استهلّت سيدات البرازيل مشوارهنّ في المونديال الفرنسي لكرة القدم بانتصارٍ سهل على حساب جامايكا بعد تسجيلهنّ ثلاثية نظيفة، إلا أنّ ما حملته تلك المباراة كان أكثر من مجرد ثلاث نقاط بالنسبة الى الفريق.كريستيان صاحبة الأهداف الثلاثة دخلت التاريخ بعدما أصبحت أكبر لاعبة تسجل «هاتريك» في نهائيات كأس العالم بعمر الـ 34 عاماً و25 يوماً، متفوقةً على النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو صاحب الرقم القياسي سابقاً، حينما سجل ثلاثية منتخبه أمام اسبانيا خلال المونديال الروسي الأخير، وهو بعمر الـ 33 عاماً و130 يوماً. إلا أنّ كريستيان لم تكن الوحيدة التي كانت المباراة محطة مهمة بالنسبة إليها.
فورميغا لاعبة الوسط البرازيلية فعلت ما عجز عنه الجميع، إذ باتت أول من يشارك، سواء على صعيد الرجال أو السيدات، في نهائيات كأس العالم لكرة القدم في سبع نسخ مختلفة. بعمر الـ 41 عاماً، أصبحت فورميغا أكبر لاعبة تشارك في نهائيات البطولة العالمية على مدار تاريخها. المفارقة أنه عندما لعبت البرازيلية المخضرمة ميرالديس موتا، المعروفة باسم فورميغا، مباراتها الأولى في كأس العالم عام 1995، لم تكن الكثير من اللاعبات المشاركات في المونديال الحالي قد وُلدن بعد! هي الآن بعمر والدات زميلاتها في المنتخب، لكنّ ذلك لم يثنِ عزيمتها ولم يضعف إرادتها.
ورغم إعلان فورميغا اعتزالها اللعب الدولي عام 2016، إلا أنّها آثرت على نفسها المشاركة مع سيدات البرازيل وعادت عن قرار الاعتزال العام السابق، لتحمل شرف تمثيل «السيليساو» للمرة السابعة في أكبر البطولات. خطتها كانت تقضي فقط بمساعدة بلادها للوصول إلى النهائيات، ولكن بعدما نجحت في مهمتها، قررت إعطاء نفسها فرصة أخيرة لمحاولة التتويج باللقب الأغلى برفقة زميلاتها. على عكس منتخب الرجال الفائز بخمس بطولات في كأس العالم، فشلت السيدات في رفع الكأس خلال جميع مشاركاتهنّ في البطولة، وكانت أقرب محاولاتهنّ حين وصلن إلى المباراة النهائية عام 2007، لكنّ سيدات ألمانيا خطفن اللقب حينها.
فورميغا التي تلعب في صفوف نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، احترفت خلال مسيرتها مع 14 نادياً مختلفاً في السويد، الولايات المتحدة الأميركية، والبرازيل، قبل أن تحط رحالها عام 2017 في عاصمة الأنوار باريس. خلال مسيرتها الطويلة والحافلة، عرفت الكثير من التغيرات التي طرأت على كرة القدم النسائية، والتي رغم تطورها بشكل كبير عن السابق، لا تزال غير منصفة بحق اللاعبات السيدات. أكدت فورميغا في إحدى مقابلاتها الأخيرة أنها كانت تختبئ في صغرها كي تتمكن من لعب كرة القدم مع الفتية. حينها لم يكن هناك فرق أو أندية خاصة بالفتيات، لذلك كانت الأمور بالغة التعقيد بالنسبة إليها. لكن كل التضييقات والظروف الصعبة التي كانت تحيط باللعبة لم تمنع البرازيلية من ملاحقة حلمها، وكسر الصورة النمطية حول عجز الفتيات عن لعب كرة قدم جيدة. وبالفعل نجحت في ذلك.
في مشاركاتها الدولية، أتمّت مهمتها على أكمل وجه، وها هي لا تزال تدافع عن ألوان بلادها حتى اللحظات الأخيرة. قد يكون المونديال الحالي الفرصة الأخيرة لفورميغا، إلى جانب عدد من زميلاتها في المنتخب اللواتي بِتن في العقد الثالث من العمر، للتتويج بكأس العالم. ورغم أنّ حظوظ البرازيل ليست كبيرة، ولا سيما في ظل وجود منافسة كبيرة من صاحبات الأرض، إلا أنّ الأسطورة البرازيلية لا تزال تأمل بالوصول إلى أدوار متقدمة في البطولة. وحتى لو فشلت في التتويج، فإنّ مشوارها مع المنتخب لن ينتهي هنا. لا يزال أولمبياد طوكيو 2020 بانتظارها، وهو بالمناسبة سيكون الأولمبياد الثامن لها. في الوقت الذي يعتزل فيه الكثير من اللاعبين في منتصف الثلاثين، فإنّ هذه السيدة بعمر الـ 41 لا تملّ ولا تتعب.
الأكيد ان التتويج باللقب العالمي على الأراضي الفرنسية في حال حصوله، سيكون بمثابة جائزة لفورميغا تتوج بها مسيرتها الاستثنائية في كرة القدم، سواء على صعيد الأندية أو المنتخب.