لا يمكن لبايرن ميونيخ وبرشلونة سوى التفاؤل عندما يواجه أحدهما الآخر، إذ بعيداً من القلق والتوتر الذي يختزن نفوس لاعبيهما بسبب حدّة المواجهة بينهما عادةً، فإن الفائز من لقاء الليلة سيستبشر خيراً من النتيجة.في ثلاث مناسبات خلال المراحل الحاسمة، حمل الفريق الفائز الكأس في نهاية المطاف، ففي موسم 2008-2009 خرج برشلونة متأهلاً من موقعتي الدور ربع النهائي ليتوّج لاحقاً باللقب. الأمر عينه فعله بايرن بعدما أقصى الفريق الكاتالوني من نصف النهائي في موسم 2012-2013، قبل أن ينسخ «البرسا» المشهد في نفس الدور في موسم 2014-2015، ليعبر باتجاه خطف لقبه القاري الخامس.
كثيرةٌ هي الذكريات التي سيستعيدها المتابعون ما أن تطأ أقدام نجوم الفريقين أرضية ميدان «استاديو دا لوز» الخاص بنادي بنفيكا في العاصمة البرتغالية لشبونة. آخر هذه الذكريات طبعاً ذاك الهدف الرائع الذي سجله النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي عندما تلاعب بالمدافع الألماني جيروم بواتنغ وجعل منه أضحوكة على مواقع التواصل الاجتماعي ليهزّ شباك الفريق البافاري.
ميسي بلا شك هو الكابوس الدائم لبايرن، لكن الواقع أن الحديث اليوم يقول بأن بطل ألمانيا قد يكون الكابوس الفعلي لخصمه بفعل تطوّر مستواه بشكلٍ كبير هذا الموسم، مقابل تراجع رهيب سجلّه «البلاوغرانا» وأفقده لقب الدوري الإسباني لمصلحة غريمه الأزلي ريال مدريد.

«البافاري» بنقاط قوة كثيرة
وإذا كان بايرن يعرف سلفاً بأن نقطة قوة برشلونة هي ميسي القادر على صناعة الفارق في أي لحظة، فهو يعوّل بشكلٍ أكبر على مجموعة لاعبين يتقيّدون بنظام اللعب الذي أرساه المدرب هانزي فليك، ما جعل فريقه يخرج فائزاً بمبارياته الثماني في أوروبا مسجلاً 31 هدفاً خلالها، 13 منها لهداف البطولة البولندي روبرت ليفاندوفسكي.
وبالتأكيد سيكون التركيز على «المباراة المصغّرة» بين ليو وليفا، لكن هذا الأمر لا يعني بايرن بالتحديد لأن تركيز فليك ينصبّ على الجانب التكتيكي الذي جعل من خلاله فريقه لا يُقهر محلياً وأوروبياً منذ تسلمه دفة التدريب خلفاً للكرواتي نيكو كوفاتش.
وتركيز فليك بلا شك سيكون العمل على كيفية خرق الدفاع المهزوز لبرشلونة، والذي أظهر ضعفاً كبيراً في المحطات المهمة، ما تسبّب بفقدان الفريق للقب «الليغا». من هنا، يعلم المدرب الألماني أن نظيره كيكي ستيين يدرك تماماً حجم الأذى الذي يمكن أن يسبّبه له بايرن، وبالتالي لا يُستبعد أن يعتمد الأخير على استراتيجية قوامها 4-4-2 مقابل خطة 4-2-3-1 التي يعتمدها الألمان.
الفائز من مواجهات بايرن وبرشلونة السابقة تمكّن من التتويج باللقب


فكرة سيتيين ستكون حماية ظهر ميسي وشريكه في الهجوم الأوروغواياني لويس سواريز بلاعبين أصحاب نزعة دفاعية يمكنهما استرداد الكرة بشكلٍ سريع وإعادتها باتجاه الثنائي الهجومي الخطير. وهذه المهمة يبرع فيها سيرجيو بوسكتس والتشيلياني أرتورو فيدال وبشكلٍ أقل الكرواتي إيفان راكيتيتش المرجّح أن يترك مكانه للأخير بعد عودته، بينما يفترض أن تضع هذه الخطة الفرنسي انطوان غريزمان خارج الحسابات.
لكن هذه الخطة نفسها قد لا تجدي نفعاً أمام براعة بايرن في الهجمات المرتدة السريعة، وإمكانية استفادته من سوء تمركز لاعبي «البرسا» عند تقدّم الظهيرين أو خروج أحد قلبَي الدفاع (تحديداً جيرار بيكيه) من مركزه.
أما الدليل على ضعف خط الظهر الكاتالوني وتركه فراغات عند مشاركة عناصره في الحالة الهجومية هو ما أشارت إليه الإحصاءات بأن برشلونة تلقى هدفاً كل 90 دقيقة في «الليغا» هذا الموسم. لذا وبوجود المتألقين سيرج غنابري وتوماس مولر، وسرعة الكندي ألفونسو ديفيس في الرواق الأيسر سيحصل بايرن على الأفضلية في كل هجمة مرتدة، ما قد يعطيه زيادة عددية تساعده على ضرب مرمى الحارس الألماني مارك - أندريه تير شتيغن الذي يتحمّل عادةً العبء الأكبر من الخطورة على منطقته.
ومن نقاط القوة التي يتمتع بها الفريق الأحمر أيضاً، هي تحرّك لاعبيه بشكلٍ ذكي في المساحات الخالية، وهو ما يسمح للاعبٍ مثل ليفاندوفسكي أن يتحوّل من هدافٍ قاتل إلى ممررٍ حاسم، وما يفسّر أيضاً توزّع الأهداف على كل لاعبي الوسط والهجوم الذين بإمكانهم الوصول إلى المرمى بغض النظر عن أدوارهم الدفاعية.

قوة برشلونة بخبرته
برشلونة هو الآخر لديه نقاط قوة قد تساعده في مسعاه في حال لم يتمكّن من إيجاد نقاط ضعفٍ لدى منافسه. أبرز هذه النقاط هي إصرار سيتيين على عملية البناء من الخلف (ما يفسّر تسلم تير شتيغن العديد من الكرات وتسجيل الإحصاءات الكثير من التمريرات باسمه في كل مباراة)، ولو أن هذه الفكرة قد لا تبصر النور في مواجهة الضغط العالي الذي يمارسه بطل ألمانيا غالباً. لكن في حال نجح الإسبان في سحب الألمان إلى ملعبهم وإيجاد المساحات خلف المتقدّمين، قد يتمكّن شتيغن حتى من تمرير إحدى كراته الحاسمة، وسيحصل ميسي أيضاً على فرصة الوقوف وجهاً لوجه مع الحارس مانويل نوير أكثر من مرّة.


إذاً خطة «قهر بايرن» موجودة على دفتر سيتيين الذي يعلم أن ميسي لن يكون كل شيء في ظل قدرة لاعبي وسط بايرن على إيقاف الإمدادات له وإجباره على العودة إلى وسط الملعب لتسلم الكرات، وبالتالي إبعاده عن منطقة الجزاء حيث يشكّل الخطر الأكبر. لذا سيكون الهولندي فرانكي دي يونغ الذي قدّم أداءً كبيراً أمام نابولي الإيطالي في الدور السابق، بيضة القبّان في خط الوسط بهدف خلق التوازن بين الحالتين الهجومية والدفاعية وإعادة تنظيم فريقه في كل مرّة يحصل فيها على الكرة أو يفقدها.
دور دي يونغ محوري بلا شك ومهم جداً في فريقٍ يفقد توازنه بسرعة، لذا فإن لاعب وسط اياكس امستردام الهولندي سابقاً يعدّ نقطة قوة مهمة لسيتيين في وجه الثنائي ليون غوريتسكا وجوشوا كيميتش لإبعادهما عن خط تغطية التمرير إلى ميسي وسواريز من خلال براعته في الاحتفاظ بالكرة وتمريرها بشكلٍ دقيق.
وفي وقتٍ ينتقد فيه كثيرون تقدّم بعض لاعبي برشلونة بالسن وظهور مؤشرات بهبوط مستوى الفريق في الشوط الثاني في غالبية المباريات، يبقى عامل الخبرة في المواجهات الكبيرة، الذي يتمتع به ميسي وزملاؤه أمراً مهماً إلى أبعد الحدود، وهي مسألة قد تكون مفصلية، فالسبب المذكور مهمّ جداً في مباريات من هذا النوع أي حيث لا مجال للتعويض كون الفريق الخاسر سيعود سريعاً إلى الطائرة التي أتى بها إلى لشبونة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا