تدور الكرة، والعالم يدور. يعتبر البعض أن كرة القدم باتت مملة، فجميع اللاعبين يشبهون بعضهم. لا تستطيع تمييز لاعب عن آخر، قوانين الكرة قتلت الإبداع ربما. لاعبو الجنوب ينتقلون إلى الشمال، حيث الأضواء والمال الكثير. هي خدعة كبيرة، تسرق اللاعب الجيد، وفي بعض الأحيان تقتل موهبته، تحوّله إلى آلة، تطبق التكتيكات، ولكن يبقى منهم الـ«مجانين»، الذين يتمردون على الخطط والقوانين ليزرعوا البسمة على وجوه الجماهير.محمد صلاح انتقل من نجريج التابعة لمركز بسيون في محافظة الغربية، إلى الشمال البريطاني. لاعب من الجنوب أعاد الأمجاد لواحد من أعظم أندية العالم، من دون نسيان الدور الكبير للسنغالي المميّز ساديو مانيه، والهولندي ـ السورينامي الأصل فيرجيل فان دايك. قصة صلاح لا تشبه الكثير من الحكايات، هو الذي خرج من أحياء مصر القديمة والفقيرة، هو ابن الناس وابن الشعب. رغم أنه تأثر بأضواء البريميرليغ في بعض المراحل، إلا أنه لم ينسَ البدايات. لحظة احتفاله بدوري أبطال أوروبا، لم ينسَ صديقه، واللاعب الذي أحبه عندما كان طفلاً وتأثر به. سأل مباشرة «أبو تريكة فين؟». «سكرة» الفوز بدوري الأبطال لم تنسِه محمد أبو تريكه، اللاعب المصري الخلوق والموهوب الذي يشبه صلاح، والذي خرج من ذات الأزقة التي خرج منها «أبو مكة». يغنون لأبو صلاح، كما غنّوا لأبو تريكة سابقاً «من العتبة جينا ومن شبرا.
الفوز بدوري الأبطال لم يُنسِ صلاح صديقه محمد أبو تريكه

يا تريكه يا بو فانيلا حرير حمرا». جمهور ليفربول يغني لصلاح «الملك المصري». الجميع يحب صلاح، فشهرته تخطت كل الحدود، ولكن الحب الحقيقي يبقى للمصريين، الذين يقولون، محمد صلاح «ابننا». الصور التي انتشرت للمصريين في مختلف القرى والمدن، الفقراء والأغنياء الذين يتابعون المباراة النهائية لدوري الأبطال توضح ماذا يمثل «أبو مكة» للناس هناك. «هو واحد مننا». الصور الحقيقية جاءت من الأحياء الشعبية، الأحياء الحقيقية التي أهملتها الدولة في مصر، وفي روزاريو وريو دي جينيرو أيضاً. في المنوفية بشمال القاهرة صور لفلاحين يتابعون المباراة عبر شاشة صغيرة، أما في القاهرة فكان الجنون الحقيقي، وتحديداً في ضاحية عين شمس. عربة طعام تبيع الفول، الطعام الشعبي المشهور عند المصريين، حملت اسم «ليفرفول». شعار النادي تحول من «يو ويل نيفر ووك ألون» (لن تسير لوحدك أبداً)، ليصبح عند عربة الطعام «يو ويل نيفر إيت ألون» (لن تأكل بمفردك أبداً). صلاح يمثل المصريين، ينقل صوتهم إلى العالم، هكذا ينظرون هم إلى الأمر. «إبننا» يسيطر على أوروبا، يرفع الكأس الأغلى. من هنا يخرج اللاعبون المميّزون، اللاعبون الذين يقودون أنديتهم، والمنتخبات التي تجنّسهم لاحقاً إلى الألقاب. في هذه الأحياء تكمن الحقيقة، ومن هنا تخرج السعادة، مهما حاول البعض تحويل كرة القدم إلى صناعة مملة، واللاعبين إلى ماكينات تشبه بعضها.