لا يختلف اثنان على أن العهد والأنصار استحقا بلوغ المباراة النهائية لمسابقة كأس لبنان لكرة القدم، وذلك نسبةً إلى الموسم الذي قدّمه كلٌّ منهما، إذ لا يمكن الحديث عن مبالغة عندما يرتبط الأمر بالعهد، والدليل احتفاظه بلقب الدوري اللبناني، والأمر عينه ينطبق على الأنصار الذي تطوّر كثيراً، وبات الفريق الممتع بالنسبة إلى المتابعين.فريقان يتشابهان إلى حدٍّ كبير في نقاطٍ فنية عدة، ولو أن ثبات المستوى الفني أو النتائج الفنية صبّت في مصلحة العهد أكثر ممّا كانت حليفة للأنصار. الفريق الأصفر سيطر على البطولة المحلية، ولم يكسر سلسلة نتائجه الإيجابية سوى الفوز الأنصاري، في مباراة اعتبرها البعض هامشية، لكنها ــ بلا شك ــ حملت دفعة معنوية كبيرة لـ «الزعيم» الأخضر الذي وضع الكأس نصب عينيه لتعويض ما فاته في الدوري، مع إدراكه المسبق أنه لا يقف بينه وبين منصة التتويج سوى بطل لبنان، وخصوصاً بعدما نجح في إقصاء غريمه النجمة بنحو مستحق.
الفوز المذكور الذي حققه الأنصار في «دربي» الكأس كسر إلى حدٍّ كبير الكلام عن أن فريق المدرب الأردني عبد الله أبو زمع لا يملك شخصية قوية لتخطي الاختبارات الصعبة في المباريات الحساسة، إذ حتى فوزه على العهد في الدوري لم يبعد عنه هذا الاتهام، الذي لم يتبخّر تماماً، لاعتبار البعض أن مستوى النجمة لم يكن يؤهله أصلاً لتخطي الأنصار، وبالتالي إن المباراة التي سيحتضنها ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية الليلة ستحدد إذا ما كان المشروع الأنصاري لا يزال يسير على طريق التطوّر.

قواسم فنيّة مشتركة
صحيح أن الفوارق الفنية بين الفريقين كانت كبيرة في بداية الموسم، لكن الصورة العامة للفريقين اختلفت قبل ختامه، لا بل ظهرت بعض القواسم المشتركة بينهما في نقاطٍ محددة، وهي مسألة يمكن أن تصعّب من حسابات المدربَين أبو زمع وباسم مرمر وقراءتهما قبل الموقعة المرتقبة وخلالها. وبدا جليّاً أن العهد، مع الاقتراب من المراحل النهائية للبطولة، ثم حسمه لها باكراً، وتالياً انشغاله بكأس الاتحاد الآسيوي، جعله لا يعتمد على تشكيلة ثابتة، بل كانت خيارات مرمر وفق ما تحتاجه كل مباراة لتحقيق نتيجة إيجابية، وبحسب جاهزية لاعبيه، واستناداً إلى ما يملكه الخصم. كذلك أُضيف إلى خلط الأوراق الدائم مسألة عودة كل اللاعبين المصابين والموقوفين إلى التشكيلة، ما اضطره إلى إشراكهم جميعاً، أساسيين أو بدلاء، للإبقاء على جاهزيتهم.
هذه النقطة تترك الأنصار في حالة حيرة حول التشكيلة الأساسية التي سيبدأ بها العهد، وبالتالي قد تكون الحسابات وليدة الساعة، أي خلال مرحلة جسّ النبض التي تبدأ مع انطلاق المباراة. وقد تصعب الأمور تالياً مع لعب مرمر لأوراقه التي غالباً ما تكون رابحة، وخصوصاً أنه كما بات معلوماً يملك مقعد بدلاء لا يمكن مقارنته بنظيره في أي فريقٍ آخر.
ستصعب القراءة الفنية بالنسبة إلى المدربَين بسبب تغييراتهما الدائمة


أما النقطة الأخرى، فهي صلابة خط دفاع العهد الذي كان الأفضل في الدوري، والذي ينطلق الفريق الأصفر من ثباته لترجمة أدائه الجماعي المميّز إلى أهدافٍ مدروسة ومرسومة بدقة. هذا الخط سيكون أمام الاختبار الصعب، لكونه سيواجه خط الهجوم المرعب للأنصار، الذي كان الأفضل على هذا الصعيد في الدوري.
ومن هذه النقطة يمكن التوقف أيضاً للحديث عن قاسمٍ مشترك. التشكيلة الأنصارية بدورها لا تخلو منها مسألة التغييرات التي تكون مفاجئة أحياناً، كتلك التي وضعت مثلاً عباس عطوي «أونيكا» على مقعد الاحتياط، أو الدفع بالجناح حسين عواضة أساسياً، أو حتى تغيير مراكز عدد من اللاعبين المفاتيح، ما يعقّد مسألة مراقبتهم من قبل الخصوم.
هذه المسألة تنسحب أيضاً على الأداء العام للفريق على أرض الملعب، الذي قد يجبر العهد على القيام بمجهودٍ مضاعف للحدّ من الخطورة الأنصارية. وهنا التصويب على مسألة تبادل المراكز شبه المستمر بين رباعي الهجوم، وتالياً من خلال الدور الحرّ الذي يؤديه أحياناً كل واحدٍ منهم أو بشكلٍ محدد النجم التونسي حسام اللواتي، الذي لا يمكن توقّع ما يمكن أن يفعله من خلال تمريرة حاسمة أو اختراقٍ غير منتظر. حتى الهداف السنغالي الحاج مالك، بات يخرج من مركزه أكثر ويذهب باتجاه وسط الملعب للهروب من الرقابة الدفاعية، ولإراحة لاعبي الوسط الموجودين تحت الضغط، المتوقّع أن يكون أكبر في مواجهة العهد، بفعل الجاهزية البدنية للاعبي الأخير وانضباطهم التكتيكي على هذا الصعيد.
أما الأمر الذي سيكون مقلقاً لمحبي الكرة الهجومية، فهو المبالغة في التحفظ التي يمكن أن يقتل نسق المباراة باكراً، في وقتٍ يتوقّع فيه أن يقدّم الفريقان عرضاً يكون الختام المثالي لموسمٍ يريده العهد مثالياً من خلال إحراز الثنائية، ويريده الأنصار حجراً أساساً للموسم المقبل الذي يرى كثيرون أنه سيكون خلاله المنافس الأول والأصعب للعهد، وهو أمر إذا ما كان صحيحاً، يجب على الأنصار تأكيده من خلال لقبٍ طال انتظاره بالنسبة إلى جمهوره الكبير الذي شاهده يرفع الكأس للمرة الأخيرة قبل 7 سنوات.