يتفق أحدهم من العاملين مع منتخب لبنان منذ فترة طويلة بأن أداء المنتخب خلال اللقاء مع كوريا الجنوبية، فاق بنوعيته ما قدّمه عند فوزه على «محاربي التايغوك» قبل 8 أعوام. هنا نتكلم عن نوعية اللعب وتنفيذ المَهام الفردية والجماعية بالنسبة إلى اللاعبين الذين لم يكن بالإمكان الإشارة إلى أحدٍ منهم بأنه كان سيّئاً طوال تواجده على أرض الملعب.منتخبنا ترجم كلام المدرب البرتغالي باولو بنتو عشية اللقاء، عندما اعتبر أن منتخبه ينتظر لقاء صعباً على أرض اللبنانيين. والأرض أو أرضية الميدان التي ألقى بنتو باللوم عليها لعدم تفوّق الكوريين الجنوبيين، لم تكن بالتأكيد السبب الأساس لانتهاء النزال الأول بين المنتخبين في هذه التصفيات بالتعادل السلبي.
الواقع أنه وبشكلٍ مخالف للتوقعات كان المنتخب اللبناني الموجّه لمسار المباراة، في وقتٍ كان ينتظر فيه الكل مروراً سهلاً للكوريين من بيروت، وخصوصاً مع ارتفاع مستوى عددٍ كبير من نجومهم الأساسيين في البطولات الأوروبية المختلفة هذا الموسم. لكن الحسابات اللبنانية الدقيقة والمعقّدة نجحت بشكلٍ كبير وصبّت عند نتيجة واحدة لمجموعة من العوامل التي أفضت إلى أداء لافت ونتيجة مهمة.
ويمكن القول بأن كل شيء بدأ من عند المدرب الروماني ليفيو تشوبوتاريو، تحديداً على صعيد اختياره لتشكيلة شبه مثالية في ظل الخيارات المتاحة والظروف الطارئة، أي في ما خصّ الإصابات. من رباعي خط الدفاع إلى خماسي خط الوسط، ووصولاً إلى الاستراتيجيتين المعتمدتين في الحالتين الدفاعية والهجومية.
عاد لبنان للتعامل بواقعية دفاعية مع المواجهات القوية


في الشق الأول من الكلام، وتحديداً حول عوامل النجاح في هذه المباراة، يفترض التوقّف عند نقطةٍ مهمة باتت واضحة، وهي أن تشوبوتاريو أصبح يعرف أخيراً لاعبيه وإمكاناتهم، والدليل هو طريقة نشرهم على أض الملعب في الخطة التي لجأ اليها. وهنا الحديث عن اعتماده على رباعي دفاعي هو الأفضل إذا ما استعرضنا الخيارات المتاحة في كلٍّ من المراكز الأربعة، إضافةً إلى اعتماده على ثنائي ارتكاز يحسن تكسير الهجمات والمشاركة في بناء أخرى في آنٍ معاً. كما أن إشراك أربعة لاعبين مهاريين بين طرفي الملعب والعمق الهجومي، كان فكرة في مكانها، وخصوصاً أنها مكّنت لبنان من الاستحواذ على الكرة بشكلٍ أكبر عنه في المباريات السابقة، وخلقت الحلول في المواجهات الثنائية، ما صنع الخطورة وخلق الفرص.
ويضاف إلى الخيارات على صعيد التشكيلة تلك المقاربة على أرض الملعب في الدفاع أوّلاً، والذي كان العنصر الأساس في حرمان الكوريين من الخروج بالنقاط الكاملة، فكان الحضور البدني أفضل من أي مباراة سبقت في عهد تشوبوتاريو، وكانت الجرأة في الالتحامات حاضرة بنجاح، وخصوصاً مع شعور اللاعبين اللبنانيين بأنهم يملكون قدرات بدنية في مراكز مختلفة توازي تلك التي امتلكها الضيوف او تتفوّق عليها أحياناً. كما أن الضغط الصحيح وفق منظومة دفاعية مرسومة غالباً بطريقة (4-5-1)، مكّن لبنان من استرداد الكرة، ناهيك عن رقابة ناجحة لمفاتيح اللعب، وعامل المساعدة للظهيرين خصوصاً حيث تكمن خطورة الكوريين عادةً. وهنا يحسب لتشوبوتاريو كيفية إقناعه جرادي بالقيام بمجهودٍ مضاعف لناحية الضغط في الخط الأول، وطبعاً إقناع حسن معتوق وربيع عطايا بمساندة الظهيرين وهما اللذان اعتادا على التفكير بالهجوم بالدرجة الأولى قبل الواجبات الدفاعية بحكم نزعتهما المعروفة للانطلاق إلى الأمام.
إذاً الدفاع كان مفتاح النجاح، فوجود جوان العمري خلق استقراراً كبيراً في خط الظهر وتنظيماً ضرورياً بالنظر إلى الروح القيادية التي يمتلكها الرجل، فهو ونور منصور عرفا التمركز بشكلٍ صحيح وقاما بقراءة صحيحة للمحاولات الكورية. وبما أنه من المعلوم أن الكوريين يعتمدون بشكلٍ كبير على سرعتهم على طرفي الملعب، كان التزام حسن شعيتو «شبريكو» بالواجب الدفاعي من دون ترك مركزه والمخاطرة في المشاركة هجوماً. لكن النجاح اكتمل بفعل تألّق روبرت ملكي في مراقبته لقائد المنتخب الكوري سون هيونغ - مين، حيث أدرك مسبقاً بأن خطورة نجم توتنهام هوتسبر الإنكليزي تكمن داخل منطقة الجزاء، حيث سجّل غالبية الأهداف في مسيرته، فعمل على إبعاده عن المنطقة عبر الضغط عليه بشكلٍ متواصل من دون أن يعطيه المساحة لاستخدام مهاراته أو الانطلاق بالمرتدات السريعة في أي مساحةٍ خالية، وهو الأمر الذي أجبر سون أكثر من مرّة على تبديل مركزه، لكن من دون أن يلاقي النجاح المنشود.
وفي العمل الدفاعي أيضاً عمل جورج ملكي وعدنان حيدر على إغلاق خط التمرير باتجاه المقدّمة، ما قلّص من حجم الخطورة الكورية التي حضرت في فتراتٍ متقطعة وتبخّرت بفعل التألق الكبير للحارس مهدي خليل، الذي لعب دور البطولة في الحصول على نقطة ثمينة في أوقاتٍ حسّاسة من المباراة.


وبهذا العمل المدروس يكون لبنان قد عاد إلى الواقعية المطلوبة في مواجهة منتخبات تفوقه بالإمكانات، فتقمّص تشوبوتاريو جزءاً من طريقة تفكير المدرب السابق المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش لناحية التفكير بالدفاع أولاً في المباريات الصعبة، قبل الاستفادة من الثقة التي يفرزها بقاء المرمى نظيفاً من أجل الكشف عن الطموحات الهجومية، وهو أمر حضر في تحركات محمد حيدر وربيع عطايا، وفي الاعتماد على باسل جرادي كمهاجمٍ وهمي له حرية التحرّك، وهي فكرة لم يعتمدها «رادو» لفترة طويلة بحكم وجود عمر شعبان (بوغيل) وهلال الحلوة ضمن خياراته، وذلك بعكس المباراة أمام كوريا الجنوبية، حيث غاب الأخير عن التشكيلة الأساسية بسبب معاناته من إصابة قبل أن يدخل بديلاً، فكان الاعتماد على لاعب هايدوك سلبيت الكرواتي في المركز الرقم 9، حيث بدا بمجهوده اللافت وكأنه يريد تعويض تخلّفه سابقاً عن الالتحاق بالمنتخب الأحمر.
هي مجموعة من العوامل التقت مع رغبة كبيرة أيضاً عند اللاعبين في تغيير الصورة النمطية التي حضرت في الفترة الأخيرة وصوّبت على عدم ارتقائهم إلى مستوى التحدي في مشوار التصفيات، وتحديداً بعد خسارتهم الأولى أمام كوريا الشمالية (0-2)، وفوزهم الصعب على تركمانستان (1-2). هم كانوا فرحين وراضين عن أنفسهم بعد المباراة التي يمكن أن تكون نقطة تحوّل في مشوار التصفيات إذا ما بقيت الروح نفسها والثقة ذاتها.


سون في «جيبة» ملكي!
ركّزت وسائل إعلام أجنبية مختلفة على الأداء الكبير الذي قدّمه الظهير الأيمن اللبناني روبرت ملكي في مواجهة أحد أخطر المهاجمين في أوروبا، كما وصفته، أي النجم الكوري الجنوبي سون هيونغ - مين.
وأشارت التقارير المختلفة الى حملة التهكّم التي اطلقها الجمهور اللبناني تجاه مهاجم توتنهام هوتسبر بطريقةٍ فكاهية، حيث أجمع الكل على ان «سون ضاع في "جيبة" ملكي».
وأبرز احد المواقع سلسلة من التغريدات لمشجعين لبنانيين ترافقت مع صورٍ عديدة تشرح ما وجد ملكي في جيبه بعد المباراة، وهي أربعة اشياء: محفظة النقود، مفاتيح المنزل، الهاتف النقال، اضافةً الى سون.
وكتب فارس شاكر في تغريدة على «تويتر»: روبرت ملكي. التزام طوال الدقائق الـ 96 للمباراة، وايقاف لأحد ابرز المهاجمين في العالم». اما علي سرور فكان قاسياً في تغريدته بكتابته: «أسرعوا وتحققوا مما يوجد في جيبة ملكي. اعتقد ان دجاجة من لندن ضائعة هناك» (نسبة الى شعار نادي توتنهام الإنكليزي وهو الدجاجة). كما توجّه مشجعون آخرون الى جمهور توتنهام، مشيرين الى تفوّق ملكي على نجم فريقهم، إلى درجةٍ ردّ فيها احدهم بتعليقٍ مشابه على صورةٍ نشرت على حساب توتنهام عبر «إنستاغرام» (تجمع سون مع قائد لبنان حسن معتوق) للاشارة الى خوض قائد المنتخب الكوري المباراة كاملةً في بيروت.
بدوره، اعترف سون ضمنياً بفشله في قيادة كوريا الجنوبية الى الفوز، فتقدّم باعتذارٍ الى جماهير بلاده المحبطة من النتيجة السلبية، إذ نقل عنه موقع الاتحاد الآسيوي قوله: «كان يجب أن نترجم الفرص التي سنحت لنا إلى أهداف، لكننا لم نتمكن من ذلك. نعتذر للجمهور».
أما زميله هوانغ وي - جو فأعطى منتخب لبنان حقّه بقوله: «وجدنا معاناة في اجتياز دفاع لبنان المنظّم، ولم نجد الحلول المناسبة».