الصين ليست وحيدة، إذ أن تلك البلاد التي تعجّ روزنامتها السنويّة بالأحداث الرياضية الكبرى، خضعت أمام فيروس «كورونا»، فأجبرها على تأجيل أو إلغاء عددٍ من البطولات المهمّة جداً، وذلك في سنةٍ حافلة على الصعيدَين العالمي والآسيوي على وجه التحديد كون اليابان هي من سيستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بعد أشهرٍ قليلة، وهي الدورة المهدّدة من قِبل «القاتل المتسلسل» رغم النفي المتكرّر للجهات المنظّمة حول تأثير «كورونا» على الحدث الرياضي الأكبر الذي يُقام مرة كل 4 سنوات.إذاً إرباك كبير للاتحادات الوطنية والدولية حول العالم بسبب «كورونا»، وهو الأمر الذي لا يقتصر فقط على المشاكل التي ستواجهها في مراحل مقبلة بعدما أُجبرت على تعديل برامجها واستراتيجياتها في ما خصّ البطولات والمباريات، إنما هناك جانب مؤلم أكثر بالنسبة إليها، وهي تلك الخسائر المالية والاقتصادية التي تتعرّض لها، وهي مرتبطة إجمالاً بالمبالغ التي صُرفت لاستضافة البطولات، أو المبالغ التي تمّ استثمارها لتنظيم الحدث أو رعايته أملاً في حصد الأرباح، لكن تجميد النشاط يترك خسائر لا يمكن تعويضها.

لبنان في طليعة المتأثّرين
صحيح أن لبنان لم يكن في طليعة دول العالم التي أعلنت اكتشافها إصابات بفيروس «كورونا»، لكنه كان من أول البلدان التي تأثرت رياضياً حتى قبل امتداد الفيروس إليها، إذ بعد إلغاء الصين لسباق الفورمولا 1، كان ثاني الأحداث الكبرى والجامعة لدولٍ عدة في القارة الصفراء، هو بطولة آسيا للتايكواندو التي كانت من المفترض أن تحلّ ضيفة على لبنان بين 3 و11 آذار المقبل.
لكن منذ بداية الشهر الحالي، شرع الاتحاد اللبناني للتايكواندو في إطلاق بحث علمي يتناول جوانب مختلفة لمعرفة إذا ما كان بإمكانه استضافة واحدة من أبرز البطولات الرياضية في آسيا، والتي تهمّ بشكلٍ خاص بلدان شرق القارة. وهنا كانت الخطورة، خصوصاً أن أكبر الوفود التي كانت ستصل إلى بيروت، كانت ستأتي من بلدان اعتُبرت مهد ولادة وانتشار الفيروس، فكان قرار تأجيل إقامة البطولة إلى 11 أيار، لكن من دون خسارة لبنان لحقّ استضافتها، وهو إنجاز بحسب وصف رئيس الاتّحاد الدكتور حبيب ظريفة في اتصالٍ مع «الأخبار»، خصوصاً بعد معارضة الاتحادَين الآسيوي والدولي لأيّ تأجيل في بداية المطاف.
ويشرح ظريفة قائلاً: «تداركنا الوضع بعد أبحاثٍ كثيرة قمنا بها حتى قبل انتشار الفيروس بهذا الشكل، إذ انتظرنا مشاركة 30 دولة في البطولة القارية، و35 دولة في بطولة «بيروت المفتوحة» التي كانت ستلي البطولة الأولى، وهي تعدّ مهمة جداً كونها تمنح عدداً كبيراً من النقاط للساعين للتأهّل إلى الألعاب الأولمبية بعد رفع تصنيفها إلى «G2».
تقدّر خسارة الاتحاد اللبناني للتايكواندو بعد تأجيل بطولة آسيا بين 100 و250 ألف دولار


إذاً يحكي حجم البطولتَين لوحده عن العدد الكبير الذي كان متوقّعاً مشاركته في البطولة، فمجموع أفراد الوفود كان سيصل إلى 5000 شخص، بينهم 1500 لاعب ولاعبة كانوا سيستقرون في منطقة كسروان، وقد تمّ تقدير أعضاء البعثة الصينية بـ200 شخص، بينهم 100 لاعب ولاعبة.
وإذا كان بالإمكان تفادي الأضرار الصحية للفيروس، فإن الأضرار الأخرى لا تبدو بسيطة أبداً، خصوصاً في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه لبنان على صعيد تأمين الأموال أو الرعاية اللازمة للبطولات، إذ أن الكلفة الإجمالية للبطولتَين المذكورتين تصل إلى 500 ألف دولار أميركي، بينما يقدّر حجم الخسائر أقله بـ100 ألف دولار، وقد تصل إلى 250 ألف دولار بأسوأ الأحوال.

انهيار اقتصاد الرياضة آسيوياً
فوضى «كورونا» ضربت الاقتصاد الرياضي في القارات المختلفة، فكان مصير عدد كبير من الأحداث الرياضية هو الإلغاء، التأجيل، أو بات مهدّداً حاضراً ومستقبلاً. ففي الصين مثلاً كان من المقرّر انطلاق الدوري الصيني الممتاز السبت الماضي، لكن طبعاً منعت السلطات الرياضية هذه الخطوة، لتسجّل الأندية خسائر ضخمة، بعدما أقفل سوق الانتقالات هناك على صفقات بلغت قيمتها 400 مليون دولار.
والأمر عينه انسحب على اليابان التي جمّدت كلّ نشاطاتها الكروية، وهي البلاد التي تملك خزاناً ضخماً من الشركات الراعية لكرة القدم التي تُصرف فيها مبالغ خيالية مقارنةً بكل البطولات الوطنية في القارة الصفراء، فالقيمة الإجمالية لأندية الدوري الياباني في الموسم الجديد تصل إلى 446 مليون دولار.

جمّد انطلاق الدوري الصيني بسبب «كورونا» (عن الويب)

والرقم المذكور ليس بالشيء الكبير إذا ما تمّت مقارنته بأرقام البطولة الأكبر في القارة الأكبر أي دوري أبطال آسيا الذي بات مهدداً فعلياً مع ارتفاع عدد المباريات المؤجلة في شرق وغرب آسيا، وخصوصاً تلك المباريات التي كان طرفها أحد الفرق الصينية، الأمر الذي يشكّل ضربة مالية كبيرة للبطولة بحكم العقود التسويقية الموقّعة مع شركات صينية بملايين الدولارات، وبينها عقد حقوق النقل التلفزيوني والإعلانات الذي تبلغ قيمته مليار دولار في الموسم الواحد!
كذلك، أقرّ الاتحاد الآسيوي عدم إقامة مباريات كأس الاتّحاد في شرق آسيا، ومن ثم قام بتأجيل إحدى المباريات في الكويت أيضاً بعد ارتفاع عدد المصابين، وهي بطولة أيضاً ارتبط من خلالها بعقودٍ تسويقية غير بسيطة، ويرجّح أن تتسع دائرة مبارياتها المؤجلة بعد امتداد الفيروس إلى بلدانٍ خليجية أخرى مثل البحرين التي تبدو متأثرة بشكلٍ جديّ.
وإذا كانت هذه الخسائر عامة وستؤثر على بلدانٍ مختلفة، فإنّه ليس مستغرباً أن تكون الصين أكبر الخاسرين على مختلف الأصعدة الرياضية، إذ أن سباق الجائزة الكبرى على حلبة شنغهاي المقرّر في 19 نيسان المقبل، والذي يستقطب عادةً آلاف محبي الرياضة الميكانيكية من حول العالم، أُلغي أيضاً، وأوّل التداعيات خسارة شركة «ليبرتي ميديا» الأميركية المالكة لحقوق البطولة 45 مليون دولار، وخسارة الجهة المحلية المنظمة 38 مليون دولار، إضافةً إلى هبوط أسهم الفورمولا 1 وقيمتها 11 مليار دولار بنسبة 2% بأسواق التداولات. وتضاف إليها خسائر في قطاع السياحة والسفر بعد إلغاء مئات الرحلات وحجوزات الفنادق في شنغهاي المضيفة للحدث السنوي الكبير.
خسائر بالمليارات جرّاء تأجيل انطلاق الدوري الصيني والياباني ومباريات في دوري الأبطال


وبين تجميد النشاط المحلي في إيران وعدد من المنافسات الدولية في كوريا الجنوبية وبلدانٍ أخرى محيطة بها، وصل الإرباك إلى أوروبا مع تأجيل مباريات وإقرار اللعب من دون جمهور في مباريات أخرى في إيطاليا، في وقتٍ برزت فيه انتقادات مجموعة من السياسيين الفرنسيين سماح السلطات حضور مشجعي يوفنتوس الإيطالي إلى مدينة ليون لمتابعة مباراة الفريقين ضمن ذهاب دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا، وهي البطولة التي تعتمد فيها الأندية بشكلٍ كبير على عائدات حضور المباريات، والتي وصلت إلى أرقامٍ خيالية في الموسم الماضي، إذ بلغ معدل عائدات كل مباراة فيها 4 ملايين و700 ألف دولار، وما إبعاد الجمهور عن مبارياتها على غرار ما حصل في مسابقة «يوروبا ليغ» وتحديداً مباراة إنتر ميلانو الإيطالي وضيفه لودوغوريتس البلغاري، إلا ضربةً تؤثر على مستقبل الفرق الأوروبية وعلى ميزانياتها العامة واستراتيجياتها للموسم المقبل. أضف أن إبعاد الجمهور بشكلٍ طارئ واستثنائي يمكن أن يؤدي إلى تخفيض القيمة المالية للعقود التسويقية الخاصة بالمسابقة الأهم على صعيد الأندية.
صحيح أن الصين تقف في عين العاصفة حالياً، وعين العالم عليها في ما خصّ أزمة فيروس «كورونا» الذي خرج منها ولم يرحم عشرات البلدان، لكن الترقّب الأكبر يحوم الآن حول جارتها اليابان حيث تتركز كل الأعين عليها، وهي التي ستكون محرجة أمام المجتمع الدولي كونها ستعيش أزمة رياضية، اقتصادية ومالية، في حال تأثرت الألعاب الأولمبية الصيفية التي كلفّ التحضير لها حتى الآن 12.5 مليار دولار، وهناك تخوّف لا يمكن إسقاطه على مصيرها، خصوصاً مع توالي إلغاء الأحداث الرياضية في العاصمة طوكيو، وآخرها إبعاد 38 ألف عداء وعداءة من الهواة عن سباق الماراثون المقرّر الأحد.