لم يسقط الكلام عن تضخم كبير في سوق لاعبي كرة السلة في الأعوام الخمسة الأخيرة على أقل تقدير. كثيرون تحدثوا عن تسبّب هذه المسألة بإيصال الأندية الى حالة صعبة على غرار ما حصل مع: الحكمة، هومنتمن، بيبلوس وغيرهم. آخرون حذّروا من انفجار أو انهيار مرتقب منذ ثلاث أو أربع سنوات، وهو ما حصل فعلاً وسط الصعوبات الاقتصادية التي عانتها البلاد العام الماضي، والتي هددت وجود العديد من أندية الدرجة الأولى التي حامت الشكوك حول مشاركتها في البطولة.الكارثة حلّت بالفعل مع انطلاق أحداث 17 تشرين الأول وفقدان الأموال من صناديق الأندية، فباتت عقود اللاعبين حبراً على ورق، وبدأت عملية شدّ الحبال بين الأندية من جهة، واللاعبين ووكلاء أعمالهم من جهة أخرى. عقود مجمّدة، عقود ملغاة، وعقود طرأت عليها تعديلات مشتركة تمحورت حول أمر وحيد وهو تخفيض قيمتها تماشياً مع الظروف المالية الصعبة التي يعيشها الجميع.
من هنا، كان الظرف القاهر مالياً أكثر منه أمنياً في ما خص كرة السلة، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، إذ حتى الأندية وأوساط اللاعبين لا تنكر اليوم أن عدم استئناف البطولة بأي شكل من الأشكال هو بسبب صعوبة التوصل الى تسويات مالية، بينما بدا جليّاً في اللقاء الحواري الأخير الذي عقده الاتحاد، أن اللاعبين وإن كانوا راضين بحسم جزء من مستحقاتهم قد يتخطى ربما الـ 40%، فإنهم يرفضون اللعب مجاناً.

الأندية «قتلت» نفسها
ما حصل خلال مواسم خلت وأوصل الى النتيجة الحالية هو مشهد أشبه بمن يطلق النار على قدمه من دون أن يكون مدركاً للعواقب، فالأندية اللبنانية «قتلت» نفسها عندما دفعت الغالي والنفيس للتعاقد مع اللاعبين، فحصل قسمٌ لا يستهان به من هؤلاء على أرقامٍ لا يستحقونها، وخصوصاً مع تسلّح الأندية بمتموّلين في تلك الفترة التي شهدت وجود أسماء مثل وديع العبسي (الحكمة)، أحمد الصفدي (المتحد طرابلس)، شربل سليمان (عمشيت)، نبيل حواط (بيبلوس) وهشام الجارودي (الرياضي).
في تلك الفترة، قيل إن عقد فادي الخطيب مع عمشيت بلغ 400 ألف دولار في الموسم، واستقدم الحكمة جوليان خزوع بعقد قارب الـ 350 ألفاً للموسم. أرقامٌ يمكنها أن تغطّي ميزانية ناد لكرة القدم، لكنّ لاعبين محليين حصلوا عليها رغم إنكارهم أحياناً كما هي حال الأندية التي ارتبطوا بها بصحّة الأرقام المتداولة، والتي بدا ثقلها أكبر بفعل التعاقد مع أجانب من الطراز الرفيع أيضاً، ما أثقل كاهل غالبية الأندية.
قتلت الأندية نفسها عندما دفعت الغالي والنفيس للتعاقد مع اللاعبين


منذ تلك الفترة تحدث البعض عن حلول، فكان التسويق الأول لفكرة الاعتماد على ثلاثة لاعبين أجانب كون كلفتهم المالية أقل من كلفة اللاعبين المحليين. هو أمر ثبت أنه غير دقيق في محطات عدة، وخصوصاً مع ذهاب أندية الصف الأول الى ضم أجانب بمبالغ ضخمة لتعزيز فرصها بالفوز في البطولة، وذلك في موازاة اقتناع كثيرين بأن الهدف من هذا الطرح وإقراره كان لتقليص الهوّة الفنية مع النادي الرياضي الذي ضمّ أبرز اللاعبين المحليين وتمكن من السيطرة على اللقب عن جدارة واستحقاق.

انخفاض قيمة العقود
العودة الى ثلاثة أو أربعة مواسم سابقة، تظهر الأمور بشكل أوضح، إذ إن قيمة العقود تدنّت بشكلٍ كبير، فباتت العقود المكلفة التي لا تتجاوز الـ 100 ألف دولار قليلة جداً، لا بل إن المعدل العام لقيمة عقود كل لاعبي الدوري لا يصل الى 40 ألف دولار للاعب في الموسم الواحد.
نجمٌ مثل الخطيب مثلاً يتلقى أجراً يعدّ بين الأعلى في الدوري، وهي مسألة منطقية، فهو يحصل بحسب المعلومات على ما يقارب الـ 150 ألف دولار لقاء الموسم المؤلف من 8 أشهر. لكن هناك عقود كبيرة قد لا تلتقي مع صعوبة المرحلة التي تعيشها الأندية بحسب متابعين، فيصل عقد كلّ من وائل عرقجي وعلي حيدر الى ما يقارب الـ 200 ألف، علماً بأن الرياضي يعدّ من أكثر الأندية إنفاقاً، فيتخطى عقد أمير سعود الـ 100 ألف دولار، بينما ارتبط اسماعيل أحمد وجان عبد النور بعقدين يمنح كلاً منهما بين الـ 150 ألفاً والـ 160 ألفاً، بينما تخطت قيمة عقد باسل بوجي الـ 140 ألف دولار، ولامس هايك غيوقجيان الـ 90 ألفاً، وهو المبلغ التقريبي الذي قيل إنه يحصل عليه قائد منتخب لبنان وفريق بيروت إيلي رستم. كما يبدو لافتاً أن لاعباً مثل كريم عز الدين لم يتجاوز الـ 22 من العمر، ولم يثبت نفسه حتى الآن في كرة السلة اللبنانية يحصل على حوالى 120 ألف دولار، وهو الرقم نفسه الذي يحصل عليه تشارلز تابت رغم تحوّله الى أحد أفضل لاعبي الدوري في الأعوام الأخيرة.
هنا، يبدو التفاوت كبيراً بين عقود أندية الطليعة وغيرها من الأندية، أمثال أطلس الفرزل الذي تشير المعلومات الى أن أكبر عقوده يصل الى 25 ألف دولار، وهو رقم يقارب ما يمنحه هوبس للاعبين يعدّون من الواعدين في كرة السلة اللبنانية، أمثال: علي منصور، غابريال صليبي وكريم زينون.

تسويات منتهية وأخرى مجمّدة
بعد مرور ثلاثة أيام على المهلة التي أعطاها الاتحاد للأندية لتأكيد مشاركتها في البطولة من عدمها بعد توصلها الى اتفاقات مع لاعبيها (تنتهي المهلة في 14 شباط الحالي)، علمت «الأخبار» بأن أيّاً من الأندية لم يتفق مع لاعبيه على صيغة نهائية، ما يعني أن خطر استكمال البطولة هو أمر واقع.
خطرٌ لا بدّ من الشعور به، وخصوصاً في ظل كلام للاعبين من أندية: الحكمة، هومنتمن، المتحد وأطلس بأنهم لم يتلقّوا أي راتب مستحق قبل 17 تشرين الأول الماضي، بينما يبقى للاعبي أنيبال زحلة راتب لدى ناديهم، وتتضارب المعلومات حول بقاء راتب أو اثنين للاعبي بيبلوس.
من هنا، ليس مستغرباً أن يطفو كلام في الشارع السلوي حول نيّة الحكمة الطلب من لاعبيه اللعب دون مقابل، رغم أنه لا يمكن الجزم حول الكلام المتداول كون الإدارة الحكماوية عملت لتذويب الديون التي أثقلت خزينة النادي.
أما في هومنتمن فيبدو الوضع غامضاً حتى اللحظة بخصوص المشاركة من عدمها، في ظل ما يعانيه النادي أصلاً، بينما كان كلام المتحد بأنه مستعد للمشاركة بلاعبين سيخوضون غمار البطولة مجاناً، غير مستغرب، ففي نهاية المطاف لم يعد النادي الشمالي يضم أسماء أساسية، فقد هاجر إدوار بشارة وتيموتي سعدة الى الولايات المتحدة، ومثلهم فعل عمر الأيوبي برحيله الى بلغاريا (شارك مع الوثبة السوري كأجنبي في دورة دبي).
وفي وقتٍ ذكرت فيه مصادر نادي أنيبال بأن لاعبيه على استعداد للعب من دون مقابل، تبدو الصورة ضبابية في بيبلوس مع كلام إداري حول توصّل النادي الى حلٍّ مع اللاعبين، مقابل كلامٍ مغاير لهؤلاء وقد ذكره رودريغ عقل في مقابلة إذاعية عندما كشف بأن أحداً لم يتواصل معه.
لذا، تبدو الأمور واضحة في الأندية التي بدت أكيدة من أجوبتها، أمثال الرياضي الذي وافق لاعبوه على تخفيض بنسبة 35% في عقودهم، مقابل نسبة تتراوح بين 30 و40% لدى أندية الشانفيل، بيروت وهوبس.
أما ما هو مؤكد أكثر، فإن اللاعبين الذين تركوا لبنان بحثاً عن فرصٍ أخرى بعيداً عن كرة السلة لن يعودوا للعب هنا، بينما سيذهب منذ اليوم اللاعبون الباقون الى التركيز على أعمالهم الخاصة كونهم يدركون أن غداً لن يكون مثل الأمس لا لناحية الحصول على عقود كبيرة أو لناحية الحصول على مبالغ بالدولار، ما يعني أن سعيهم للحصول على مكاسب سريعة قبل أن يصعب الوضع أكثر هو أمر واقع لا محالة، والدليل كلام علي حيدر خلال اللقاء الحواري، حيث طلب حصوله على مستحقاته بالليرة اللبنانية، بينما شهدت الكواليس طلب بعض اللاعبين الدوليين المال لقاء الدفاع عن ألوان منتخب لبنان، وهو أمر من شأنه أن يفتح الباب على مشكلة جديدة.