هي ثاني أكبر مدن فرنسا بعد العاصمة باريس، إلّا أنها المدينة الأجمل بالنسبة إلى كثيرين. من كنيسة نوتردام المرتفعة في وسط المدينة، يمكن رؤية جميع زوايا عاصمة الجنوب الفرنسي المطلّة على البحر الأبيض المتوسط. هي عاصمة الثقافة الأوروبية عام 2013، وكذلك المدينة الأكثر شغفاً بكرة القدم، كيف لا وهي الوحيدة التي تُوّجت بدوري أبطال أوروبا في فرنسا، وعلى حساب واحد من أكبر أندية أوروبا، هو نادي ميلان الإيطالي في موسم 1992 - 1993. للرياضة تاريخ طويل في مدينة الجنوب، هناك على شواطئها الواسعة تشتهر نشاطات البيتانك (رياضة الكرة الحديدية أو المِطَثَّة التي تُرمى على رمال الشواطئ) حتى إنها تُعرف بعاصمة البيتانك في العالم.اليوم تستعدّ مارسيليا لتحدٍّ جديد، وهو المنافسة في دوري الأبطال بعد آخر مشاركة في موسم 2013 ـ 2014، وإعادة تكوين فريق قادر على منافسة باريس سان جيرمان وأمواله القطرية في الدوري المحلّي، إلّا أنّ هذا الأمر يعترضه الكثير من الصعوبات وفي مقدمها التحدي المالي وخطر الإقصاء.
الفضل الكبير في عودة مارسيليا إلى دوري الأبطال يعود إلى المدرب البرتغالي أندري فياش-بواش، الذي قاد الفريق ليحتلّ المركز الثاني قبل فترة التوقّف برصيد 56 نقطة. بواش أسّس فريقاً قادراً على المنافسة، فأعاد إحياء أسماء كان قد تراجع مستواها في السنوات الأخيرة، أبرزها الفرنسي ديميتري بايت والحارس ستيف مانداندا. كما اعتمد أيضاً على المدافع الإسباني ألفارو غونزاليز ولاعب بوكا جونيورز الأرجنتيني سابقاً داريو بينيديتو. ويسجل لبواش قدرته على تحقيق نتائج إيجابية رغم غياب نجم الفريق الأول فلوريان توفان بسبب الإصابة.
يمتلك مارسيليا جميع المقوّمات للمنافسة، خصوصاً أنه يحظى بدعم هائل من جماهيره على أرضية ملعبه الفيلودروم (يتّسع لأكثر من 60 ألف متفرج)، كما أن الحافز موجود لتحقيق إنجازات جديدة والوصول إلى منصّات التتويج بعد غياب طويل، إلّا أن المشاكل المالية يمكن أن تكون العائق أمام كلّ هذا.
عرض مارسيليا قبل يومين على المدرب أندري فياش ـ بواش تجديد عقده لموسمين وثالث إختياري


في الأسابيع الأخيرة برزت مشاكل كبيرة داخل النادي، وهي أدّت قبل أيام إلى رحيل المدير الرياضي الإسباني أندوني زوبيزاريتا الذي تربطه علاقة مميزة ببواش، وهو ما طرح علامات استفهام حقيقية حول إمكانية رحيل المدرب قريباً.
أندريه فياش ـ بواش قال إنه متمسّك بالنادي وإنه سعيد في مارسيليا، إلّا أن التقارير الفرنسية تشير إلى أن المدرب الموجود حالياً في البرتغال لن يعود إلى ملعب الفيلودروم بسبب الظروف المالية الصعبة في الفريق، وتوجّه الإدارة للتخلّي عن العديد من اللاعبين في الفترة المقبلة. وعزت التقارير الفرنسية أسباب هذه الإجراءات في مارسيليا إلى الخسائر المالية الكبيرة التي لحقت بالنادي جرّاء أزمة كورونا والتوقّف القسري للمنافسات.
ومن المتوقّع أن يلجأ النادي في فترة الانتقالات المقبلة للتخلّي عن لاعبين من أصحاب الرواتب المرتفعة، لخفض قيمة كلفة الأجور التي بلغت الموسم الماضي 127 مليون يورو. ومن بين اللاعبين المحتمل التخلّي عنهم الهولندي كيفن ستروتمان الذي يبلغ راتبه الشهري 500 ألف يورو. ويُعتبر عدم نجاح زوبيزاريتا في بيعه في فترة الانتقالات الصيفية الماضية أحد إخفاقات الإسباني. ولكسب المال أيضاً، سيكون على مارسيليا بيع أحد لاعبيه الشباب مثل ماكسيم لوبيز أو مورغان سانسون أو الكرواتي دويي تشاليتا-تسار. كل هذه الاستغناءات يمكن أن تدفع المدرب للرحيل، خصوصاً أنه كان قد صرّح سابقاً أن بقاءه مرتبط بجعله يؤسس نادياً قادراً على المنافسة. وكان لافتا عرض النادي على المدرب قبل يومين تجديد عقده لعامين اضافيين، وعام ثالث إختياري.

مشاكل قديمة
منذ مجيء المدرب البرتغالي أندريه فياش-بواش في عام 2016 إلى مارسيليا (يرتبط بعقد مع النادي حتى عام 2021)، بدأ المستوى بالتحسّن تدريجياً. في تلك الفترة كان الجميع يعلم أن هناك مشاكل مالية، ولكنها لم تكن «مستفحلة» كما هو الحال اليوم. النادي الذي أحرز البطولة المحلية الأخيرة عام 2010، انتقلت ملكيته عام 2016 إلى الملياردير الأميركي فرانك ماكورت، المالك السابق لنادي لوس أنجليس دودجرز للبيسبول. المُلّاك الجدد خرقوا قواعد اللعب المالي النظيف، فتعرضوا لعقوبات وصلت إلى حدود 98 مليون دولار، وهو ما جعل النادي يرزح تحت عبء مالي كان يمكن تجنّبه. اليوم وبفعل تداعيات كورونا باتت المشاكل أكبر والخسائر تزداد كلّ يوم. وأعلن الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس أنه تمت إحالة مارسيليا إلى غرفة التحكيم التابعة لهيئة الرقابة المالية للأندية، بسبب عدم امتثاله لاتفاق ينص على تسوية حساباته. وضمن «اتفاق تسوية» يتوجب على مارسيليا اللعب بفريق مُصَغَّر من حيث العدد (23 لاعباً عوضاً عن 25) في حملته الأوروبية المقبلة، وأن يسدد ما يصل إلى أربعة ملايين يورو من أيّ جائزة مالية قد يحصل عليها. ويبدو الآن أن لا مفرّ من عقوبات إضافية قد تصل إلى حدّ إقصائه من دوري الأبطال الموسم المقبل بحسب ما أفادت صحيفة «ليكيب» الرياضية.
وبرّر ماكورت أخيراً الوضع المالي الصعب للنادي، بقوله: «عندما اشتريت مارسيليا كنت أعرف بأنه ستكون هناك تقلبات (بين الجيد والسيّئ)، مشدداً على أهمية رؤيته الطويلة المدى».
كل هذه المشاكل يمكن أن تصيب الجماهير بالخيبة، خاصة في حال تم إقصاء الفريق من دوري الأبطال. الجماهير الفرنسية العاشقة لنادي الجنوب تُمنّي النفس منذ حوالى 6 سنوات بالعودة إلى دوري الأبطال والمنافسة بين الكبار، إلّا أن الأداء الإداري السيّئ يمكن أن يدمّر كل هذه الأحلام.
هي مرحلة حساسة واستثنائية في تاريخ النادي الحديث. رحيل زوبيزاريتا سيترك فراغاً كبيراً بلا شك، ولكن رحيل بواش يمكن أن يكون الضربة القاضية، كيف لا، وهو الذي أعاد الثقة إلى العديد من اللاعبين وساعدهم ليعودوا إلى مستواهم الطبيعي. أسابيع مهمّة يمكن أن تكون خواتيمها سعيدة في حال عملت الإدارة على إدارة الملف بما هو مطلوب.