وصل حسن معتوق إلى الأنصار ليضيف سلاحاً فتّاكاً آخر إلى صاحب أفضل هجوم في الدوري اللبناني لكرة القدم الموسم الماضي. إضافةٌ بلا شك كبيرة للفريق الأخضر الذي بدا ممتعاً في الشق الهجومي، لكن السؤال المطروح حالياً هو، أين سيستقر قائد منتخب لبنان في التركيبة الأنصارية، وهل «كثرة الطبّاخين» ستحرق الطبخة أم ستقدّم الـ«طبق الألذ» للجمهور الأخضر الجائع للألقاب؟هو حسن معتوق، النجم الذي يتمنى أي مدربٍ أو أي فريق الحصول على خدماته. هو اللاعب القادر على صناعة الفارق على أرض الملعب بلمحةٍ فنية، واللاعب الذي يمكنه «صناعة العجائب» بكلّ ما للكلمة من معنى عندما تكون الكرة بين قدميه.
لا يختلف اثنان على القيمة الفنية لكابتن منتخب لبنان، لكن أيضاً هناك من يصوّب على معتوق في الجانب الفني تحديداً، وهو أمر كان بالإمكان لمسه في الموسم الأخير حيث صوّبت الأسهم باتجاه نجم النجمة السابق، فوُصف بالأناني في مناسبات عدة، لكن رغم ذلك هناك أمران يبرّران لمعتوق في هذا المجال: الأول هو أن «أنانيته» في بعض الأحيان كانت خشبة الخلاص بالنسبة إلى فريقه المترنّح في الكثير من المباريات، بينما كان الأمر الثاني واضحاً للعيان، وهو أن من حق معتوق الاحتفاظ بالكرة أكثر من اللازم في بعض فترات المباريات بحكم عدم وجود لاعبٍ حاسمٍ آخر في صفوف النجمة أو من يمكنه لعب دور البطل إذا صحّ التعبير.
سيكون ظهر معتوق محمياً أينما وُجد على أرض الملعب (عدنان الحاج علي)

هذا في الماضي، لكن في المستقبل سيختلف الوضع كثيراً عمّا كان عليه لأن معتوق سيكون وسط مجموعة من اللاعبين الحاسمين والـ«فتاكين» هجومياً، والذين يهوون اللعب الجماعي، وهو ما سيريحه كثيراً، وما يمكن أن يضاعف تألقه ربما.
من هنا يبدأ التشريح الفني حول المراكز التي يمكن أن يشغلها نجم الأنصار الجديد مع المدرب السوري نزار محروس، والذي يمكنه الاستفادة من الأدوار المتقدّمة المختلفة التي يمكن أن يقدّمها اللاعب على أرض الملعب، وهو ما سيخلق ليونةً في التعامل التكتيكي في المباريات وعلى صعيد الخيارات في التشكيلة الأساسية أيضاً. وهذه المسألة تتعزّز بوجود لاعبين يشبهون معتوق في هذا الإطار، فإذا جرى استبعاد السنغالي الحاج مالك تال من المقاربة الهجومية للاعبين متعدّدي الأدوار، يظهر أن التونسي حسام اللواتي لم يكن منوطاً به مركز الجناح الأيمن فقط بل أخذ دوراً حرّاً في بعض الأحيان، ولعب دور المهاجم المساند في أحيانٍ أخرى. الأمر عينه ينطبق في حالة حسن شعيتو «موني»، الذي يمكنه بسهولة أيضاً تعويض غياب الحاج مالك، بينما أثبت حسن «سوني» سعد أنه الأفضل في هذا المجال، أقله على الصعيد التكتيكي والفعالية داخل منطقة الجزاء، فبرع في كلّ مرة طلب فيها المدرب السابق الأردني عبدالله أبو زمع اللامركزية في الهجوم.
وعند اللامركزية يبدأ الحديث لشرح الاستراتيجية المحتملة والأكثر واقعية التي يُنتظر أن يعتمدها الأنصار مع معتوق، وهي تتمحور حول خطتين أساسيتين، وذلك بحسب أسماء اللاعبين الحاضرين أو الغائبين، وطبعاً بحسب الفريق الخصم.
بطبيعة الحال، إذا كان هناك لاعب يعشق اللامركزية في اللعب فهو معتوق نفسه، إذ يفضّل غالباً الهروب من الرقابة اللصيقة عبر تبديل مركزه، وهو أمر جعله يتنقل بين الجهتين اليسرى (وهي المفضلة لديه) واليمنى مع النجمة، وأحياناً بين الوسط والهجوم بشكلٍ يجعل منه صلة الوصل بين الخطين، وأيضاً يخفف الضغط على حامل الكرة من زملائه، ويساعده على الاستحواذ والانطلاق في العمق ضمن المساحات الخالية وباتجاه منطقة الجزاء بحسب ما يهوى عادةً.
من هنا قد تحضر في الأنصار استراتيجية (4-2-3-1) التي ستسمح لمحروس استخدام 4 من مهاجميه دفعةً واحدة، بحيث يساند رأس الحربة الوحيد أي الحاج مالك 3 لاعبين، فيكون معتوق حاضراً على الطرف الأيسر وسوني على الطرف الأيمن وبينهما اللواتي. وهذه الخطة قابلة للتعديل مع دخول موني إلى التشكيلة فيصبح مثلاً اللواتي على اليمين ويدخل معتوق خلف المهاجم ويذهب زميله السابق في العهد ليأخذ مكانه.
هذه المرونة الكبيرة في الخيارات الهجومية لا شك أنها ستترك قلقاً كبيراً لأي خصمٍ، لكن في نفس الوقت لا بدّ من التنبّه للناحية الدفاعية، إذ إن المواكبة على هذا الصعيد لن تأتي من معتوق تحديداً كون الفريق يفضّل الاستفادة من تقدّمه لقيادة الهجمات المرتدة. لذا اختيار لاعبَين مناسبين في الارتكاز هو أمر مفصلي لحماية خط الظهر الأنصاري، وإلا سيكون العمل في المقدّمة مجرد إهدار للوقت، وهو أمر يعرفه الأنصاريون جيّداً من دروس الموسم الماضي عندما تسبّبت الإخطاء الدفاعية بضياع المجهودات الهجومية، وبالتالي فرصة المنافسة بشكلٍ جديّ على اللقب.
يمكن لمعتوق أن يفعل أفضل مما فعله مع النجمة بالنظر إلى الظروف الفنيّة لفريقه الجديد


أما الاستراتيجية الأخرى فهي الأكثر ضمانةً وتتمحور حول خطة (4-4-1-1)، والتي ستلزم رباعي خط الوسط بواجبات دفاعية أكبر، وتترك معتوق ربما خلف الحاج مالك وتمنحه فرصة أكبر للتحرك في المساحات الخالية بين الوسط والهجوم، وتجعله نقطةً محورية في أي عملية هجومية وتحرره بشكلٍ أكبر للعب أحد أدواره المفضّلة.
بكل الأحوال لن يكون ظهر معتوق غير محمي أينما وجد على أرض الملعب، وخصوصاً على الطرفين، إذ إن خصوم الأمس باتوا أصدقاء اليوم، ومن كانوا يشكلون إزعاجاً له - أمثال الظهيرين نصار نصار وحسن شعيتو «شبريكو» - سيعملون على تأمين الممرات الآمنة له، وفتح الطرقات أمامه، ومن ثم إغلاقها خلفه من دون أن يشغل باله بالناحية الدفاعية وواجباتها المعقّدة أحياناً.
ببساطة يمكن لمعتوق أن يفعل مع الأنصار أفضل مما فعله في النجمة، فهناك كل الظروف مؤمّنة، لا خارج الملعب فقط بل داخله أيضاً، والمنظومة الأنصارية يمكن أن تكون قد اكتملت بوصوله، فهو كان القطعة الناقصة لإكمال رسمة لوحة «الغالاكتيكوس» التي عمل النادي على خطّها موسماً بعد آخر في الأعوام القريبة الماضية، وذلك لهدفٍ واحد، وهو استعادة لقب الدوري الغائب عن خزائن «الزعيم» منذ حَمَله للمرة الأخيرة في ختام موسم 2006-2007.