عندما يحصل لاعب مثل داني الفيش على شارة قيادة المنتخب البرازيلي، فإن هذا الأمر يعني أشياء كثيرة. فهنا الحديث عن لاعبٍ مثير للجدل بتصريحاته التي وُصفت بـ«الوقحة» في محطات عدة، وعن لاعبٍ لا يملك أي دبلوماسية في التعاطي مع الظروف التي يعيشها ناديه مثلاً، على غرار ما خرج به منتقداً سياسة الانتقالات في باريس سان جيرمان، معتبراً أنه يفترض أخذ رأيه في ما خصّ هذا المجال. كذلك هنا الحديث عن لاعب وُصف بـ «المهرج» من قِبل بعض الصحافيين، لا بسبب ما يرتديه من ملابس غريبة، بل أيضاً بسبب تصرفاته التي تبدو أشبه بتصرفات المراهقين في بعض الأحيان.لكن رغم كل هذه النقاط السلبية، ألفيش اليوم هو «كابتن» البرازيل بدلاً من نجم المنتخب الأول نيمار. حالة غريبة لكنها ليست سابقة إذا ما ارتبط الحديث بـ«السيليساو»، إذ لا ضرورة أن يكون أفضل لاعب في المنتخب هو قائده، وقد تم تسجيل هذا الأمر في مناسبات كثيرة عدة، إذ لم يكن بيليه قائداً للبرازيل في مونديال 1970، ولم يكن روماريو الكابتن في مونديال 1994، ولا رونالدو أو ريفالدو في مونديال 2002، بل لاعبون كانت لهم خبرتهم الطويلة في الملاعب وتأثيرهم في المجموعة وقدرتهم على لمّ الشمل عند كل مفترق صعب. وبالطبع هذا ما دفع القيّمين على المنتخب البرازيلي الحالي إلى الذهاب نحو اختيار الفيش للمهمة الصعبة.
لا يُعتبر نيمار نموذجاً جيداً للاعبين الشبان (كارل دو سوزا ـ ا ف ب)()

هي مهمة صعبة فعلاً لأن البرازيل تحتاج اليوم إلى أكثر من قائدٍ وملهمٍ لتقف على قدميها من جديد وتعود بعبعاً مرعباً لكل منتخبات العالم. حاول نيمار لعب هذا الدور لكنّه فشل بشكلٍ كبير، أقله في كأس العالم، ولو أنه نجح في لعب دور البطولة في الالعاب الأولمبية وحمل الذهبية الوحيدة لبلاده في عام 2016.

القائد الضعيف
بعد خيبة مونديال 2014 ثم المونديال الأخير، حكى كثيرون عن قائدٍ ضعيف اسمه نيمار، إذ لم ينتظر أحد من صاحب القميص رقم 10 أن يحمل «السيليساو» على كتفيه وينطلق به إلى منصة التتويج، ولم ينتظر منه أحد أن يكون البطل الذي لا يُقهر والذي لا يتعرض للإصابة، بل ما انتظره الجميع هو لاعب يملك تأثيراً إيجابياً لبثّ الروح في زملائه العاطفيين، الذين نظروا إليه منذ فترة طويلة بأنه بيليه الجديد كونه برز في سنٍّ صغيرة، والدليل أن الاتحاد البرازيلي قرر (لدواعٍ تسويقية عملياً) منحه قميص «الملك» (بدلاً من الرقم 11) متأملاً أن يسير على خطاه.
لكن نيمار بدوره كان ضعيفاً، لا بسبب تعرضه للإصابات وابتعاده عن المباريات أو التمارين، ولا بسبب عاطفيته أولاً، إذ لا يحتاج إلى الكثير من الوقت ليجهش في البكاء في حالة الحزن أو حتى الفرح!
لم يكن نيمار ملهماً لزملائه داخل أو خارج الملعب


كما أنه بدا ضعيفاً أمام زملائه بتعمّده السقوط بسبب أي احتكاك بسيط مع أحد الخصوم، ولم يتمتع بالتالي بعناد القائد وشراسته وروحه القوية على المستطيل الأخضر، بل تحوّل إلى لاعب كرتوني بحسب ما وصفته إحدى الصحف البرازيلية خلال مونديال 2018، حيث أصبح مادة أساسية للنكات والفيديوهات الساخرة.
وجاءت مسائل أخرى لتضيف نقاطاً سوداء إلى السجل القيادي لنيمار، منها أنانيته وعدم اكتراثه لوجود نجومٍ آخرين إلى جانبه. أضف مشاكله في الفترة الأخيرة على صعيد تعرّضه للإيقاف أوروبياً ومن ثم في فرنسا بعد تعرضه لأحد المشجعين.

بين الماضي والحاضر
كل هذه المسائل صبّت في مصلحة الفيش في استعادة أكثر من صورة للماضي، حيث بحثت البرازيل دائماً عن قائدٍ قوي الشخصية. واللافت أن هذا القائد حضر في شخصية لاعبين شغلوا مركز الفيش أي الظهير الأيمن، وبدوا أفضل من أهم نجمٍ في لعب دور «الكابيتانو» على أكمل وجه.
الكلام عن مونديال 1970 يُبرز اسم كارلوس ألبرتو الذي لم يرحم لاعب المنتخب الإنكليزي فرانسيس لي بسبب ركله لزميله الحارس فيليكس، فانتقم منه بخطأ قاسٍ جداً بعد دقائق فقط على الحادثة. وفي مونديال 2002 وضع كافو شارة القيادة على ساعده الأيسر، ولعب دور الموجّه بامتياز لكوكبة من النجوم الذين يعدّون بين الأفضل في التاريخ. كما لعب دور المواجه لأيّ خصمٍ يتعرّض لهم، وضبط الإيقاع الجماعي، فكان النجاح الكبير بإضافة نجمةٍ جديدة إلى القميص الذهبي.
والأكيد أن نيمار ليس من طينة هؤلاء اللاعبين القياديين، أقله من خلال الأنباء التي تتوارد دائماً من معسكرات المنتخب البرازيلي، والتي تحكي عن لاعبٍ غير منضبط في التمارين أو غير مكترث للكثير من التفاصيل خلالها. وهنا يمكن الجزم بأن نيمار ليس الرجل المناسب للمهمة كونه يفترض أن يكون مثالاً أعلى يحتذى به للمجموعة بأكملها، وهو ما دفع المدرب تيتي سابقاً إلى عدم الاعتماد على قائدٍ واحدٍ للمنتخب، حيث مهّد الطريق لسحب الشارة من نيمار من دون الاصطدام معه، ولو أنه ارتداها مرة واحدة بعد المونديال، قبل صدور القرار الأخير.
أما اختيار الفيش فهو أيضاً فكرة ذكية من قبل القيّمين، وتندرج طبعاً ضمن المحاولات لعدم إحداث شرخٍ أو ترك تأثير معنوي على نيمار الذي من دونه يخسر المنتخب الكثير فنياً. والمقصود هنا بأنه تمّ اختيار لاعبٍ (ورغم صفاته الكثيرة غير المقبولة بالنسبة إلى قائد)، اعتاد اللاعبون سماع صوته وآرائه الصريحة في غرف الملابس. كما أنه مقرّب من نيمار إلى حدٍّ كبير، وقد لعب الأخير دوراً في قدومه إلى العاصمة الفرنسية حيث لم يحققا الشيء الكبير معاً حتى الآن (على الصعيد الأوروبي)، لكن ربما يفعلانها في كوبا أميركا ويحملان اللقب التاسع للبرازيل والأول منذ عام 2007.