هذه المباريات النظيفة واحدة مع مقدونيا. لعبت بالطريقة عينها. ثلاثة في قلب الدفاع: معتز الجنيدي، جوان العمري ونور منصور. وعلى الطرفين علي حمام وقاسم الزين، وفي الوسط هيثم فاعور وسمير أياس، وفي الهجوم حسن معتوق وهلال الحلوة وربيع عطايا. فكيف أكون قد غيّرت بأسلوب لعبي ونحن فزنا (5-0). هي طريقة اللعب عينها (3-4-3)، التي فزنا فيها على الأردن (1-0)، ومن ثم تعادلنا مع عُمان سلباً وبالطريقة عينها.
ما اختلف هو طبيعة المنافسة. نحن للمرة الأولى في بطولة آسيا، وهذا جديد على اللاعبين، الذين لا شك تأثروا على الصعيد النفسي. أضف إلى ذلك مشاركة منتخبات أقوى. وهنا أود أن أشدد على أمرٍ، أنا لم أخسر في المباراة الأولى أمام قطر. الأخطاء التحكيمية هي التي جعلتنا نخسر. سجلنا ولم يحتسب الهدف، وتلقينا هدفاً غير صحيح من لمسة يد وبطاقة صفراء على حسن معتوق بقرار خاطئ من الحكم. بسبب هذه البطاقة خرجنا من كأس آسيا.
في مباراتي قطر والسعودية بدأت بطريقة لعب (3-4-3)، وبعدما تلقينا هدفاً انتقلت إلى طريقة (4-1-4-1، أو 4-4-2) وفي كلتا المباراتين تلقيت هدفاً ثانياً. في مباراة أوزبكستان الوديّة حصل الخصم على بطاقة حمراء، وحينها غيرت طريقة اللعب من (3-4-3) إلى (4-4-2)، ورغم ذلك لم نسجّل، بل كدنا نتلقى أهدافاً. ما نحتاج إليه نوعية أفضل في الهجوم. وهل اللعب بثلاثة مهاجمين خطة دفاعية؟ المشكلة في قدرات اللاعبين ونوعيتهم.
وبشأن الكلام على عملي لتحسين سيرتي الذاتيّة، أود أن أقول إنني أتيت إلى لبنان بسيرة ذاتية أفضل من أي واحدة لمدربين سبقوا ودربوا المنتخب اللبناني. أنا أتيت بسيرة ذاتية تتضمن بطولة أوروبا دون 21 عاماً مع منتخب صربيا-مونتينيغرو (الجبل الأسود)، وألعاب أولمبيّة مع المنتخب عينه، إضافة إلى دوري أبطال آسيا مع باختاكور الأوزبكي. لذا، أود أن أسأل من يطرح هذا السؤال: أي من المدربين الذين تسلموا منتخب لبنان لديه سيرة ذاتية أفضل مني؟ حتى المدرب الألماني الذي حقق نتائج جيدة مع المنتخب كانت تلك تجربته الأولى على صعيد تدريب المنتخبات، كذلك الأمر بالنسبة إلى المدرب الإيطالي.

لعبنا في آسيا وخسرنا مباراتين، وسبق أن خضنا سبع مباريات من دون تسجيل. وحتى في اللقاءين مع قطر والسعودية لم تكن هناك فرص حقيقية للبنان إلا في ما ندر، لماذا هذه الأرقام السلبيّة؟
بكل بساطة لأن هذا هو مستوانا. بعد التأهّل أجريت بعض الاختبارات الهجوميّة في المباريات الوديّة، ولم أكن أبالي بالنتيجة، ورغم ذلك لم نسجّل وخسرنا. قل لي كيف يمكن أن نجد مهاجمين لبنانيين في دوري 80% من مهاجمي الأندية فيه أجانب، ومن يتصدرون لائحة الهدافين أجانب. ما تصنيف الدوري اللبناني عالمياً؟ أي من الفرق اللبنانية حققت إنجازاً خارجياً؟ الصورة الحقيقية لمستوى الدوري في لبنان كان مباراة النجمة كفريق كبير ومنافس وحتى متصدر مع قاعدة جماهيريّة كبيرة وفريق الأهلي المصري، (4-1) في بيروت. هذه صورة واضحة عن مستوى الدوري اللبناني.
هل يمكن أن تتخيل لو كان لديّ لاعبون كعمر خريبين من الهلال السعودي وعمر السومة من الأهلي كيف ستكون طريقة لعبي؟ رغم وجود مثل هؤلاء اللاعبين، سوريا حصدت نقطة واحدة في الدور الأول. ولبنان الذي لا يملك بنى تحتيّة رياضية ولا دورياً قوياً أحرز ثلاث نقاط وفوزاً تاريخياً للمرة الأولى في كأس آسيا، وخرجنا ببطاقة صفراء. ورغم ذلك هناك عدم رضى. حسناً، لا مشكلة لدي، هذه هي العقليّة، لكن لمن يقول إنني أعمل لمصلحتي الشخصية، أقول إنني رفضت ثلاثة عروض أكبر بثلاث مرات من عقدي اللبناني. أنا أحب هذا البلد، ولدي أصدقاء فيه، وأعمل لمصلحة الكرة اللبنانية. بقيت لأنني حين أتيت قطعت وعداً لرئيس الاتحاد بأنني سأتأهل إلى بطولة كبيرة، وهذا ما حصل. وفيت بوعدي. وأنا سعيد بما حققته.
قطر تعمل منذ ثماني سنوات على هذا المنتخب، وأنا صنعت هذا المنتخب في سنتين ونصف بعد التأهل الأول حيث بدأت عملية التغيير.

يسأل البعض عن سبب اللعب بثلاث تشكيلات في ثلاث مباريات، ولماذا الإصرار على وليد إسماعيل في لقاء كوريا الشمالية وعدم إشراك حسن شعيتو «شبريكو» الذي يتمتع بنفس هجومي؟ ولماذا تكون تبديلاتك متأخرة؟
أنا وعدت اللاعبين بأن جميعهم سيشاركون في بطولة آسيا. وفعلياً فقط «شبريكو» لم يشارك. بالنسبة إلى وليد إسماعيل، فقد كان جيداً في اللقاء مع كوريا، لو لم تكن هناك مشكلة صناعة فرص. فنحن وصلنا مرات كثيرة إلى المرمى الكوري وأهدرنا العديد من الفرص. ورغم ذلك أشركت عطايا وعدنان حيدر وموني، فقد كانت لدي مشكلة في وسط الملعب، وعملت على حلّها بواسطة هذه التبديلات. أما بالنسبة إلى توقيت التبديل، فأنا لا يمكن أن أبدّل في لقاء كوريا، والأمور تسير على ما يرام، ونحن نصل إلى المرمى مراراً. أنا أبدّل في التوقيت المناسب.

هل كان اللاعبون على علم بموضوع البطاقات الصفراء وأهميتها على صعيد التأهّل؟
نعم كانوا يعلمون، لكن المشكلة في عدم وجود معايير واضحة لمنح البطاقات. ففي لقاء قطر تلقينا بطاقة غير مستحقة لمعتوق، في حين أن القطريين لم يتلقوا أي بطاقة.
يشرف رادولوفيتش على منتخب لبنان تحت 23 أيضاً (عدنان الحاج علي)

ألتُقطت لك صورة مع أحد اللبنانيين وقيل إنه وكيل لاعبين ويؤمن عروضاً احترافية لهم، ومن هؤلاء لاعب العهد سمير أياس، مَن هذا الشخص؟
رأيت الصورة وأنا لا أعرفه. هو صديق لرئيس البعثة، وقد كان هناك الكثير من اللبنانيين في الفندق يطلبون التقاط الصور، وهو أحدهم. أما الحديث عن إشراك أياس كشرط رئيسي في لقاء كوريا الشمالية بهدف مساعدة هذا الوكيل، فهذا ليس صحيحاً. أياس معنا منذ فترة طويلة، ولم يسقط بالباراشوت على المنتخب، وأنا كنت بحاجة لجهوده في لقاء كوريا الشماليّة، شأنه شأن نادر مطر. وحتى أنا لا أعتقد أنه وكيل أياس.

عادت عقارب الساعة إلى ما قبل بطولة آسيا، ما الأمور التي تغيّرها أو لا تعود وتكررها؟
لا شيء على الإطلاق. أنا مقتنع بكل خطوة قمت بها. أنا لا أهتم بما يقال في الصفحات الصفراء. النتائج والأرقام والحقائق هي التي تتكلم عني.

ماذا بعد آسيا؟
لقد شاركنا في بطولة كبيرة. لقد كنت واضحاً وصادقاً مع الجميع، اللاعبين والاتحاد، وقد قمنا بعمل رائع. وأسست فريقاً جيداً للمستقبل. لم أتكلم مع أحد حول المستقبل. عقدي ينتهي في شهر أيار/مايو، والآن وقت راحة بعد أربع سنوات من العمل الصعب في ظل غياب الإمكانات ووجود ما يقارب عشرين لاعباً ممنوعين من القدوم إلى منتخب لبنان بعد قضية المراهنات، ورغم ذلك حققنا نتائج جيدة. سأعود بعد أسبوعين لمناقشة جميع الأمور.

هناك استحقاق لمنتخب دون 23 عاماً في تصفيات آسيا التي تبدأ في 22 آذار، مَن الجهاز الفني؟
أنا مشرف على هذا المنتخب وسيعملون وفقاً لبرنامجي، والجهاز الفني بقيادة مساعدي «ميما» ومحمد الدقة ومدرب الحراس «ليدو». أعددنا لائحة باللاعبين الذين سنستدعيهم، لكن بكل أسف معظمهم لا يلعبون مع فرقهم أساسيين. حين نعود سنستدعيهم ونراقب آخرين عبر إقامة حصّة تدريبيّة أسبوعياً، ومن ثم سنقيم معسكراً، ومن بعده ستبدأ التصفيات. لدينا وقت كافٍ، حيث إن العمل بدأ سابقاً والتحضيرات انتهت.


مشكلة جرادي والرسائل الهاتفية
شغلت المشكلة مع اللاعب باسل جرادي الرأي العام الكروي عشيّة المباراة مع السعوديّة ومغادرته لمعسكر المنتخب بعد رفضه الجلوس احتياطياً في اللقاء. كثيرٌ من الكلام قيل، منه لجرادي نفسه، يشير فيه إلى سوء فهم لرسالته وأن المشكلة ليست مع اللاعبين، بل مع المدرب. وكان هناك كلام على مشكلة بين جرادي وعدد من اللاعبين. «الأخبار» سألت رادولوفيتش عمّا حصل، ورغم إصرار «رادو» على أن الموضوع أصبح خلف ظهره ولا يريد الحديث عنه، إلا أنه أوضح بعض الأمور، قائلاً إنّ «المشكلة في عقلية جرادي وتعاطيه مع زملائه والأخطاء التي يرتكبها. لا تسألني عنه، إسأل زملاءه اللاعبين. في أوستراليا افتعل إشكالاً مع سمير أياس. وفي البحرين كان هناك العديد من المشاكل. هناك حصلت بعض الأمور التي عاد واعتذر عنها اللاعب. وفي الإمارات حصلت بعض الأمور، قبل أن تحصل المشكلة الكبرى بعدم قبوله بالجلوس احتياطياً في لقاء السعودية».
وحصلت «الأخبار» على مضمون رسالتين أرسلهما جرادي إلى المدرب رادولوفيتش، واحدة في 29 كانون الأول بعد انتهاء معسكر البحرين جاء فيها: «أود الاعتذار عمّا بدر مني في البحرين. لقد كنت غبياً، ولكن أعدك بأنني سأعود بنفس إيجابي وبحافز أكبر لكأس آسيا. شكراً على منحي كل تلك الفرص. أراك قريباً».
أما الرسالة الثاني التي كان السبب الرئيسي في المشكلة قبل لقاء السعودية فقد جاء فيها: «سمعت أنّك تريد استدعاء عمر بوغيل. يمكنك استدعاؤه لكي يكون حاضراً في لقاء الغد، فهذه فرصة كبيرة له. سأجد تذكرة سفر وسألتحق بفريقي في معسكره في تركيا. أنا لا أقول ذلك في إطار درامي أو سخيف لكوني احتياطياً في لقاء الغد. يمكن إخبار اللاعبين بأنني مصاب وبأن فريقي استدعاني. وحتى لو قلت لي إنني سألعب غداً لم أعد أريد هذا الهراء بعد الآن. ستكون مجنوناً لو ظننت أنني أقبل أن أكون احتياطياً مع هذا الفريق». أرسل جرادي هذه الرسالة إلى المدرب وبعدها غادر البعثة عائداً إلى فريقه في تركيا. وكان قائد المنتخب حسن معتوق قد شرح تفاصيل الأمر، وما قام به جرادي وأسباب عدم مشاركته في مباراة السعودية، كما عن الخلافات في البحرين.