كان رحيم شاكيل سترلينغ في الخامسة من سني طفولته عندما عادت الوالدة نادين إلى جامايكا وأمسكت بيده واصطحبته معها من مدينة كينغستون إلى لندن الإنكليزية. لم يكن يخطر في بال الأم، التي سافرت قبلها بفترة إلى بلاد الإنكليز لتبحث عن رزق تعول به العائلة الفقيرة المكوّنة من أربعة أطفال، لحظتها، أن وجه رحيم، الذي تركت العيشة القاسية في حي مافيرلاي، كإخوته، ندوبها باكراً على تفاصيله، سيصبح في يوم من الأيام الأكثر تحبباً وقرباً إلى قلوب القاطنين في الأحياء الراقية لمدينة ليفربول.
لا شك في أن عيني نادين تدمعان الآن في كل مرة تطالع فيهما وجه رحيم على التلفاز خلال مباريات ليفربول، وتتذكر تلك اللحظة التي أمسكت فيها بيده قبل 14 عاماً في مطار كينغستون، بينما باقي الأبناء، المحيطون بجدتهم، يبكون فراق الأم والأخ. كيف لا تدمع عينا نادين واسم رحيم بات الأكثر تردداً على ألسنة المارة في شوارع ليفربول وصوره تحتل غرف نوم أطفالهم والعناوين الرئيسية على أغلفة صحفهم وسائر صحف إنكلترا، ونجوميته تكبر يوماً إثر يوم في ملعب الفريق الأشهر للمدينة «آنفيلد رود».
من يشاهد رحيم في مباريات ليفربول حالياً، لا بد أن يلتمس أولاً، بخلاف الموهبة التي يتمتع بها هذا الشاب، البالغ 19 عاماً، عبر مهاراته التي لا يضاهيه فيها أحد الآن في بلاد الإنكليز في مركز الجناح من خلال سرعته وكفاءته في المراوغة، حماسة هذا اللاعب التي تعكس طموحه الكبير لتعويض بداية طفولته الصعبة في جامايكا وتعب الوالدة في إنكلترا.
العلاقة بين رحيم والوالدة نادين هي أكثر ما يلفت الأنظار في المسيرة اليافعة لهذا النجم الصاعد بقوة نحو النجومية مع ليفربول، ومستقبلاً مع منتخب إنكلترا؛ إذ لا يخفي الشاب تعلقه الكبير بها واستمرار تأثيرها فيه حتى الآن، رغم أنه أصبح أباً لمولودة قبل أقل من عامين. هذا التأثير لا يستثني الجانب الكروي؛ إذ إن نادين لا تتوانى عن إعطاء ابنها ملاحظات على أدائه في هذه المباراة أو تلك، حتى إن رحيم قال ممازحاً في إحدى مقابلاته الصحافية: «أمي تخال نفسها جوزيه مورينيو!».
لكن العناية الخاصة من نادين لولدها تماثلها عناية أخرى يوليها المدرب براندن رودجرز ولاعبو وجماهير ليفربول لرحيم، نظراً إلى طموح الأخير واندفاعه الكبير في الملعب واعتباره أحد عوامل نجاح الفريق في هذا الموسم، ولهفواته خارجه. إذ إن هذه النقطة هي أكثر ما يهتم بها رودجرز حالياً لكي يصنع من رحيم نجماً عالمياً، هو الذي منحه الفرصة الكاملة حتى وصل إلى ما وصل إليه بعد أن كان المدرب السابق لـ«الريدز»، الإسباني رافاييل بينيتيز، أول من اكتشفه واستقدمه إلى أكاديمية النادي تحت قيادة النجم الأسطوري لليفربول، الاسكوتلندي كيني دالغليش، الذي كان وقتها المشرف عليه، ومن ثم استدعاه إلى الفريق الأول عندما تسلّم تدريبه خلفاً لروي هودجسون. أما قائد الـ«ريدز» ستيفن جيرارد، فلا ينفك يشيد بقدرات رحيم ويقدّم له النصائح، في حين أن جماهير ليفربول تمنحه كامل الدعم والحب الأكبر باعتباره من أبناء النادي.
أول من أمس، تألق رحيم سترلينغ مجدداً مع ليفربول، وسجل هدفاً في المباراة التي فاز فيها الأخير على أرض ساوثمبتون. مرة جديدة كانت عينا الوالدة، لا شك، تدمعان، وهي تشاهد المباراة محاطة بأبنائها الذين انتقلوا بدورهم للعيش في المدينة الإنكليزية، وتردد في قرارة نفسها: كم كان وجهك يا رحيم فأل خير علينا جميعاً، فأنت أنت قدرنا، وقدر ليفربول، الأجمل.