عبر السنوات ارتبط اسم نادي أجاكس أمستردام الهولندي بنادي برشلونة الإسباني. عدد كبير من اللاعبين انتقل خلال القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة من العاصمة الهولندية أمستردام إلى كاتالونيا، أبرز هؤلاء كان الهولندي الطائر يوهان كرويف، حاملاً معه الفلسفة الهولندية، كما فلسفته الخاصة التي باتت ثابتة في برشلونة، وانتقلت منها إلى أكثر من دوري أوروبي. الكرة الشاملة والـ«تيكي تاكا» صنعت المعجزات للكاتالونيين، وأكّدت أن للهولنديين أفضال كبيرة على الـ«كامب نو».بخطى ثابتة، تسعى إدارة نادي برشلونة لتجاوز عثرات السنوات الماضية بدءاً من ترميم خط الوسط، حيث وقّعت إدارة النادي الكاتالوني مع اللاعب الهولندي فرنكي دي يونغ، ليصبح اللاعب رقم 20 الذي يحمل الجنسية الهولندية ويلعب لقميص البلاوغرانا. صفقةٌ يأمل منها أنصار النادي الكثير نظراً إلى ما قدمه الهولنديون تاريخياً من عطاءٍ في الكامب نو، إذ أعاد انتداب اللاعب إلى الذاكرة، الحقبة الذهبيّة للنادي الكاتالوني في سبعينيّات القرن الماضي.
عادةً، يتم اختيار اللاعبين القادمين إلى الأندية وفق معايير محددة، منها العمر، الخبرة، حجم الموهبة إضافةً إلى سعر الصفقة ومدى انعكاسها على خزائن النادي. رغم أهمية العوامل السابقة الذكر، يبقى لثقافة اللاعب الكروية الأثر الأكبر في نجاح لاعبٍ في دوري معيّن من عدمه. بالنسبة إلى برشلونة، يكفي للاعب حصوله على جنسية هولندية لضمان النجاح في الكامب ن. إن أحصينا عدد اللاعبين القادمين إلى برشلونة منذ سبعينيات القرن الماضي، سنرى أن قرابة نصف اللاعبين جاؤوا من أكاديمية النادي الـ«لا ماسيا» وبعضهم من البلدان اللاتينية، فيما يعود النصف الآخر من الصفقات إلى اللاعبين الهولنديين.
تتشابه بيئة برشلونة مع البيئة والكرة في هولندا. ثقافةٌ كروية هجوميّة خالصة واعتمادٌ كبير على الأكاديميّة جعلتا من الاثنين وجهَين لعملةٍ واحدة. علاقةٌ وثيقة تربط برشلونة بهولندا. لاعبون كثر من بلاد «التوليب» و«الطواحين» مثلوا ألوان البلاوغرانا، بعد أن بنت الحقبة الذهبية للهولندي الطائر يوهان كرويف مع النادي، جسراً لانتقال اللاعبين من الدوري الهولندي إلى نظيره الإسباني. رغم شهرة كرويف في الأوساط الكاتالونية، إلا أنه لم يكن الهولندي الأول الذي حطّ في الكامب نو، إذ سبقه إلى هناك المدرب رينوس ميتشيلز، بعد أن جاء إلى النادي عام 1971 ليحدث ثورة في البيت الكاتالوني. فور مجيئه، رسم المدرب رينوس ميتشيلز القواعد الأولى للـ«تيكي تاكا» بأقدام يوهان كرويف، والتي جعلت من ثقافة السيطرة والاستحواذ على الكرة نهجٌ يتبعه برشلونة حتى يومنا هذا.
استطاع ميتشيلز أن يحقق لأجاكس أمستردام خمس بطولات، لم يخسر النادي الهولندي فيهما إلا مباراة واحدة ضمن 47 مباراة. نظراً لمستواه اللافت حينها، قام نادي برشلونة بالتوقيع معه، لبناء أسس الفريق للمستقبل. كان ميتشيلز يقدّم أفكاراً جديدة وبسيطة في عالم الكرة، أخذت اللعبة إلى مستوى آخر، ورغم بساطة خططه نظرياً، لم يكن من السهل تطبيق الأسلوب لولا وجود كرويف، اللاعب الذي يستطيع أن يشغل أي مركز داخل الملعب بحسب مجريات كل مباراة. جاء يوهان عام 1973 إلى برشلونة، وقاده لإحراز لقب الدوري الإسباني بعد غياب 14 عاماً في أول موسم له، إضافةً إلى إحرازه كأس إسبانيا مع برشلونة عام 1978.
أصبح دي يونغ اللاعب رقم 20 الذي يحمل الجنسية الهولندية ويلعب لقميص البلوغرانا


في الثمانينات، وقفت هيمنة ريال مدريد عائقاً أمام برشلونة، ما دفع النادي الكاتالوني لجلب يوهان كرويف كمدرب عام 1988 بهدف إنهاء هيمنة الريال. ظهر حينها في الأوساط الكروية مصطلح الكرة الشاملة، إذ اكتسب المصطلح الذي أسسه ميتشلز، شهرةً أكبر مع كرويف بعد تسلمه الدكة الفنية للنادي الكاتالوني.
تولى كرويف تدريب برشلونة بين عامي 1988 و1996 ونجح في تشكيل فريق قوي عرف بالفريق الحلم للمدينة الكاتالونية. تشكيلةٌ تاريخية ضمت الهداف التاريخي روماريو، وأنطوني زوبيزاريتا، وأوزيبيو، وخوليو ساليناس، ورونالد كومان ومايكل لاودروب إضافةً إلى بعض خريجي أكاديمية لا ماسيا مثل بيب غوارديولا.
تمكّن كرويف من إحداث ثورة فنيّة في الكامب نو، عادت على النادي الكاتالوني بسيطرةٍ تامة على إسبانيا تمثّلت بفوز الفريق بلقب الدوري الإسباني في أربعة مواسم متتالية، بالإضافة إلى كأس ملك إسبانيا وكأس السوبر الإسباني 3مرات ودوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الأوروبي مرة واحدة. مع كرويف، قامت فكرة الكرة الشاملة على أن يكون الفريق كله على نفس المستوى الفني والبدني، ما يعنى أن جميع اللاعبين قادرين على تغطية مهام بعضهم، بحيث يمكن لأي لاعب أن يفعل أي شيء، فبالنسبة لكرويف، كانت كرة القدم تلعب بالعقل في المقام الأول، بحيث يتوجب على اللاعب تقدير المساحات وسرعة الكرة وحسن التمركز قبل إتقان ركل الكرة حتى.
الفلسفة التي أسسها يوهان كرويف والتي سيطر من خلالها على الكرة الإسبانية، بدأت بالتراجع تدريجياً مع رحيله عن برشلونة، غير أن المدرب الإسباني بيب غوارديولا أعاد إحياءها عام 2009، ما عاد على النادي بسداسية تاريخية من الألقاب المحلية والأوروبية.
تستكمل العلاقة الخاصة التي تربط نادي برشلونة باللاعبين الهولنديين مع مجيء دي يونغ في الصيف المقبل. المبلغ الضخم الذي دُفع بابن الـ21 عاماً يعكس مشروع النادي الجديد، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على استقدام المواهب الهولنديّة الشابة لبناء أساس الفريق للمستقبل. دي يونغ لن يكون الهولندي الوحيد القادم في الصيف، إذ من المتوقع من النادي الكاتالوني بذل قصارى جهده ليحظى بجوهرة الدفاع الشابة ماتياس دي ليخت في الصيف المقبل أيضاً، لتستكمل الشراكة بين الأراضي المنخفضة، وكاتالونيا.



الثلاثي التاريخي


أشرف المدرب أريغو ساكي على تدريب إي سي ميلان الإيطالي في نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وتمكن من تقديم أفضل نسخة للنادي اللومباردي بفعل أسلوبه الذي ترجمه نجوم الفريق. في بداية التسعينات، التحق اللاعب الهولندي فرانك ريكارد بمواطنيه ماركو فان باستن ورود خوليت في نادي ميلان، وتمكن من قيادة الفريق إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا للعام الثاني على التوالي، بعد أن سجل الهدف الوحيد في مرمى نادي بنفيكا. رغم الشهرة التي اكتسبها الهولنديون في برشلونة، كان لثلاثي ميلان الهولندي التاريخي علامة فارقة في تاريخ الكرة الإيطالية، حيث كانوا سبباً رئيسياً في الفوز بلقب الدوري الإيطالي 3 مرات وبـ«التشامبيونز ليغ» مرتين، وكأس السوبر الأوروبي مرتين، إضافةً لتحقيقهم رقماً قياسياً بعدد الانتصارات تمثّل بخوضهم 58 مباراة سوياً دون هزيمة واحدة. بفعل الثلاثي الهولندي، هيمن ميلان على أوروبا حتى منتصف التسعينات، حيث لم يتمكن أحد من إيقافهم لما امتلكوه من مهارات، ليصنّف الثلاثي الهولندي كأفضل ثلاثي في تاريخ كرة القدم بنظر البعض.