في صبيحة يوم بارد خلال نهاية الأسبوع الماضي، يشكو لاعب ناشئ لعمّه عدم تأمين الفريق الجنوبي الذي يدافع عن ألوانه في إحدى بطولات الفئات العمريّة، حذاءً له. كما يخبره وهو يستعد لبداية المباراة بأنه في حال تمزّق قميصه أو سرواله خلال اللعب عليه أن يدفع ثمن الضرر.لم يعد الرجل الخمسيني المتابع للكرة اللبنانية عن كثب منذ أكثر من 30 سنة، يفكر في كيفيّة إيجاد متجرٍ للتجهيزات الرياضية يفتح أبوابه أيّام الآحاد من أجل شراء حذاء لابن شقيقه الموهوب، بل جلّ تفكيره انصب على كيفية حمله إلى أحد الأندية البيروتيّة، قبل أن يدبّ اليأس في نفسه، وهو الذي لن يتقبّل فكرة أن يتوقّف عن اللعب بسبب الظروف الصعبة، فمن يعشق المستديرة سيصعب عليه الطلب من أحد، إدارة ظهره لها، خصوصاً إذا ما كان يرى في الفتى، نفسه قبل 40 عاماً.
هذه القصّة هي عيّنة بسيطة من قصصٍ كثيرة جعلت الخزان الأساسي للكرة اللبنانية يكاد يفرغ من مواهبه. وهنا الكلام عن الجنوب الذي لطالما اعتُبر الرافد الأساسي للاعبين المميزين، الذين حملوا الأندية الجنوبيّة إلى الإنجازات ثم رفعوا نظيرتها البيروتية إلى المنصات، وتحوّلوا إلى نجوم للمنتخبات الوطنية.
سجل محمود كعور هدف النجمة في مرمى نادي منطقته التضامن صور (عدنان الحاج علي)

الأمثلة كثيرة والأسماء عديدة حول ما ذُكر سلفاً، إذ إن الشيء المتفق عليه أساساً هو أنّ أرض الجنوب هي الأرض الخصبة، التي تعطي نجوماً وبشكلٍ أكبر من العاصمة بيروت التي تحظى بحصة الأسد على صعيد عدد الأندية، أقلّه في دوري الدرجة الأولى.
ولهذه المسألة أسباب رئيسية عدة، أوّلها توفّر الأراضي في الجنوب اللبناني، والتي خلقت مساحات للملاعب المشيّدة أو التي فرضتها الظروف الطبيعيّة في الحارات والقرى. وهذه القرى نفسها أو معظمها تتمتع بوجود أندية فيها، غالبيتها يخوض بطولاتٍ اتحادية بين بطولة المحافظات والدرجات المختلفة.
من هذه البيئة خرج اللاعبون الجنوبيّون وقدّموا أنفسهم في الملاعب اللبنانيّة نجوماً تسعى الأندية البيروتية الكبرى للحصول على خدماتهم، وهي التي باتت تعجّ بهم ويلعبون أدواراً مؤثرة في نتائجها. ففي الجنوب لا حاجة للأهالي للبحث عن أكاديميات خاصة لتعليم أولادهم أصول الكرة أو رسم الخطوات الأولى لهم في ملاعب اللعبة، بل إن الأطفال هناك والذين يصلون إلى أعلى مستوى في الكرة اللبنانيّة هم نتيجة إنتاج ذاتي يعتمد بالدرجة الأولى على الحب الفطري للمستديرة التي تعدّ المتنفّس الأبرز أو وسيلة الترفيه الأولى للصغار. هذا المشهد لا يشبه أبداً المشهد البيروتي حيث للصغار مساحات ترفيهيّة أوسع وخيارات كثيرة لقضاء وقتٍ ممتع وحيث لا تدخل الرياضة أحياناً في حساباتهم.
المواهب الجنوبية باتت ترحل تلقائياً إلى بيروت بحثاً عن المال وفرصة أفضل


اليوم يتمثّل الجنوب في دوري الدرجة الأولى بناديي التضامن صور والشباب الغازيّة. الأول كان دائماً قبلة اللاعبين الجنوبيين، والأبرز على صعيد تخريج المواهب، من رضا وفيصل عنتر وهيثم زين، ووصولاً إلى محمد حيدر ونصار نصار وربيع عطايا، والقائمة تطول. لكن التضامن اليوم، هو غير التضامن الذي عُرف سابقاً، وهو أمر أثّر بلا شك على عملية «احتكاره» للمواهب الجنوبيّة التي لم تعد تجد فيه الملاذ الوحيد، وذلك بفعل تراجع النتائج الفنية وصعوبة الأوضاع المالية التي عانى منها «سفير الجنوب».
من هنا، باتت المواهب التي كانت تذهب تلقائياً إلى التضامن، ترحل نحو بيروت بحثاً عن المال وفرصة أفضل، وهي مسألة لا ترتبط فقط باللاعبين الذين وصلوا إلى مرحلة النضج الكروي أو أولئك الذين قدّموا أنفسهم في دوري الكبار، بل حتى الناشئين أيضاً الذي باتوا يرون في الأندية البيروتية الخيار الأنسب لهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر مهدي زين، الذي لم يسر على خطى والده وسام لاعب الإصلاح البرج الشمالي سابقاً، أو أعمامه هيثم (لعب لأندية عدة أبرزها التضامن والنجمة)، وفادي (التضامن والحكمة) وناصيف (التضامن)، بل كانت انطلاقته من بيروت مع نادي النجمة. وكذا فعل محمود كعور بعد هبوط الإصلاح في نهاية الموسم الماضي حيث انضم للنجمة أيضاً، بينما اختار حبيب شويخ الإخاء الأهلي عاليه بدلاً من البقاء في منطقة صور أو الجنوب.
إذاً هي قضيّة واضحة، حيث البحث عن المجد وتأمين مستلزمات الحياة الأمثل، فلم يعد أبناء الجنوب يستخدمون أنديته كمنصة للذهاب إلى بيروت، وهو أمر يكاد يتحوّل إلى قاعدة، إذ حتى أبناء المغتربين العائدين إلى لبنان، والذين كانوا في الماضي البعيد لديهم ارتباط عاطفي بمناطقهم جعلهم يدافعون عن ألوان أنديتها (رضا وفيصل عنتر مثلاً)، باتوا يأخذون الطريق الأسرع إلى بيروت، على غرار ما فعل الحارس الرقم 1 في الدوري حالياً مهدي خليل، والذي ما لبث أن لحق به شقيقه هادي إلى الراسينغ بعد موسمين قضاهما في الدرجة الأولى مع التضامن.
بطبيعة الحال يبدو اللاعب الجنوبي مطلباً للأندية المرتاحة مادياً، فهو يتمتع بقدرات بدنية تميّزه عن غيره في مجالات عدة، وذلك على غرار الطبيعة الجسمانية التي تولد لديه جراء ممارسته للعبة على رمال شاطئ البحر مثلاً أو في الملاعب الرملية التي تعطيه قدرة تحمل استثنائية. وهذه النقاط مثلاً يلاحظها الفنيون، فقدّمت إداراتهم الأموال الوفيرة للاعبين الجنوبيين، ما حدّ من نجاح أندية الجنوب في الحفاظ على مواهبها، وهي التي لا تزال تعتمد بمعظمها على جيل من الإداريين القدماء لا على فئة شابة تتمتع بأفكارٍ تطويرية واستراتيجيات لتطوير الأندية وخلق نظرة بعيدة المدى تعنى بقطاع الناشئين خصيصاً.
كما أن هذه المواهب تجد اليوم نقطة إيجابية إضافيّة في ارتباطها بالأندية البيروتية مثلاً، وتحديداً في مسألة التوقيع على عقودٍ بمدة زمنيّة محددة بدلاً من الارتباط بنادٍ مدى الحياة. ويضاف لهذه النقطة مسألة عدم توافر عنصر المال كما هي الحال في بيروت، بحكم ابتعاد المستثمرين القادرين على تأمين تمويل جيّد للأندية الجنوبيّة، يساعدها على تحصين لاعبيها والاحتفاظ بنجومها، والمنافسة على الألقاب.



العهد يواجه الغازية والنجمة يغلب التضامن
تغلّب النجمة على التضامن صور بهدفٍ من دون رد، أمس الأربعاء، على ملعب صور البلدي، في افتتاح الأسبوع الـ18 من بطولة لبنان للدرجة الأولى. مباراةٌ جماهيريةٌ شهدت إضافة 12 دقيقة من الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، بعدما توقّف اللقاء في الدقائق الأخيرة، عقب اعتراض التضامن صور على الهدف الذي سجّله الشاب محمود كعور في شباك الفريق المستضيف. هدفٌ صحيحٌ احتسبه الحكم ماهر العلي، بعدما أشهر مساعده راية التسلل بقرارٍ خاطئ، وهو ما أوقف لاعبي التضامن في حين أكمل مهاجم النجمة طريقه نحو المرمى. ويلعب العهد مع الشباب الغازية اليوم (14:15) على ملعب صيدا البلدي، في مباراةٍ يغيب عنها لاعبا الفريق الجنوبي الأجنبيين إسماعيلا أنتيري وفرانسيس ماولي، والبلغاري مارتن توشيف من جانب العهد، بسبب الإيقاف الاتحادي.