هو إنجازٌ بكل المقاييس لمقدونيا الشمالية، التي كانت تعاني من مشاكل داخلية وضغوط خارجية. بعيداً عن عالم الرياضة، كان البلد جزءاً من يوغوسلافيا سابقاً قبل استقلاله في سبتمبر/أيلول 1991. بعدها بعامين، أصبحت مقدونيا الشمالية عضواً في الأمم المتحدة، وتبعاً لخلافٍ جوهري مع اليونان حول تسمية البلد، تمّ قبوله باسم "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة" أو مقدونيا جمهورية يوغوسلافيا السابقة، وذلك لفترةٍ قصيرة.في مارس/آذار 2018، حلّت مقدونيا واليونان نزاعهما الطويل بشأن التسمية، وتمّ الاتفاق في نهاية المطاف على اسم جمهورية مقدونيا الشمالية. دخل هذا القرار حيّز التنفيذ بعد 11 شهراً (في فبراير/شباط 2019) مع استخدام الفترة الانتقالية لتغيير جوازات السفر ولوحات الترخيص والعملة وعلامات الحدود والمواقع الحكومية...
بعد الانتهاء من الترسيم الحدودي وإعادة الهيكلة، تفرغت مقدونيا الشمالية للأنشطة الكمالية والترفيهية، فعزّزت منتخبها لكرة القدم ليحقق الإنجاز الكبير. كرة القدم ذائعة الصيت في البلاد ولا ينافسها سوى كرة اليد باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية، ومنذ عام 1993 كانت البلاد تنافس في مسابقة الفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم باسم جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، غير أن هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها المنتخب في نهائيات بطولة كبرى باسم منتخب مقدونيا الشمالية.
يلعب المنتخب مبارياته على ملعب "توس بروسكي آرينا". كان يطلق على الملعب اسم "فيليب الثاني آرينا" على اسم الملك الروماني القديم، لكن تمّ تغيير الاسم فيما بعد تكريماً للمغني الراحل بروسكي كجزء من اتفاقية مقدونيا الشمالية مع اليونان، والتي تنص على ضرورة إعادة تسمية جميع المواقع التي سُمّيت على اسم شخصيات يونانية تاريخية. كل هذه العوائق واجهها المنتخب المقدوني الشمالي قبل أن يقاتل على ناصية حلمه وينتصر.
بدأ أول معالم النجاح الكروي يظهر في البلاد بعد مشوارٍ رائعٍ في دوري الأمم 2018/2019، حيث تمت ترقية مقدونيا الشمالية حينها إلى الدوري C للنسخة المقبلة من المسابقة، ليصل المنتخب بعدها إلى التصفيات النهائية المؤهلة لليورو. لم تكن الطريق معبّدة أمام مقدونيا للتأهل، ولم تكن شاقة أيضاً، حيث استفاد المنتخب كغيره من الإجراءات الاستثنائية للتصفيات.
هذه هي المشاركة الأولى للمنتخب في بطولةٍ كبرى لكرة القدم


شق المنتخب الذي احتل المرتبة الـ65 في العالم وفقاً لتصنيف الفيفا طريقه إلى "يورو 2020" عبر ملحق دوري الأمم الأوروبية، كما استفاد من إقامة مواجهات الملحق بمباراةٍ واحدة بسبب تفشي فيروس كورونا بعدما كانت مقررة إقامتها بنظام الذهاب والإياب. تفوّق المنتخب في بادئ الأمر على كوسوفو (2-1) ومن ثم على جورجيا في المرحلة النهائية بهدف جوران بانديف البالغ من العمر 37 عاماً. وسبق أن صرّح لاعب جنوى الإيطالي الحالي وإنتر ميلانو ولاتسيو السابق بنيّته الاعتزال مع نهاية الموسم الجاري، حيث ستكون بطولة "يورو 2020" التي تأجلت إلى صيف عام 2021 خير ختامٍ لمسيرته الطويلة.
ستلعب مقدونيا الشمالية في المجموعة الثالثة من نهائيات "يورو 2020" إلى جانب كل من هولندا وأوكرانيا والنمسا، حيث يبدأ منتخب البلد الذي يضم 550 ألف نسمة مشواره في المجموعة، بمواجهة نظيره النمساوي في العاصمة الرومانية بوخارست في 13 يونيو/حزيران 2021، ثم يلتقي نظيره الأوكراني في بوخارست أيضاً في الـ17 من الشهر نفسه، ويحل ضيفاً على نظيره الهولندي في أمستردام، في الـ21 من يونيو/حزيران أيضاً.
هكذا، حجز منتخب مقدونيا الشمالية مقعده في النهائيات كأول المتأهلين عبر الملحق الفاصل. مشوارٌ كبير ينتظر رجال المدرب إيغور أنجيلوفسكي، في محاولةٍ لتشريف البلاد عبر المشاركة الأولى تاريخياً في بطولةٍ كبرى لكرة القدم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا