مشهدان معبّران كانا العنوان في إيطاليا في الأيام الأخيرة. مشهدان عكسا حالتين مختلفتين تماماً: في الأول، ذكريات ودموع، وفي الثاني ابتسامة وطموح. مشهدان اختصرا مشاعر وأحاسيس صادقة للاعب لا يريد الخروج من ماضيه، لكنه في المقابل يبحث عن مستقبله، وما بينهما فرصة يمكن أن لا تتكرر. مشهدان كانا الحدث، ومعانيهما كانتا أول ما يلفت الانتباه.
هكذا، لم يتمالك اللاعب البرازيلي هيرنانيس نفسه وأجهش بالبكاء عند مغادرته آخر حصة تدريبية لفريقه السابق لاتسيو عندما شاهد جماهير «اللاتسيالي» خارج مقر التدريبات، وبعدها بأيام، وتحديداً أول من أمس، كان اللاعب يبتسم أمام عدسات المصورين خلال تقديمه رسمياً بقميص فريقه الجديد إنتر ميلانو، وما بين المشهدين المعبّرين، محصلة واحدة لمدينتين: خسرت روما، وفازت ميلانو.
خسارة فريق العاصمة الإيطالية، لاتسيو، لا تعوّضها خسارة طبعاً، فهيرنانيس كان، قبل قدوم ميروسلاف كلوزه، وحتى معه، النجم والملهم الأول للفريق الأزرق، وإذا بجمهور الـ«بيانكوسيليستي» يستفيق على نبأ رحيل البرازيلي. لذا، كان من الطبيعي أن يحتل الغضب المدرجات في المباراة الأخيرة للفريق في الـ«سيري أ»، وتُرفع اللافتات المنددة بخطوة الإدارة، وحتى أن يتلقى رئيس لاتسيو، كلاوديو لوتيتو، رسائل تهديد بالقتل على «ما اقترفته يداه».
على كل الأحوال، بات لاتسيو من الماضي، وهيرنانيس في مدينة ميلانو الآن.
الاستقبال الذي لقيه اللاعب البرازيلي في مدينة في شمال إيطاليا فاق التصور من دون أدنى شك، حتى إنه وُصف بالاستقبال «الهوليوودي» للاعب موهوب، لكنه ليس بكريستيانو رونالدو أو ليونيل ميسي. هكذا، احتشد أنصار «النيراتزوري» خارج مقر النادي قبل ساعات من قدوم هيرنانيس، ولحظة أن ترجّل من سيارته إذا بالحشد يلاحقه لنيل التواقيع التذكارية. أما في المؤتمر الصحافي، فكان هيرنانيس يُقدَّم تقديم الأبطال، وسط حضور صحافي حاشد.
تقديم إنتر اللافت للأنظار والذي توقفت عنده الصحف الإيطالية للاعبه الجديد، يعكس مدى العطش في النادي للنجوم، لكن ما بدا واضحاً أن مالك النادي الجديد، الأندونيسي إيريك ثوهير، أراد عبره، بطريقة أو بأخرى، تقديم أوراق اعتماده للجماهير بأنه «الرجل المناسب في المكان المناسب» والقادم لانتشال ناديهم من الواقع المرير الذي وصل إليه بعد سنوات، تعدّ على اليد الواحدة، كان فيها «النيراتزوري» على قمة الكرة الإيطالية والأوروبية.
تقديم هيرنانيس كان فيه لبصمات ثوهير الحيز الأكبر من خلال الطابع التسويقي لإنتر، والذي أراد منه الأندونيسي هدفاً واضحاً وهو: إعادة النادي اللومباردي، على الأقل وبادئ ذي بدء إعلامياً، الى الساحة الأوروبية من أوسع الأبواب، على غرار ما تفعله الأندية «المتمكنة» حالياً في أوروبا عند تقديمها النجوم. ومن جهة ثانية، كان ثمة رسالة داخلية من ثوهير عبر تقديم هيرنانيس، مفادها: هذا أول الغيث، والصفقات الكبرى الأخرى قادمة.
هكذا إذاً، يمكن القول إن المستفيد الأول من قدوم هيرنانيس الى إنتر ميلانو كان ثوهير وصورته في ميلانو وأوروبا. صحيح أن البعض قد يجد بأن البرازيلي ليس بذلك النجم الذي يستحق كل هذه الحفاوة وهذا الاهتمام، لكنه، وفقاً للواقع الحالي في إنتر، يبدو «ضربة معلم» آنياً من ثوهير، بانتظار ما سيقدّمه للفريق في الصيف، حيث يُحكى أن الأندونيسي سيُدخل شركاء معه لتمويل صفقات جديدة بعد أن يكون الرجل قد حل مسألة ديون النادي، علماً بأن صفقة هيرنانيس كلفت ثوهير حوالى 20 مليون يورو، وهي الأغلى في سوق الانتقالات الشتوية في إيطاليا، والثانية من ناحية الأهمية أوروبياً بين فريقين كبيرين بعد صفقة الإسباني خوان ماتا من تشلسي الى مانشستر يونايتد في إنكلترا.
فنياً، يمكن القول إن هيرنانيس بإمكانه تقديم إضافة كبيرة وحلولاً لوسط إنتر ميلانو، الباحث عن لاعب مبدع في وسط الملعب على غرار ما كانت عليه الحال مع الهولندي ويسلي سنايدر وقبله مع الأوروغوياني ألفارو ريكوبا، أضف الى تميز البرازيلي بقوة تسديداته وإمكانية شغله مركز صانع الألعاب والجناحين.
هيرنانيس في إنتر ميلانو إذاً. برازيلي جديد في «النيراتزوري» إذاً. هذا، وحده، سبب كاف ليُشعر جماهير الفريق بالتفاؤل، إذ إن تجاربهم السابقة مع البرازيليين كرونالدو وأدريانو ومايكون حملت لهم الابتسامة، تماماً كما أوحت لهم ابتسامة هيرنانيس في إطلالته الأولى عليهم.