من بين المنتخبات الإفريقية التي لم تأخذ حتّى الآن حقّها من الزخم الإعلامي الكبير لبطولة الـ«كان»، كلّ من منتخبي السنغال وساحل العاج، أو كما يعرف بالـ«كوتديفوار». أسباب عدّة أدّت إلى عدم الالتفات إلى هذين المنتخبين، من بينها أن البطولة الإفريقيّة الأكبر والأهم تقام على الأراضي المصرية، ما أدّى إلى استحواذ «الفراعنة» على حصّة الأسد من هذا الزخم الإعلامي. أضف إلى ذلك تألق النجوم العرب في الدوريات الأوروبية، وعلى رأسهم محمد صلاح نجم ليفربول، رياض محرز نجم الـ«سيتزنس»، وحكيم زيّاش نجم أياكس أمستردام. هذا الثلاثي سيطر على العالم الافتراضي المتمثّل بمواقع التواصل الاجتماعي، ليكونوا في مقدّمة قائمة نجوم القارة الإفريقية.
تمتلك السنغال هجوماً مميّزاً (خالد دسوقي ـ ا ف ب)

رغم عدم إدراج كل من السنغال وساحل العاج ضمن المنتخبات الأوفر حظاً للظفر بالكأس الإفريقية الذهبية، إلّا أن هذين المنتخبين يحتلان المركزين الأوّل والثاني من ناحية القيمة السوقية للاعبين. فبحسب موقع «ترانسفر ماركت»، الذي يختصّ بالإحصائيات والأرقام، بلغت قيمة لاعبي المنتخب السنغالي السوقية 386.40 مليون يورو، بسبب لاعبيه المميزين والمحترفين في أبرز الدوريات الأوروبية وأهمها. يأتي في المركز الثاني منتخب ساحل العاج، الذي قدّر الموقع عينه قيمة لاعبيه السوقية بنحو 284.75 مليون يورو. بحسب الأرقام، يبدو أن كِلا المنتخبين، السنغالي والعاجي، يملكان زاداً بشرياً مميزاً، من الممكن أن يخوّلهما ليكونا المرشّحين الأبرز للفوز بلقب الـ«كان». ما يمكن ملاحظته، أنّ المنتخبين الجزائري والمصري يحتلان كلاً من المركزين الثالث والرابع توالياً من ناحية القيمة السوقية للاعبين. فوصلت القيمة السوقية للاعبي المنتخب الجزائري إلى 196.55 مليون يورو، في حين أن المنتخب المصري يحتل المركز الرابع بفارق بسيط جداً عن منتخب «محاربو الصحراء»، بقيمة وصلت لـ196.20 مليون يورو. يأتي المنتخب العربي الثالث، أي المنتخب المغربي في المركز السادس، برصيد وصل إلى 158.11 مليون يورو كقيمة سوقية للاعبين. ما يمكن استنتاجه، أن المنتخبات العربية المشاركة في البطولة الإفريقية، رغم تحسنها في الآونة الأخيرة، إلّا أن السنغال وساحل العاج لا يزالان يحتلان المركزين الأول والثاني. وهذا ما يمكن أن يُنتج ـ بطبيعة الحال ـ تشكيلتين مميزتين تشاركان في نهائيات كأس أمم إفريقيا ـ 2019 في مصر.
تحتل السنغال وساحل العاج المرتبتين الأولى والثانية من حيث قيمة اللاعبين السوقية


في الموسم الماضي، وتحديداً في الدوري الفرنسي، ولدت موهبة من ساحل العاج، أبهرت العالم، وأصبحت من بين أهم المواهب الكروية وأبرزها في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى. نيكولاس بيبي، اللاعب العاجي، الذي قدّم موسماً استثنائياً برفقة فريقه الفرنسي ليل الموسم الماضي، هو اليوم من بين الأهداف التي تسعى إليها أهم الفرق الأوروبية، ومن بينها كل من باريس سان جيرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ الألماني. سجّل بيبي 23 هدفاً، إضافة إلى مشاركته في أهداف أخرى من خلال 12 تمريرة حاسمة في كل المسابقات الموسم الماضي. كان بيبي عنصراً مؤثراً في تشكيلة المدرب الفرنسي كريستوف غالتييه، الذي بدوره حصل على جائزة أفضل مدرب في الدوري الفرنسي. شكّل النجم الـ«إيفواري» ثلاثياً مميزاً برفقة كل من الفرنسي الشاب جوناثان بامبا (23 سنة)، والمهاجم البرتغالي الصغير رافاييل لياو (20 سنة). سيكون للجناح الأيمن العاجي دور كبير في بطولة كأس الأمم الإفريقية الحالية، إلى جانب لاعب نادي كريستال بالاس الإنكليزي وجناحه، ويلفريد زاها. الأخير، مع كل فترة للانتقالات، على الأقل في السنتين الماضيتين، يصبح اسمه من بين الأسماء المطروحة لأيّ نادٍ أوروبي كبير، على غرار بوروسيا دورتموند الألماني، مانشستر يونايتد الإنكليزي، باريس سان جيرمان الفرنسي وغيرها. زاها، الذي كان في السابق لاعباً في صفوف اليونايتد، لم تنجح تجربته مع الـ«شياطين الحمر»، وذلك بسبب العلاقة المتوترة التي كانت بينه وبين مدرب الفريق آنذاك الإسكتلندي دافيد مويس لأسباب شخصية. لكن بعد انتقاله إلى نادي النسور كريستال بالاس، أعيد إحياء زاها من جديد، ليصبح من بين أمهر اللاعبين في الـ«بريمير ليغ»، إن لم يكن أمهرهم من الناحية الفردية والمراوغات. سيشكل زاها ثنائياً «نارياً» برفقة نيكولاس بيبي في منتخبهما الوطني، إذ سيكون زاها على الجهة اليسرى التي يفضلها، وبيبي على الجهة اليمنى، ما سيشكّل خطراً كبيراً على أي منتخب من الممكن أن يواجهه منتخب ساحل العاج في البطولة الإفريقية.

فازت ساحل العاج في مباراتها الأولى على جنوب إفريقيا (خافيير سوريانو ـ أ ف ب)

بعيداً عن الشق الهجومي، يمتلك منتخب «ساحل العاج» لاعباً مميزاً في خط الوسط، اللاعب الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى صفوف النادي الكاتالوني برشلونة. جان ميشال سيري، لاعب نادي فولهام الإنكليزي، النادي الذي لم يوفّق في موسمه الأول في الـ«بريمير ليغ» منذ سنوات، إذ اضطر إلى الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى الإنكليزية. سيري كان من بين أكثر اللاعبين في فولهام، الذي يقدّم أداءً ثابتاً، أي إنه لا يتأثر بوضع الفريق خلال الموسم. وجّهت الأضواء إلى سيري، تحديداً عندما قدّم موسماً استثنائياً برفقة فريقه السابق نيس الفرنسي، إلّا أن سوء إدارة النادي الفرنسي، لم تسعف سيري لكي يكون اليوم مرتدياً قميص الـ«بلاوغرانا» برشلونة، أو حتى قميص النادي الباريسي، باريس سان جيرمان. يتميّز سيري بتمريراته القصيرة بين الخطوط، إضافة إلى تسديداته البعيدة المتقنة. سيشكّل سيري إلى جانب لاعبي ماينز الألماني وميلان الإيطالي جان فيليب غبامين وفرانك كيسييه توالياً، خط وسط من الصعب اختراقه بسهولة. أمّا بالنسبة إلى الشق الدفاعي، فهنا تكمن المشكلة. فمع إصابة أفضل مدافع عاجي في السنوات الماضية ولاعب مانشستر يونايتد إيرك بايي، لا وجود لمدافع صلب ينشط مع الفرق الأوروبية في التشكيلة الإيفوارية، ما سيؤدي إلى معاناة كبيرة لـ«الفيلة» في البطولة الإفريقية.
يُعتبر ساديو مانيه من أبرز اللاعبين في البطولة


بالنسبة إلى المنتخب السنغالي، المنتخب الذي يحتل المرتبة الأولى في ترتيب المنتخبات الإفريقية من ناحية القيمة السوقية للاعبيه، يكفي المتابعين والنقّاد معرفة أنْ لا وجود للاعب في التشكيلة السنغالية يبلغ عمره 30 سنة وأكثر. كل لاعبي منتخب الأسود لا يتعدّى عمرهم 29 سنة، وهذا يدعو إلى استنتاج مهم، أن السنغاليين يملكون منتخباً شاباً جاهزاً في كل خطوطه، وواضعاً نصب عينه الهدف الأسمى الذي يتمثّل بتحقيق اللقب. بقيادة هدّاف الدوري الإنكليزي الموسم الماضي، لاعب ليفربول ساديو مانيه، سيكون المنتخب السنغالي على الورق المنتخب الأوفر حظاً للظفر بلقب البطولة الإفريقية.


خط هجوم يتشكّل من مانيه، وكيتا بالدي دياو لاعب إنتر ميلاو الإيطالي، وثنائي رين الفرنسي الذي يتمثّل بكل من مباي نيانيغ لاعب ميلان الإيطالي السابق والشاب الصغير إسماعيلا سار (21 سنة). خط هجوم المنتخب السنغالي سيكون من بين الأفضل في البطولة الإفريقية إلى جانب كل من المنتخب الإيفواري والمنتخب الجزائري. بالنسبة إلى خط الوسط، سيكون الاعتماد الأكبر على نجم إفرتون الإنكليزي إيدريسا غييي، اللاعب المطلوب دائماً في إنكلترا من باقي فرق الـ«بريمير ليغ»، إضافة إلى نجم كريستال بالاس الإنكليزي أيضاً، شيخو كوياتي. لاعبان في مركز الارتكاز، هما ثقل خط وسط منتخب السينغال. قدّم كوياتي موسماً لا بأس به مع فريق «النسور» الإنكليزي، وهو قد اكتسب خبرته بسبب التنقل بين أندية عدّة، أبرزها نادي ويست هام تحت إشراف المدرب الكرواتي السابق للفريق، سلافن بيليتش، المدرب الذي أعاد النادي اللندني إلى الواجهة من جديد. بالنسبة إلى خط الدفاع، لا يمكن إنكار ما يقدّمه أحد أفضل المدافعين في العالم حالياً إلى جانب فرجيل فان دايك الهولندي، كاليدو كوليبالي، مدافع نابولي الإيطالي. تقدّر قيمة كوليبالي السوقيّة بنحو 80 مليون يورو، حتّى إن نادي الجنوب الإيطالي بقيادة المدرب كارلو أنشيلوتي رفض عروضاً وصل واحد من منها إلى 100 مليون يورو لبيعه. قيمة كوليبالي في خط دفاع المنتخب السنغالي كبيرة جداً، سيستفيد منها المدافع الثاني في المنتخب، ولاعب نادي شالكه الألماني، ساليف سانيه، الذي سيكون إلى جانب الـ«دبابة» كوليبالي في البطولة الإفريقية. ما يميّز المنتخب السنغالي عن غيره من المنتخبات في بطولة كأس الأمم الإفريقية، امتلاكه لحارس مرمى مميّز، ينشط في الدوري الإيطالي وتحديداً مع نادي سبال، حارس مرمى شاب ألفريد غوميز (25 سنة)، بإمكانه أن ينظّم خط الدفاع، فضلاً عن العملاقين اللذين سيكونان أمامه، والحديث هنا عن ثنائي قلب الدفاع، كوليبالي وسانيه. بالنسبة إلى مركزي الظهير الأيمن والأيسر، يملك المدرب واللاعب السابق في المنتخب السنغالي أليو سيسيه، ظهيراً أيمن صاحب مواصفات عالية، وهو الصغير موسى واغي لاعب نادي برشلونة الإسباني. برز واغي كثيراً خلال بطولة كأس العالم الأخيرة في روسيا، وقدّم أداءً أدّى إلى أن تقدّمت إدارة النادي الكاتالوني للتعاقد معه ليصبح لاعباً جنباً إلى جنب مع النجم الأرجنتيني ليو ميسي.

مما لا شك فيه، أن بطولة الأمم الإفريقية ستكون حافلة بالكثير من الندية والمنافسة، نظراً لتعدد المرشّحين للفوز باللقب، ولقوّة المنتخبات العربية المشاركة، إلّا أن الحظوظ ستبقى قائمةً بالنسبة إلى المنتخبين السنغالي والعاجي، اللذين يملكان أعلى قيمة لاعبين في السوق حالياً، ما سيؤدّي إلى وضعهما في قمّة المرشحين. لكن تبقى بطولة «الكان» كغيرها من باقي البطولات، ستعرف الكثير من المفاجآت، ليظهر من خلالها منتخب يكون أكثر المنتخبات تنظيماً، ولا تزال نسخة 2012 حاضرة في الأذهاب، حيث تمكّن آنذاك المنتخب الزامبي من تحقيق اللقب الأغلى على الصعيد الإفريقي، بقيادة مدرب المنتخب العربي المغربي الحالي، الفرنسي إيرفي رونار. والأكيد أيضاً أنّ مواجهة السنغال مع الجزائر اليوم، والمغرب مع ساحل العاج غداً ستعطي صورة واضحة عن مسار المنتخبين في البطولة.