خلال السنوات الماضية، ارتفعت أعداد المراهنين على الألعاب الرياضية بشكل «جنوني»، بعد أن وجد البعض في المراهنات طريقة سريعة لكسب المال، فيما أدرج آخرون الأمر تحت خانة «الهواية» بفعل ارتباطهم العاطفي مع فريقٍ معيّن. في الحالتَين، خسر المراهنون أموالاً طائلاً مقابل حصول شركات المراهنات على أرباحٍ خيالية.تُقسم المراهنات إلى قسمين: شرعية، أي تمارَس عبر المكاتب والمواقع الإلكترونية المرخّصة التي تلتزم المعايير القانونية وتخضع لنظام ضريبي. وغير شرعية، التي تتم في مكاتب غير مرخّصة ولا تخضع لأيّ رقابة. في بادئ الأمر، كانت المراهنات تتم في مكاتب خاصة، غير أنها أصبحت اليوم متوفرة للجميع بفعل التطوّر التكنولوجي الذي قدّم خدمة المراهنة عبر الإنترنت «Online betting».
على صعيد كرة القدم مثلاً، وهي اللعبة الأكثر شهرةً في عالم المراهنات إلى جانب سباق الخيول، أصبح بإمكان أيّ شخص أن يراهن على أكثر من 230 حالة خلال المباراة الواحدة، بدءاً من توقّع النتيجة النهائية ونتيجة كلّ شوط ومسجلي الأهداف وصولاً إلى التبديلات وعدد الركنيات. رغم أن المراهنة على نتيجة مباراة واحدة تبقى «الأوفر حظاً» لكسب الأموال، يتّجه البعض للبذخ على نتائج «محفوفة بالمخاطر» بهدف تحقيق عائد مالي كبير، غير أن فرص الربح تكون قليلة جداً ما يكبده خسائر طائلة.
تتراوح قيمة مراهنات كرة القدم السنوية بين 700 و1000 مليار دولار، الأمر الذي يجعل البعض يربط بين هزائم الفرق «الفجائية» بالمراهنات. للحؤول دون حصول ذلك، تشكّل الاتحادات الكروية لجاناً خاصة لمراقبة المباريات وعمل مكاتب المراهنات، إضافةً إلى قيامها بالتحقيقات اللازمة عند الاشتباه في كلّ حالة تلاعب واتّخاذ إجراءات قاسية بحق المتورطين. ظهر ذلك جلياً مع يوفنتوس عام 2006، حين جُرّد «البيانكونيري» من لقب الدوري وفرض عليه الهبوط إلى الدرجة الثانية بعد فضيحة «كالتشيوبولي» الشهيرة.
لاقت مباراة ودية في السويد اهتمام 150 شركة مراهنات حول العالم نظراً إلى تعليق الرياضات الأخرى


رغم اقتصار الخسائر غالباً على المراهنين، قلب فيروس كورونا الطاولة اليوم على «حيتان الجشع»، ما كبّد العديد من شركات المراهنة خسائر فادحة. في هذا الصدد، تعقد كبرى شركات المراهنات اليوم اجتماعات دورية لإيجاد صيغة تتيح لها «النجاة من الركود» الذي سبّبه تعليق الأحداث الرياضية حول العالم على خلفية كورونا. وفي المرة الأولى جمعت القمة الرقمية لشركة «سبورتس بيتينغ كوميونيتي» (أس بي سي) للمراهنات 140 متحدثاً، بينهم أكثر من 20 مديراً تنفيذياً لكبرى شركات المراهنات من أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.
وفي حديثٍ إلى وكالة الصحافة الفرنسية «أ ف ب»، رأى المدير العام لـ«أس بي سي» البريطاني أندرو ماكرون أن شركات المراهنة معرّضة لخسائر تاريخية بسبب تعليق النشاطات الرياضية. في بريطانيا مثلاً، خسرت المنطقة «قلبها النابض» في روزنامة الموسم الرياضي، بعد إلغاء بطولة ويمبلدون إضافةً إلى السباق الوطني الكبير «غراند ناشونال» للخيول وبطولة بريطانيا المفتوحة للغولف التي تُعتبر جميعها مصدراً رئيسياً لإيرادات المراهنين. ويؤكّد ماكرون محاولة الشركات التعامل مع الوضع عبر الإنترنت وتقديم خيارات بديلة مثل الرياضة الافتراضية والرياضة الإلكترونية، بالإضافة إلى ماكينات القمار وألعاب الكازينو، غير أن الأرباح لا تزال بعيدة عن تعويض الخسائر الكبيرة في الإيرادات، نظراً إلى إقبال عدد قليل من الناس على المراهنة على أحداث يعرفون عنها القليل بدون وجود ارتباط عاطفي بها. ويعتبر ماكرون أن شركة «جي في سي هولدينغز» التي تملك مكتبي «كورالز ولادبروكس» للمراهنات تعكس الواقع المرير الذي يعيشه عالم المراهنات خلال هذه الفترة، بعدما قدّرت أن الأزمة الحالية ستكلفها 50 مليون جنيه استرليني شهرياً.

رهان على المباريات الودية
«الشحّ» في المباريات الرسمية جعل بعض المكاتب تتوجّه إلى التركيز على المباريات الودية، حيث كشفت صحيفة «سبورت بلادت» اضطرار فريقين سويديين للهواة إلغاء مباراة ودية لكرة القدم بسبب مخاوف من التلاعب في نتيجتها، بعدما لاقت اهتمام 150 شركة مراهنات حول العالم نظراً إلى تعليق الرياضات الأخرى. ومع عدم فرض العزل الشامل في السويد رغم تفشّي فيروس كورونا، كان إسكلستونا المنافس في الدرجة السابعة يستعدّ لمواجهة ناشولتا شويف المنتمي إلى الدرجة الثامنة في مباراة ودية، لكن الاهتمام المتزايد من المراهنين وشركات المراهنات حول العالم ومحاولة التحكّم في نتيجة المباراة تسبّب في إلغائها. وقال إميل شالين ـ إريكسون مهاجم ناشولتا في هذا الصدد: «أشخاص من دولٍ أخرى اتصلوا وكانوا يريدون التأثير على النتيجة. لم أرَ مثل هذا الأمر من قبل، هذه الأوضاع لا يمكن توقّعها». وطالب ناشولتا صاحب الملعب بأخذ النصيحة من «سفينسكا سبل»، وهي شركة مراهنات محلية تابعة للحكومة، التي أبلغته بأن 148 شركة مراهنات على الأقل حول العالم عرضت المباراة على المراهنين، ما جعل الفريقين يغيّران بعدها موعد المباراة إلى السبت التالي لمنع المراهنين من معرفة ذلك، من دون الإعلان عن المباراة أو تفاصيلها.


على الجانب الآخر، سيوفّر تعليق المراهنات الكثير من المال على المراهنين. في مقابلةٍ لجيمس غرايمز، مدمن مراهنات سابق وصاحب منظمة للتوعية من مخاطر المراهنات، مع إذاعة «Deutsche Welle» الألمانية، وصف غرايمز ما يحدث بالعاصفة المثالية، داعماً ذلك بقوله: «بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يقامرون عادةً، تكون المراهنات بمثابة هواية لملء الفراغ، غير أنّ ذلك يتحول مع الوقت إلى إدمان ويؤدّي غالباً إلى خساراتٍ طائلة، بفعل الاعتقاد الخاطئ بأن المراهنات هي طريقة سريعة لكسب المال». يضيف غرايمز بأنّ «هناك خطراً حقيقياً من استبدال العملاء حديثي المقامرة للمراهنة الرياضية بالمراهنة على الألعاب الافتراضية، نظراً إلى أنها غير محدودة وتعتمد غالباً على الحظ. ما يقلقني هو عدم فهم الناس للطبيعة الإدمانية لهذه المنتجات، إذ أن الرهان البسيط يمكن أن يؤدّي إلى الإدمان».