عاد الجدل حول الحجاب ليتصدر المشهد في فرنسا من جديد، بعد إعلان شركة «ديكاثلون» الفرنسيّة، المتخصصة في بيع اللوازم الرياضيّة عزمها تسويق حجاب رياضي للنساء المحجبات في الأسواق الفرنسيّة. إلا أنّ الشركة الفرنسية تراجعت عن قرارها في طرح المنتج، بعد ظهور موجة كبيرة من الاعتراضات من جهات سياسيّة وإعلاميّة داخل البلد، وهجوم واسع من أوساط المعادين للإسلام.خطوة «ديكاثلون» أتت «للمساعدة على ضمان أنّ كل امرأة ستكون قادرة على الركض بحرية في كل مدينة وفي كل بلد، بغض النظر عن مستواها الرياضي وشكلها وديانتها»، بحسب ما أشارت إليه أنجليك تيبو المسؤولة عن العلامة التجارية الخاصة بالشركة. لذلك، صممت حجاباً مصنوعاً من البوليستر، لأنّ الحجاب القطني العادي لا يصلح لممارسة الرياضة. الأكيد أن هدف الشركة الأول كان الربح المادّي، وليس تأمين منتج خدمة للمحجبات. تم إطلاق الحجاب أولاً في المغرب ولاقى نجاحاً كبيراً وحقق أرباحاً هائلة هناك، ليتم بعدها إدراجه على النسخة الفرنسية من موقع العلامة التجارية، إلا أنه لم يعد من الممكن الحصول عليه لأن الكمية الموجودة منه قد نفدت. إلا أنّ مدير الاتصالات الخارجيّة للشركة اكزافييه ريفوار لفت إلى أنه لا ينبغي عرض هذا المنتج للبيع في فرنسا في الوقت الراهن، واعترف بأنه كان من الخطأ عرضه على النسخة الفرنسية من الموقع، كما أكد أنّ المنتج قد تم إنشاؤه للسوق المغربية. وهنا يوضح كلام مدير الاتصالات في الشركة أن الأخيرة ليس هدفها تقديم خدمة للمحجبات أو المسلمين، بل ربما القيّمون على الموضوع تقترب وجهة نظرهم من وجهة نظر المعترضين في فرنسا، إلّا أن الكسب المادي كان هو الهدف، ولذلك طُرح المنتج في المغرب بدايةً.
تراجعت «ديكاثلون» عن طرح المنتج في فرنسا، لا سيما أنّ الشركة الفرنسية تلقت 500 اتصال ورسالة إلكترونية تتضمن اعتراضات وتذمرات من المنتج الجديد، إلى جانب تعرّض بعض موظفيها في المتاجر للإهانة، بل وتهديد بعضهم بالضرب والاعتداء الجسدي. ونشرت الشركة في وقت سابق من الشهر الماضي قسماً من الرسائل الاحتجاجية وأخرى القمعية التي وصلتها، إذ ادّعى المحتجون أنّ المنتج الجديد هو «مساهمة في معاناة المناضلات ضد الحجاب»، في حين تساءل فرنسيون آخرون، قائلين: «السلام عليكم، هل تبيعون أحزمة ناسفة؟»، بينما هدد آخرون بالقتل، بالقول: «أيها الأنجاس أنتم تخونون قيم الجمهورية وتساهمون بغزو الإسلام لنا، سينتهي بكم الأمر أنتم وتلك الحثالة في أفران بولندا»! ومن خلال هذه الرسائل يظهر بشكل واضح كيف ينظر اليمين الفرنسي والمعادون للإسلام، للمسلمين في فرنسا، حتى تصل الأمور إلى التهديد بالمحرقة والقتل. وفي هذا الإطار يمكن ربط هذه الحملة المسعورة، بصعود اليمين في فرنسا وأوروبا عموماً، حتى يمكن ربطه بكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أن بلاده سوف تتبنى في قوانينها تعريفاً لمعاداة السامية، تحت عنوان أن معاداة الصهيونية هي شكل حديث من أشكال معاداة السامية بحسب تعبيره.
ظهرت العنصرية ورفض الآخر بشكل واضح رسميّاً وشعبيّاً عندما تم طرح المُنتج في السوق الفرنسية


الحملة المسعورة، أو الهستيريا الفرنسية غير المبررة استمرت، واعتبر بعض السياسيين الفرنسيين أنّ ارتداء الحجاب يتناقض مع «القيم العلمانية» لفرنسا، في الوقت الذي اقترح فيه بعض أعضاء البرلمان مقاطعة العلامة التجارية. واستهلّت المتحدثة باسم الحزب الجمهوري ليديا غيرو موجة الجدل على الحجاب الرياضي، بعدما اتهمت الشركة بـ«خضوعها للإسلاميين الذين يفرضون على النساء تغطية رؤوسهن، لتأكيد انتمائهنّ للأمة، وإخضاعهنّ للرجال». في حين اقترحت النائبة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي فاليري رابولت مقاطعة «ديكاثلون» في فرنسا، مؤيدةً بذلك ما ورد في بيان لرابطة القانون الدولي للمرأة الذي ينتقد الحجاب باعتباره مؤشراً على أن الشركة الفرنسية تروّج للفصل بين الجنسين. من جانبه، اتهم حزب «التجمع الوطني»، المحسوب على اليمين الفرنسي والذي تتزعمه مارين لوبان، الشركة «بإقحام جديد للطائفية الإسلامية في المجتمع الفرنسي». وفي تعليقها على الحدث، صرحت المتحدثة الرسمية باسم الحزب الفرنسي الحاكم، أورورا بيرج، قائلةً: «كامرأة ومواطنة، لن أضع ثقتي بعد اليوم في أيدي شركة تبتعد عن قيمنا». الكلام الرسمي الفرنسي يدل على حجم الأزمة الكبيرة هناك، وعلى ارتفاع مؤشرات العداء والكراهية للإسلام، وهو الأمر الذي يُظهر طبيعة كلام الرئيس الفرنسي، وتبنيه للمطالب الصهيونية. كما أن هذا الكلام ينسف كل ما كانت تنادي به فرنسا على مدى السنوات من انفتاح وقبول للآخر، رغم أن هذا الأمر كان لوقت طويل مجرّد شعارات، فالعمل من تحت الطاولة كان مختلفاً تماماً، والعمل على مواجهة الإسلام والمهاجرين كان دائماً في صلب اهتمامات الدولة هناك، وهو ما انعكس على المجتمع بشكل واضح. العنصرية ورفض الآخر ظهر على المستوى الرسمي بشكل فاضح.
ورأى البعض أنّ صبّ «المجتمع العلماني» جام غضبه على الشركة ومنتجها الرياضي، يساهم أكثر في تأجيج الإسلاموفوبيا داخل المجتمع الفرنسي، لا سيما أنّ هناك جنوحاً من قِبل اليمين نحو «رهاب الأجانب» وتحديداً المسلمين منهم، وهم لا ينفكّون يعلنون عن انزعاجهم منهم في كل مناسبة. فرنسا التي تسعى لتحقيق العدل والمساواة، لا تراعي هذه القيم التي تدعيها، من خلال التضييق على مواطنيها وعدم احترامها للخصوصيات الدينية والثقافية المتعلقة بهم. فهي تحظر الحجاب في المدارس الحكومية وبعض المباني العامة منذ عام 2004، معتبرةً أنّ أي رمز ديني، مثل الحجاب، لا يحافظ على مظهر الحياد المطلوب من الطلاب والعاملين في القطاع العام بموجب قوانين البلاد. هذا الادّعاء لا يبرر العنصريّة ضد المسلمين وغيرهم، من قبل أوساط المعادين للإسلام، والذين يُحسبون على ما يسمّى بالنُخب، الذين هم بعيدون كل البعد عن هذه التسمية. رد الفعل الفرنسيّ لم يعكس أي دفاع عن الحرية أو المساواة، إنما أظهر تشدداً وعدم احترام للتنوع الثقافي.



منع الـ«بوركيني» وشتم صلاح
تحوّل «البوركيني» إلى موضوع سجالٍ حاد في فرنسا صيف عام 2016 وطال عدة بلدان أوروبية. والبوركيني هو لباس يتيح للمرأة السباحة مع تغطية كامل جسمها باستثناء الوجه والكفين والقدمين، إلا أنه مُنع في عددٍ من الشواطئ الفرنسية بحجة أنه رمزٌ ديني. وقد سبّب الأمر ضجةً كبيرةً بعدما أجبرت الشرطة الفرنسية امرأة مسلمة على خلع البوركيني أثناء جلوسها على شاطئ مدينة نيس الفرنسية. ووقف أكثر من 4 عناصر من الشرطة بجانب المرأة وطلبوا منها خلع لباسها، وهو ما حصل بالفعل، وحرّر أحد الضباط غرامة مالية بحقها. إلا أنّ قرار حظر البوركيني تم تعليقه لاحقاً، بعد قرار من مجلس الدولة الفرنسي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ فرنسا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي يتعرض فيه المسلمون للمضايقات، إذ كان نجم ليفربول محمد صلاح آخر ضحايا عنصرية المدرجات الإنكليزية، بعدما تعرض الشهر الفائت للشتائم على خلفية دينية، والهتافات العنصرية من قبل جماهير ويستهام.


حملات متتالية
لا توفر فرنسا فرصة للتصويب على الإسلام والمسلمين. فعندما أطلقت شركة «نايكي» في ديسمبر/كانون الأول 2017 حجاباً للسباق، وكذلك عندما أظهر إعلان تسويقي لشركة «Gap» للملابس فتاةً صغيرة ترتدي الحجاب أيضاً، أثيرت ضجة كبيرة في فرنسا، وخرجت أصوات رافضة ومنددة. كما أثار في وقتٍ سابق ظهور فتاة محجبة تدعى منال ابتسام في برنامج «ذا فويس» بنسخته الفرنسية، جدلاً كبيراً في الوسط الفرنسي، وقد تعرضت لانتقادات واسعة وتصويب إعلامي وسياسي بسبب حجابها، ما اضطرها إلى الانسحاب من المسابقة رغم إعجاب لجنة التحكيم بصوتها. رفض الحجاب والتصويب على الإسلام يتم بطريقة ممنهجة في فرنسا، حتى بات جزءاً من سياسة البلاد هناك، بخلاف ما تدّعي.