لم يتّخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم قراراً برفع عدد التبديلات من ثلاثة إلى خمسة خلال المباريات بعد استئناف البطولات، عن عبث، إذ أن جائحة «كورونا» التي فرضت الحجر على لاعبي العالم، دفعت إلى اتّخاذ إجراءات استثنائية لإكمال المواسم المعلّقة. أبرز هذه الإجراءات كان التعديلات على جداول البطولات، وذلك بشكلٍ أدّى إلى تكثيف المباريات، ما يعني أن هذه المسألة تفرض ثقلاً على اللاعبين الذين لا يمكن لأيّ أحدٍ منهم تحمل هذا الضغط البدني الكبير، خصوصاً بعد فترةٍ لم يتمكنوا خلالها من المواظبة على التمارين والحفاظ على منسوب اللياقة المرتفع، والجهوزية البدنية التي يمكن أن تبعد عنهم شرّ الإصابات.من هنا، يقول الخبراء إن غالبية اللاعبين فقدوا قسماً من حجم عضلاتهم، وأيضاً نسبةً كبيرة من قدرة هذه العضلات على تأدية وظائفها، وهو ما يتسبّب عادةً بتراجع مستوياتهم أو تعرّضهم للإصابة. ويمكن القول إن بعض العضلات نامت فانتفت بعض وظائفها، وذلك بفعل تقلّص حجم التمارين التي اعتادت عليها أجسام اللاعبين، وخصوصاً المحترفين منهم الذين يخوضون حصصاً تدريبية جماعية وفردية بشكلٍ يومي.
ويشرح المعالج الفيزيائي للمنتخب اللبناني، والمتخصّص أيضاً في مجال اللياقة البدنية، إيلي متني في حديثٍ إلى «الأخبار»، هذه النقطة قائلاً: «لا يمكن تخيّل مدى تأثير وضعية الجسم على قدراته البدنية عندما تكون هناك حالات شاذة على غرار الجلوس بطريقة خاطئة أو التمدّد على السرير لساعاتٍ طويلة من دون القيام بأي حركةٍ مفيدة». ويضيف: «كل هذا يؤدي إلى قصورٍ في عمل العضلات ويقلّص من قوة التحمّل لدى اللاعبين».
والواقع أن الخطر العالي للتعرّض للإصابة ليس المشكلة الوحيدة التي واجهها اللاعبون بعد استئناف النشاط، إذ يقول متني إن علم دراسة الوظائف الخاصة بالعضلات يكشف عن ماهية عملها من خلال تحرّك اللاعب على أرض الملعب أو خلال تسديده للكرة «إذ أن تأدية العضلة لوظائفها تختلف بحسب تبدّل طريقة العمل، ما يعني أن انخفاض معدل التمارين يؤدّي غالباً إلى نتائج أقل نوعية في ما خصّ أداء اللاعب».
أكد إيلي متني أن توقف التمارين يؤدّي إلى قصورٍ في عمل العضلات ويقلّص من قوة التحمّل


ومساوئ الحجر الذي عاش فيه اللاعبون، تتنوّع بين التعب، انخفاض مستوى اللياقة البدنية، الإجهاد النفسي، الجفاف ومشاكل التنفّس. كما يصوّب متني على نقطةٍ مهمة وهي انخفاض منسوب السكر في أجسام اللاعبين، ما يؤدي إلى مشاكل جمّة، وهو ما ظهر مثلاً على البرازيلي مارسيلو خلال إحدى مباريات ريال مدريد حيث اضطر الجهاز الطبي إلى مدّه بالعصير لرفع منسوب السكر في جسمه.
وفي السياق عينه، تقول دراسة قام بها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إن خوض مباراة كل 3 أو 4 أيام يرفع خطورة التعرّض للإصابة بنسبة 20%، وهي دراسة التقت مع واحدة أخرى قام بها أحد فرق التطوير في نادي برشلونة الإسباني، والذي صوّب على أن الانقطاع عن التمارين والمباريات بدّل بشكلٍ كبير من طريقة عيش اللاعبين، وبالتالي ترك أثره المباشر عليهم، وخصوصاً في ظلّ عدم إدراكهم قبل أسابيع بتاريخ عودة الأمور إلى شيءٍ من طبيعتها، وهو ما خلق شعوراً بالخوف، وآخر بالضغط العصبي والقلق الدائم، وحتى في بعض الحالات أدى إلى إصابة لاعبين بالكآبة.
وهذه النقطة الأخيرة حُكي عنها كثيراً في إنكلترا مثلاً، إذ رغم تقاضي اللاعبين مبالغ كبيرة، فإنّ الحديث حضر بقوة عن قلقهم الكبير حول مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم في ظلّ الجمود الكبير الذي أرخى بظلاله على كل شيء. وهذا الجمود تحديداً أثّر بشكلٍ مباشر على الجانب النفسي للاعبين، وبالتالي تقلّص عملهم في مجال التدرّب، ما أدى عملياً في النهاية إلى معاناتهم مشاكل بدنية ومن ثم مشاكل أصعب مع الإصابات الناتجة عن عدم حماية العضلات من خلال التدرّب بطريقة سليمة ومدروسة.
وفي وقتٍ أُجبر فيه اللاعبون على عدم القيام بأيّ نشاط، فإنّ تدرّبهم في المنزل لم يكن كافياً. ويشرح متني هذه المسألة بقوله: «خطر التعرّض للإصابة في عالم الاحتراف يمكن أن يكون ناجماً عن الانخراط في حصصٍ تدريبية من دون إشراف مباشر وإرشاد من المتخصصين». ولهذا السبب كان واضحاً أن بعض الأندية مثل بايرن ميونيخ الألماني كان مصرّاً على إعطاء دورٍ أساسي لمدربي اللياقة البدنية لديه خلال فترة حجر اللاعبين لأنفسهم، وذلك من خلال تنظيم حصص تدريبية عبر تقنية الفيديو، بحيث ينفّذ اللاعبون ما يطلبه المدربون منهم لضمان قيامهم بتدريبات صحيحة.
والأكيد أن هذه الطريقة ليست الحل الأفضل أو لا تعوّض صورة الواقع الطبيعي، لذا بدت عملية البحث عن حلول لتقليص حجم الإصابات، من الأولويات التي تمّ التركيز عليها في الفترة الأخيرة. وانطلاقاً من هذا الكلام جاء قرار زيادة عدد التبديلات، والإضاءة على أهمية استراحة تناول المياه خلال المباريات، إضافةً إلى وضع استراتيجيات للتعافي بعد خوض التمارين أو المباريات، وهي مسألة اعتُبرت أساسية إلى حدٍّ بعيد وسط التشديد بالالتزام بها لتفادي خسارة اللاعبين لفترة قصيرة أو طويلة، وذلك بحسب حجم الإصابة التي قد تنتج استناداً إلى وضع العضلة، ما يعني أن العمل على جانب التعافي هو أمر مهم للجهازَين العضلي والتنفسي على حدٍّ سواء.