تغيّرت كرة القدم كثيراً خلال السنوات الأخيرة. الأندية «الثرية» باتت تدفع مبالغ خيالية للتوقيع مع المواهب واللاعبين المميّزين، فيما تعتمد أندية الصف الثاني والثالث على إنتاج اللاعبين عبر تطوير أكاديمياتها كما الحال في البرتغال وفرنسا وغيرها من البلدان. خريجو أكاديميات الأندية المتوسّطة لا يعمّرون كثيراً مع فرقهم فينتقلون إلى أندية الصف الأول، ولكن الموهبة في بعض الأحيان لا تنتقل معهم، كما حصل مع عدد من اللاعبين أخيراً.خلال الموسم الماضي برزت عدّة أسماء شابّة في ملاعب كرة القدم الأوروبية. بعض هؤلاء تمّ ترشيحه لحمل «الكرة الذهبية الصغيرة» الخاصة بهذه الفئة (دون 23 عاماً)، إلّا أن بين موسم وآخر تتغيّر الكثير من الأمور، فمن كان في دائرة الضوء يمكن أن يتراجع، والعكس صحيح. من الأسماء التي تصدّرت عناوين الصحف الموسم الماضي كان جواو فيليكس، نجم بنفيكا البرتغالي السابق وأتليتيكو مدريد الحالي، إضافة إلى الإيطالي مويس كين لاعب يوفنتوس السابق وإيفرتون الإنكليزي الحالي، كما ماتيو جندوزي لاعب آرسنال الإنكليزي. ماذا حدث لهذه المواهب الشابة وما أسباب عدم تألقها هذا الموسم؟

جواو فيليكس
البرتغالي الصغير قدّم خلال الموسم الماضي أداء استثنائياً، جعل منه هدفاً لعدد من الأندية الأوروبية الكبيرة. لم يتمكّن أيّ لاعب شاب خلال الموسم الماضي من مجاراة جواو فيليكس، رغم أنه لم يبلغ العشرين من العمر بعد. «أمل البرتغال» سجل 20 هدفاً وقدم 11 تمريرة حاسمة لزملائه خلال 43 مباراة خاضها خلال 2018 ـ 2019. هذه الأرقام تؤكّد موهبة اللاعب الكبيرة، كما أنها تبرّر سعي الأندية للتوقيع معه على اعتبار أنها توقّع مع نجم المستقبل، ولكن ما يحصل حتى الآن هذا الموسم مع اللاعب يبدو صادماً للجميع.
قبل انطلاق موسم 2019 ـ 2020 سعى المدرب الأرجنتيني لنادي أتليتيكو مدريد، دييغو سيميوني، للتعاقد مع فيليكس، وذلك بعد إصرار نادي برشلونة على التعاقد مع نجم أتليتيكو، الفرنسي أنطوان غريزمان. حصل ما كان متوقّعاً، ارتدى فيليكس اللونين الأبيض والأحمر، وبمبلغ وصل إلى 126 مليون يورو، وهو مبلغ كبير جداً للاعب بعمر فيليكس. هذه الملايين الكثيرة، لم تُترجم كما يجب على أرضية ملعب الـ«واندا متروبوليتانو»، فالنجم الشاب لم ينسجم بعد ضمن منظومة سيميوني. أرقام الموهبة البرتغالية متواضعة جداً برفقة «الروخي بلانكوس»، فخلال 17 مباراة خاضها مع الأتلتي ما بين «الليغا» ودوري أبطال أوروبا، سجّل فيليكس 4 أهداف فقط، وقدّم تمريرة حاسمة وحيدة. لا شك أن فيليكس لم يقدّم أوراق اعتماده للفريق والجماهير بعد، لكن ما قد يكون مثيراً للقلق، هو استمرارية هذه الحالة، وبالتالي سيلتحق فيليكس بغيره من اللاعبين الشباب الذين توّجوا بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب شاب (كالمهاجم الإيطالي المميز ماريو بالوتيلي)، ومن ثم ينطفئ نجمه ويتحوّل إلى الظلام، فتضيع كلّ الأحلام والآمال التي بناها هو، وبنتها الأندية من حوله.
سجل فيليكس 4 أهداف فقط وقدّم تمريرة حاسمة وحيدة مع أتليتيكو


جواو فيليكس اليوم أمام مفترق خطير، فإمّا أن يستعيد مستواه، أو تضيع جميع فرصه لخلافة مواطنه كريستيانو رونالدو في البرتغال وأوروبا. صغر سنه يضع عليه مسؤوليات كبيرة، لذلك هو بحاجة للهدوء ولمن هو قادر على دعمه بالصورة المطلوبة، لتخطّي هذه الفترة الدقيقة.

مويس كين
هدّاف بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، يتمتّع بثقة عالية بالنفس، لا يخاف أمام المرمى. الإيطالي الشاب شارك إلى جانب لاعبين كبار ككريستيانو رونالدو وباولو ديبالا وغيرهم في خطّ مقدمة يوفنتوس، رغم ذلك، استمرّ في عطائه المميز إلى أن جاءت «المرحلة الانتقالية» في مسيرته الكروية. مويس كين، المهاجم الإيطالي صاحب الأصول الأفريقية، أبهر العالم بأهدافه الحاسمة الموسم الماضي مع يوفنتوس (سجل كين 7 أهداف خلال 17 مباراة خاضها ما بين بديل وأساسي برفقة فريق السيدة العجوز)، إلّا أنه الآن حبيس الدكة الإنكليزية مع فريقه «التوفيز» ايفرتون. في حادثة غريبة جداً وتُعتبر غير مبرّرة من قِبل مدرب ايفرتون الحالي دانكن فرغيسون، وتحديداً في مباراة أول من أمس، أشرك دانكن الشاب مويس كين عند الدقيقة 71 من عمر اللقاء أمام مانشستر يونايتد، ليعود ويسحبه من أرضية ملعب «أولد ترافورد» عند الدقيقة 88. بعد نهاية المباراة، خرج فرغيسون بتصريح يبرّر فعلته خلال اللقاء حيث قال: «لقد استبدلت كين في محاولة منّي لإضاعة الوقت، لم يكن الأمر شخصياً أبداً». بعد خروجه بديلاً بهذه الطريقة، اتّجه كين إلى الممرّ المؤدّي إلى غرف الملابس، وربما هو الممر عينه الذي سيسلكه للعودة من جديد إلى إيطاليا ولكن ليس إلى «اليوفي» بعد أن تخلّت عنه إدارة «البيانكونيري» بطريقة غريبة في بداية الموسم الحالي. في إيطاليا، ونظراً إلى ما يحدث من ظواهر عنصرية تزداد وتيرتها كثيراً في الآونة الأخيرة، لن تكون مسيرة الشاب المميّز كين مستقرّة، ومن الممكن أن لا يسمع المتابعون باسم كين من جديد في الملاعب الأوروبية الكبرى. قصة كين لا تشبه قصة بالوتيللي فعلياً، إلّا ما تعرّض له الأخير من عنصرية وأثّرت سلباً على نفسيته وبالتالي على مسيرته الكروية، ربما يتكرّر مع مويس كين، وتنسى الجماهير هذه الموهبة الكبيرة.

ماتيو جندوزي
يتمتّع لاعب نادي آرسنال الفرنسي الشاب ماتيو جندوزي بقدرات فنية عالية، يمكن أن تساعده ليكون من بين أفضل لاعبي خطّ الوسط في العالم في المستقبل القريب. موهبة اللاعب برزت في عهد المدرب الإسباني أوناي إيمري، الذي أعطاه الثقة الكاملة في غالبية المباريات خلال الموسم الحالي وبعضها من الموسم الماضي. اليوم تغيّر الواقع، جندوزي يعيش مرحلة تراجع في الأداء، كما أنّ عطاءه على أرضية الملعب ليس كما في السابق، وهذا يعود إلى أسباب كثيرة منها الشخصي، ومنها ما له علاقة بنادي آرسنال ككل. لم يستقر نادي العاصمة الإنكليزية لندن على تشكيلة أساسية منذ أن تسلّم المدرب إيمري زمام الأمور (أُقيل قبل فترة وعُيّن مكانه مؤقتاً كارل فريدرك ليونبرغ). تخبّط متكرّر في النتائج، فريق فاقد للروح والحافز الذي يُعتبر العنصر الأهم لجعل اللاعبين يقدّمون أفضل ما لديهم على أرض الملعب. كلّ هذا انعكس سلباً على النجم الفرنسي صاحب الأصول المغربية، كما على غيره من اللاعبين، ما دفع بعض نجوم الفريق كالفرنسي ألكساندر لاكازيت والغابوني بيير ايميريك أوباميانغ للتلميح إلى مغادرتهم النادي مع نهاية الموسم الحالي. آرسنال من بين الأندية التي دمّرت «روح» لاعبين كبار وأصحاب خبرة، فكيف سيكون الحال مع لاعب شاب، خاض سنته الأولى في آرسنال الموسم الماضي؟
إضافة إلى هؤلاء اللاعبين هناك أيضاً لاعب آرسنال الحالي نيكولاس بيبي الذي انتقل من ليل الفرنسي خلال سوق الانتقالات الأخير، إلّا أنّه لم يقدّم المستوى المطلوب حتى الآن، مقارنة بما كان يفعله عندما كان في فرنسا. اللاعبون الشباب يسقطون عندما تُسلط الأضواء عليهم، فهم يقدّمون موسماً استثنائياً ثم يبدأ التراجع. ربما هي «لعنة» الشهرة، أو الرغبة بالبحث عن الأموال، فيتركون أنديتهم وهم ليسوا بالنضج الكافي، ليسقطوا في الاختبار الجديد، من دون نسيان أنّ الظروف العامة يمكن أن تلعب دوراً في هذا التراجع، ومنها إدارات الأندية وأجواء البلد الجديد.