مشاكل لبنان لم تكن يوماً بعيدة عن ماراثون بيروت، ما ألصق دائماً شعاراً تضامنياً مع لبنان في نسخات السباق الذي يجمع سنويّاً آلاف اللبنانيين على طرقات العاصمة بيروت. لكن الآلاف أنفسهم موجودون على الطرقات حالياً، لكن تحت شعار «الثورة»، فيركضون بين هذا الطريق والآخر، وتلك التظاهرة والأخرى، وخلف مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.هم يلتقون اليوم، ولو بشكلٍ غير مباشر مع الهدف الذي قالت جمعية «بيروت ماراثون» إنها تضعه فوق كل الأهداف التي تعمل عليها سنويّاً، أي أن تعكس صورة أحلى عن لبنان. صورة جامعة لكل الأطياف في شارعٍ واحد لا كما هي الحال الآن، حيث حلّ الانقسام الذي يترك أبشع المشاهد في الساحات والطرقات.
طرقات بيروت وسواها من المناطق، والتي أُغلقت اعتراضاً، فكّكت مسار الماراثون وتركته أمام موعدٍ مجهول لإقامته في ظل التعقيدات الكثيرة التي فرضت نفسها على مساره التحضيري الذي كان قد وصل الى مرحلة متقدّمة قبل 3 أسابيع تقريباً على الموعد المحدد، لكن قرار التأجيل حتى إشعار آخر فُرض على الجهة المنظّمة التي ذكرت في بيانها أنها اتخذته «نتيجة التطورات التي يعيشها لبنان، وتحسّساً بدقة المرحلة الحالية، وتماهياً مع مبادئنا والتكامل مع أهلنا وناسنا في الوطن وبتمنٍّ ونصائح من شركاء أساسيين معنا، معاهدين بأن تبقى جمعية «بيروت ماراثون» ملتزمة دورها ورسالتها تحت عنوان المحبة والتلاقي والسلام».
إذاً، استبق المنظمون ما يمكن أن يحدث أو أن يتوقف، إذ حتى لو توقّف الحراك سريعاً فإن هناك استحالة لإقامة السباق في العاشر من الشهر المقبل، وذلك بسبب ما آلت إليه الأمور، حيث إن عدداً من الطرقات الأساسية التي يتضمنها المسار عرفت كل أشكال الاعتراض الحاصل، ما يعني أنه يفترض التحقق منها قبل الشروع في تنظيم أي سباق. وهنا المقصود أن المنظمين باتوا مجبرين على التأكد من وضع الطرقات ومدى جاهزية المسار لاحتضان العدّائين، إذ إن هناك احتمالاً كبيراً لتضرّر بعض الطرقات، وبالتالي لا يمكن اعتبار أنها لا تزال صالحة لإقامة السباق.
لن ينزع الاتّحاد الدولي «التصنيف الفضّي» عن الماراثون


رئيسة جمعيّة «بيروت ماراثون» مي الخليل قالت في اتصالٍ مع «الأخبار» إن القرار كان صعباً «وخصوصاً أنه خلال 16 عاماً من عمر الماراثون لم يحصل أي تأجيل، إذ رغم تأزّم الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد مراراً كان هناك إصرار من قبلنا لإقامة السباق، لكن هذه المرة تختلف الظروف كثيراً». وتضيف: «بالنسبة إلينا تأتي سلامة العدائين في المقام الأول، والأكيد أن الوطن أولوية أيضاً، وما حصل سيزيدنا مثابرة وعزيمة لتنظيم السباق لكي نؤكد على مبادئ ماراثون بيروت التي ترفع شعار الرياضة تجمع ولا تفرّق».
الخليل تنفي إلغاء السباق وتعلن تحدّياً جديداً لجمعيتها، لكن المفاجأة المؤسفة هي أن النسخة المقبلة لن تعتبر سباقاً دولياً، وذلك في ظل عدم إمكانية اشتراك عدّائي النخبة الذين تمّ الاتفاق معهم مسبقاً للحضور، إذ توجّهوا الى ماراثونات أخرى لتعويض تفويت موعد الماراثون اللبناني، فسيشارك منهم في اليونان وتركيا على وجه التحديد.
وهذه النقطة يمكن التوقّف عندها، إذ إن ماراثون بيروت يحمل «التصنيف الفضي» من قبل الاتحاد الدولي لألعاب القوى، ما يعني ان عدم اقامة سباق دولي قد يعيده الى «التصنيف البرونزي»، وهو امر توضحه الخليل بقولها: «طبعاً هناك مجازفة لخسارة التصنيف اذا كانت الأرضية غير حاضرة لإقامة سباقٍ على مستوى دولي، لكننا سارعنا الى الاتصال بالاتحاد الدولي الذي تفهّم الظروف الاستثنائية ولن ينزع التصنيف الفضي عن السباق كون ما حصل هو خارج عن ارادتنا».
وفي موازاة الاستعدادات الواسعة التي سقطت بضربة موجعة، هناك خسائر كثيرة مختلفة الأوجه، منها الغاء القرية الماراثونية نهائياً لأسبابٍ لوجستية، اضافةً الى خسائر مادية، منها ما يرتبط بالمطبوعات الكثيرة التي أعدّتها الجمعية وتحمل التاريخ القديم للسباق، ومنها ما يرتبط بتجهيزات يمكن رؤية الحريق او التكسير الذي لحق بها خلال المرور على اي طريق يلحظه المسار. أضف ان الجمعية ستضطر الى التمديد لموظفيها المتعاقدين معها، ما سيرتّب عليها مبالغ اضافية. كما يمكن اعتبار ان عدداً كبيراً من العدائين أصيبوا بالخيبة بعد استعدادهم للسباق وفق برامج دقيقة وجدولٍ زمني محدد، ما يعني ان كل تعبهم ذهب هباء.
ما يفوق الـ 48 ألف عداء وعداءة شاركوا في العام الماضي، وهو عدد قد لا يصل إليه الماراثون المقبل في حال استمرار الوضع الصعب على حاله في البلاد، لكن لا شك في ان شعار «سوا منركض للبنان» الذي رفعته الجمعية هذه السنة اصبح يتلاقى اكثر من اي وقتٍ مضى مع الوضع الحالي، في ظل الآمال الكبيرة بأن يكون الشارع المقبل الذي سينزل اليه اللبنانيون نقطة التقاء لا نقطةَ تفريق بينهم.