كان عام 1885 شاهداً على ولادته في مدينة ساوثمبتون. وإن سمّي بدايةً «القديسون»، الذي لا يزال يحمل اسم موقعه الرسمي على الإنترنت، نظراً لتابعية الفريق للكنيسة المحلية، إلا أنه حمل اسم «ساوثمبتون أف سي» بعد فوزه بالدوري الجنوبي لكرة القدم. صحيح أن معظم متابعي كرة القدم لا يعيرون نادي ساوثمبتون أي أهمية، كروياً أو إعلامياً.
وقد يكون هذا بسبب الاهتمام الفائض بالأندية الباقية التي تضم نجوماً لامعين؛ نجوماً تخرّجوا يوماً من أكاديميات أندية مغمورة، تصنع اللاعبين وتبيعهم. معظمهم يفعل ذلك للاستفادة المادية الكبيرة التي يحصّلونها، فلا يمكن الهروب من الواقع أن كرة القدم باتت مادية بشكل كبير. ولاستمرار النادي «الصغير» عليه أن يبيع لاعبيه المتميزين للأندية «الكبيرة». وهكذا يستمر الكبير مسيطراً على اللعبة كروياً وإعلامياً، ويظل الصغير مغموراً حتى لو أبدع في بعض فترات المواسم الكروية. هذا تحديداً ما حصل ولا يزال يحصل مع ساوثمبتون.
من المؤكد أن أكاديمية هذا النادي هي من أهم المدارس الكروية في إنكلترا، فقد خرَّجت ولا تزال لاعبين عرفوا طريقهم نحو العالمية. ولعل أبرزهم ألن شيرر سابقاً، وحالياً الراحلون عنها، لاعبا أرسنال ثيو والكوت وأليكس أوكسلايد - تشامبرلاين ولاعب ريال مدريد الويلزي غاريث بايل. ومن دون الذهاب بعيداً في الحديث تاريخياً عن هذه الأكاديمية، يكفي القول إن أكاديمية النادي تقف الى جانب أفضل أكاديميات كرة القدم الحديثة في أوروبا: برشلونة، أرسنال، أياكس وسبورتنغ لشبونة. ومن ناحية السمعة والإنجازات، تمّ تشبيهها بـ«لا ماسيا»، مدرسة الناشئين التابعة لنادي برشلونة.
هي مدرسة كبيرة لصقل المواهب وتنميتها، شأنها شأن شبيهتها. وإن كان في هذا الوصف الأخير تعظيم كبير بلا شك، إلا أنه قريب من الواقع. وهذا واضح في تشكيل ساوثمبتون مستقبل منتخب إنكلترا حيث يضم الفريق، على عكس معظم الاندية الإنكليزية الأخرى، 8 لاعبين انكليز يقدمون أداءً راقياً ومميزاً هذا الموسم، في مقدمتهم جاي رودريغيز (24 عاماً)، آدام لالانا (25 عاماً)، ريكي لامبرت (32 عاماً)، لوك شاو (18 عاماً)، كالوم تشامبيرس (18 عاماً)، جاك كورك (24 عاماً)، جيمس وارد (19 عاماً). والثلاثي الأول استدعاه مدرب المنتخب روي هودجسون أخيراً الى تشكيلته.
ولا شك في أن نجاح الأكاديمية يكمن في الطاقم التدريبي الخبير في اكتشاف اللاعبين وتطويرهم، لكن المؤسف أن النادي أعلن رحيل مدرب الأكاديمية ماثيو كروكر لتولي منصب المسؤول عن ملف تطوير اللاعبين والمدربين في الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم. وهو الذي عمل في الأكاديمية على مدى سبع سنوات ماضية.
اليوم، الجيل الموجود في ساوثمبتون حقق بدايةً موفقة في الدوري المحلي بقيادة المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، ويحتل حالياً المركز التاسع، بحيث يجني ثمار مشروعه الرياضي. ثمارٌ يسعى سريعاً كبار إنكلترا مانشستر يونايتد، أرسنال، تشلسي وليفربول لقطفها، كما حصل سابقاً.
لكن الأكيد أن هؤلاء سيواجهون معركة ضخمة مع ساوثمبتون الذي سيرفض البيع بسهولة، وهو كان قد رفض سابقاً، لكنه فشل أمام الأموال الضخمة، وتغزل المدربين الباقين بلاعبيه.
مدرب أرسنال الفرنسي أرسين فينغر أبدى إعجابه بلامبرت، وتعجبه من بقاء لاعب مثله في نادٍ مغمور!
أما مدرب يونايتد الإسكوتلندي ديفيد مويز فقد أبدى رغبته في ضم لالانا. وكذلك الامر مع رودريغيز الذي يسعى خلفه ليفربول. لكن، وللإنصاف، نجح النادي في الاحتفاظ بخدمات شاو بعقدٍ يمتد لخمس سنوات.
يرى بوكيتينو أن فريقه سيتحسن من خلال لاعبي أكاديمية الناشئين الذين لا يتجاوز عددهم 100 لاعب، في حين يفوق العدد 5000 في أندية أخرى. يفتخر هو بذلك. ويرى أن ما يفعله هو الصواب لإعادة المجد الضائع إلى الكرة الإنكليزية. في إسبانيا، سابقاً، كانت المشكلة أن المدربين الإسبان لم يثقوا باللاعبين المحليين، وكانت هناك رغبة في ضم لاعبين من البرازيل والأرجنتين، واعتبروا ان اللاعب الأجنبي أفضل من المحلي. وربما هذا ما يحدث في بلاد مهد كرة القدم، ويجب تغيير ذلك. هناك وفرة في المواهب الانكليزية، لكن المشكلة هي في استعداد الأندية لدمجهم مع الفريق الاول. سياسة الأندية الكبيرة التي ودّعت جميعها بطولة دوري أبطال أوروبا ضعيفة في تكوين الناشئين. لذا عليها حذو ساوثمبتون في المستقبل القريب من أجل تقليص الفارق بينها وبين الأندية الأوروبية.

يمكنم متابعة هادي أحمد عبر تويتر | @Hadiahmad