كانت أزمة «كورونا» قاسية جداً على كرة السلة اللبنانية، ففي كل مرّة صدرت خطة لمواجهة الوباء، وتوصيات وقرارات من الجهات الرسمية، كانت إحدى النقاط الأساسية طلب إغلاق الملاعب والقاعات الرياضية المقفلة. من هنا، كان من الصعب جداً على الأندية إطلاق تمارينها بعدما بدت الحركة مقبولة لفترةٍ ما في سوق العرض والطلب مع تحرّك عددٍ محدود من الأندية لضمّ اللاعبين المحليين وسط إدراكهم أن العنصر الأجنبي سيكون غائباً في الموسم الجديد.الواقع أنّ كل الظروف أتت ضد كرة السلة في لبنان، فالأزمة الاقتصادية والمالية وجّهت رصاصة مباشرة إلى قلب لعبةٍ كانت تنازع أصلاً، أقلّه في الموسمين الأخيرين، لتأمين الأموال اللازمة من أجل الإبقاء على صورتها الطيّبة. أزمةٌ مالية هي أصعب ربّما من تلك الصحية في ما خص «الباسكت» التي ازدهرت بفضل عنصر المال، ورفعت من مستوى الرياضة اللبنانية عامةً من خلال بطولتها التي عرفت كيفية الاستفادة من مواردها من أجل خلق أعلى قدرٍ من الحماسة والاهتمام الذي تخطى بلا شك حدود البلاد.
اليوم يبدو السؤال المشترك في ظلّ الهدوء الواضح في الساحة السلوية: هل ستقام بطولة لبنان تزامناً مع عودة النشاط إلى رياضاتٍ أخرى؟
سؤالٌ يبدو في مكانه في ظل غياب الحراك عن معظم عمل الأندية اللبنانية، إذ لم تسجّل سوى أندية الرياضي، الشانفيل وهوبس خرقاً على هذا الصعيد من خلال عملها أوّلاً على استقطاب لاعبين جدد أو تجديد عقود لاعبيها أو التفاوض معهم حول آلية جديدة في ظل الظروف الراهنة. لكن الهدوء لا يزال كبيراً في الملاعب المختلفة، حيث ليس هناك من أجوبة حول مواعيد إطلاق التمارين أو إقامة المباريات الاستعدادية، الكل ينتظر، لكن الانتظار قد لا يكون الحلّ الشافي في ظل التوقعات التي تشير إلى طول فترة الأزمات.
الحقيقة أن الكثير من القيّمين على الأندية اللبنانية لا يؤمنون بعودة النشاط في وقتٍ قريب، رغم أن الاتحاد اللبناني لكرة السلة بدا متمسّكاً بإيجاد الآلية اللازمة لعدم قتل اللعبة من خلال الجمود الحاصل، والتأكيد في أكثر من مناسبة على إطلاق البطولة في الموعد المتّفق عليه. تمسّك دونه عقبات في خضم ما تعيشه الأندية من تخبّط فني أو شحّ مالي، لكن في النهاية يقف الاتحاد أمام مسؤوليته لناحية تهيئته الأجواء، ما ينقل المسؤولية إلى الأندية التي يُفترض أن تعمل في خطٍّ موازٍ لإنعاش نفسها وإحياء المنافسات من جديد.
ويقول رئيس الاتحاد اللبناني أكرم الحلبي في اتصالٍ مع «الأخبار»: «لم يتبدّل موقفنا أبداً، إذ عملنا على تحضير جدول المباريات، واضعين في الاعتبار موعد انطلاق بطولة لبنان في 15 تشرين الثاني المقبل». ويضيف: «لقد قمنا بتأمين ميزانية البطولة من خلال «مؤسسة طلال مقدسي»، وبالتالي ليس هناك عامل يمكن أن يعيقنا ويوقف ما نسعى إليه سوى الوضع الصحي المرتبط بتفشي «كورونا» في البلاد».
وأكد الحلبي أنه على تواصلٍ دائم مع الأندية «وأدعوها مجدّداً من خلال هذه السطور إلى العمل لنلتقي حول النقطة الأهم وهي نقطة انطلاق بطولة لبنان، رغم أننا سنفتقد للكثير فيها هذا الموسم، أي للجمهور والعنصر الأجنبي طبعاً».
إذاً حتى هذه اللحظة البطولة ستقام، ولو أن هذا الاعتبار يبقى في كلام القيّمين أو على الورق، لكنه على الأقل يدلّ على حسن النوايا بإقامتها، وهي مسألة مرهونة بالتطورات والوضع العام في البلاد، رغم أن المؤشرات الحالية لا تطمئن إلى حدٍّ كبير. وكلمة المؤشرات هنا لا تعني الظروف الصحية فقط إنما المالية والأمنية أيضاً.
كل الظروف أتت ضدّ كرة السلة في لبنان، فالأزمة وجّهت رصاصة مباشرة إلى قلبها


النقطة الأولى قد تكون الأهم في ظلّ عدم وجود حماسة لدى أندية عدة لدفع الأموال وتشكيل فرقٍ، وهي مسألة مفصلية في عملية إطلاق وإنجاح البطولة، لا بل إن الأسوأ أن هناك فرقاً مهمة اختفت تماماً، أوّلها الحكمة، وثانيها بيروت الذي أكد مصدر رسمي فيه أنه تمّ دفع مستحقات اللاعبين وفكّ الارتباط معهم، ما يعني أن الفريق الذي يحمل اسم العاصمة والذي عرف تطوراً سريعاً وقدّم صورةً مميزة محلياً وعربياً، لن يكون حاضراً في حال انطلقت البطولة!
كذلك تبرز نقطة تدلّ على صعوبة الوقت، وهي هجرة اللاعبين والمدربين على حدٍّ سواء بهدف إيجاد فرصٍ جديدة في الخارج، الأمر الذي يعطي فكرةً عن مدى الصعوبات التي قد تواجهها الأندية أيضاً لإقناع لاعبين معيّنين بالانضمام إليها، خصوصاً أن الغالبية الساحقة من اللاعبين المحليين يعملون جاهدين لإيجاد فرص عملٍ في الخارج ضمن الاختصاصات التي درسوها في الجامعات.
عملياً، يبدو عددٌ كبير من الأندية العريقة في وضعٍ مأسوي من دون مبالغة، أمثال الحكمة، هومنتمن وانيبال زحلة. وهذا لا يعني أن أوضاع هؤلاء وغيرهم كانت أفضل سابقاً، إذ إن أوضاعهم كانت صعبة سلفاً، لكن الفارق أنه في السابق كان بالإمكان تأمين الأموال بغضّ النظر عن المصادر، لكن الوضع المالي القاسي أصاب الجميع في البلاد، وبالتالي باتت مسألة الحصول على الدعم المطلوب صعبة جداً.
وكما هو معلوم فإن فرق كرة السلة اللبنانية كانت تعتمد على القطاع الخاص بشكلٍ كبير لتأمين الرعاية، من شركتي الاتصالات إلى المصارف والشركات التجارية وغيرها من تلك المؤسسات التي لم تمانع في فتراتٍ معيّنة دعم فريقين أو أكثر حتى. وهذه الرعاية تقلّص حجمها شيئاً فشيئاً في الأعوام القريبة الماضية، ما ترك معاناة لدى الأندية التي لا شك في أنها تعاني اليوم بشكلٍ أكبر بكثير في بحثها عن داعمٍ أو راعٍ يمكنه إنقاذها من مآسيها. أضف نقطةٍ مهمة وهي الانخفاض الحتمي للقيمة الماليّة للبطولة بسبب غياب عنصري الجمهور والأجانب، ما يعني انخفاضاً أيضاً في قيمة العقد التلفزيوني إذا ما وُجد أي قناة مهتمّة بنقل المباريات، وهي مسألة كانت مهمة للأندية كونها أمّنت لها عبر الأعوام الماضية مبالغ مقبولة ساعدتها بشكلٍ أو بآخر.
لذا وفي ظل كل هذه المؤشرات قد يكون الاتجاه إلى سيناريو شبيه بالدوري الأردني من حيث إقامة بطولة بحسب ما تسمح به الظروف وبما تيسّر أو توفّر، أي بجدول مباريات محدّد وغير طويل (سيتمّ الإعلان عنه قريباً)، ومن دون القيام بخطوات أكبر مما يتحمّله الوضع الراهن أي بعيداً من وجع الرأس الناتج عن الأرقام الكبيرة التي طلبها اللاعبون اللبنانيون للتوقيع مع هذا النادي أو ذاك.



«ثروة» لسفر منتخب لبنان!
بطولة لبنان ليست الوحيدة التي يُفترض أن تعود إلى الأضواء في شهر تشرين الثاني المقبل، إذ بحسب معلومات خاصة لـ «الأخبار» سيقوم الاتحاد الآسيوي باتخاذ قرار يقضي باستكمال مشوار التصفيات المؤهلة إلى كأس آسيا.
وهذا التوجه سيحمل معه قراراً بإقامة مباريات النافذة المقبلة من خلال نظام التجمع، ويتوقّع أن تكون مباريات لبنان في مدينة بنغالور الهندية، حيث سيلاقي صاحب الضيافة ومنتخب العراق، علماً أنه ما بعد هذه النافذة قد تُقام جولة أخرى في شباط 2021 وبنفس الطريقة المذكورة.
وبحسب مصادر تعمل على تحضير الميزانية المخصصة للنافذة الأولى، يحتاج منتخب لبنان إلى 80 الف دولار للعب التصفيات في تشرين الثاني، وهي مصاريف سفر البعثة إلى تلك البلاد البعيدة، واستقدام لاعبين دوليين من الخارج، أمثال آتر ماجوك، كريم عز الدين، وجوزف شرتوني. وتضاف إلى ذلك رواتب الجهاز الفني والإقامة في الخارج. مبلغٌ يتخطى اليوم بحسب سعر الصرف في السوق السوداء الـ 600 مليون ليرة، وهو رقمٌ مرشّح للارتفاع في حال هبطت قيمة الليرة اللبنانية أكثر مقابل الدولار الأميركي المطلوب للسفر.
أما الأسوأ فهو ما أكدته مصادر اتحادية بتوقيف الراعيين الأساسيين للمنتخب أي «بنك سوسييتيه جنرال» وشركة «ألفا» للاتصالات عملية الدعم، وهي مسألة متوقّعة ومنطقية في ظل ما تمرّ به القطاعات المختلفة من صعوبات مالية، ما يترك الاتحاد وحيداً في الساحة لتأمين «الثروة» المطلوبة لسفر المنتخب.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا