خلال السنوات العشر الأخيرة تغيّر واقع كرة السلة عالمياً. هناك في الولايات المتحدة الأميركية حدثت ثورة في عالم الإحصاءات والأرقام المتعلقة باللاعبين. بات المدربون واللاعبون يبحثون بلغة الأرقام عن كل شيء، واستناداً إليها توضع الخطط وتشكيلات الفرق. في الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين NBA هناك كاميرات تراقب تحركات كل لاعب، وهناك برامج وأشخاص يسجلون كل التفاصيل بدقة، وتأتي هذه الإحصاءات والأرقام في النهاية إلى المدرب وجهازه الفني لتحليلها والبناء عليها في المباريات المقبلة.هذا التطور الكبير حاصل أيضاً في الدوريات الأوروبية لكرة السلة، والجميع يرى لغة الإحصاءات في عالم كرة القدم الأوروبية والعالمية، ولكن إذا ما انتقلنا إلى لبنان، نرى أن العمل بلغة الأرقام في كرة السلة وكرة القدم لا يزال ضعيفاً إلى حد بعيد، حتى إن العديد من الأندية لا تحصل على فيديو مبارياتها التي تلعبها أسبوعياً. في كرة السلة اللبنانية هناك اعتماد فقط على الـbox score، أي عدد النقاط التي سجّلها اللاعب والمتابعات إضافة إلى نسبة التسجيل وغيرها من الإحصاءات التي تُعتبر عامة وغير كافية في عالم اليوم.
الشاب اللبناني أنطوان سعادة (33 عاماً) لمس هذا الضعف في لغة الأرقام بكرة السلة اللبنانية. لاعب كرة السلة السابق وانطلاقاً من شغفه بالأرقام نتيجة عمله كمحاسب، أطلق مبادرة خاصة عنوانها per game analytics، وهدفها إدخال لغة الأرقام والإحصاءات التفصيلية إلى كرة السلة اللبنانية.
تُعتبر الإحصاءات والأرقام المصدر الأهم للمعلومات في كرة السلة الحديثة


في حديثه مع «الأخبار» يقول سعادة إنه يعمل على «تحويل المباراة إلى أرقام. ندخل في كلّ التفاصيل عن كل لاعب في مركزه. ماذا يفعل داخل الملعب، كيف يتحرك، عدد التمريرات وكم مرة يلمس الكرة قبل أن يمرر أو يسدد، إضافة إلى تحركاته مع وبدون كرة...». الهدف من هذا العمل ليس المراقبة النظرية وحسب، بل هو استخراج الداتا لكل لاعب، وتسجيل ماذا حصل في كل مركز بالتفاصيل، وبلغة الأرقام هذا يسمى player impact estimate أي تقدير تأثير كل لاعب في مركزه، كما دراسة نقاط القوة والضعف.
استفاد سعادة من التجارب التي حصلت خارج لبنان، كما من بعض الكتب التي تناولت الموضوع، منها Basketball Analytics وBasketball on Paper، وهو ينصح بمشاهدة فيلم money ball الذي يتناول ثورة الإحصاءات في الـ«بايسبول الأميركية» عام 2011 . ويؤكد سعادة أن هذا النوع من العمل «لا يكون على مباراة واحدة، بل عمل مع فريق لموسم كامل». ويضيف: «أعمل مع فريق واحد في كل فئة من الدوري لكي لا يكون هناك تضارب في المعلومات والمصالح». يدرس سعادة لاعبي الفريق الذي يعمل معه بالتفاصيل، كما لاعبي الفريق الخصم، ويقدم الداتا إلى المدرب بأسهل طريقة ممكنة لكي يستفيد منها الأخير، ويعمل على تطوير لاعبيه بشكل علمي. حالياً يعمل سعادة مع مدرب آمن بما يقوم به منذ اليوم الأول وهو شربل فغالي الذي يشرف على فريق الدرجة الثالثة في البترون، كما توصل إلى شراكة أخيراً مع نادي بيبلوس، هذا وكانت له تجارب وتعاون سابقاً مع تنورين في الدرجة الخامسة، وكفرحزير في الدرجة الرابعة.

عينة من الإحصاءات التي يتم تسجيلها وتحليلها (per game analytics)

يعمل سعادة اليوم على نظام خاص، يقوم بتطويره بنفسه، لتحليل الداتا بطريقة سهلة وسريعة، كما يؤكد أنه في أغلب الأحيان يشاهد المباراة 4 أو 5 مرات لكي يقوم بدراستها بالشكل المطلوب وتحويلها إلى أرقام قبل أن يقدم كل الإحصاءات إلى المدرب والجهاز الفني.
وحول واقع كرة السلة اللبنانية اليوم واستفادتها من الإحصاءات يقول سعادة لـ«الأخبار»: «في لبنان موضوع الداتا ضعيف، وليس هناك توسيع في الـbox score. نحن متأخرون كثيراً عن الأندية المحترفة، وأغلب العمل في لبنان يعتمد على المراقبة النظريّة». ويتابع: «اليوم نحن نبدأ من الصفر. نحن في عام 2020 في عالم الإحصاءات مقارنة بالـNBA. ليست هناك إحصاءات حقيقية في لبنان، كما أن الدوري في الموسم الماضي توقف، والدوري هذا العام لم ينطلق بعد، وهذا يُحدث فجوة كبيرة في عالم الإحصاءات والمعلومات التي يجب أن تبقى مستمرة. هي عملية متكاملة ودائمة، ولا يمكن أن نعمل بها لكل مباراة على حدة».
ومن أجل تطوير الموضوع يعتبر لاعب كرة السلة السابق أنه «يجب أن يكون هناك رؤية من قبل الأندية والاتحادات لكي يتم تطوير هذا العمل، ولكي لا يبقى العمل فردياً، وخاصة أن هذا الأمر يتطلب فرق عمل في كل ناد ليكون هناك مصوّرون وأنظمة لتحليل البيانات والأرقام». وكشف سعادة أنه تم رفض طلبه سابقاً لتصوير المباريات في دوري الدرجتين الرابعة والخامسة بسبب عدم امتلاكه بطاقة صحافية، معتبراً أن هذا الأمر يدل على عدم دراية كافية بأهمية هذا العمل الذي يقوم به، وبالتالي طالب الاتحاد بإعطاء من يريد العمل بطريقة محترفة لتطوير كرة السلة اللبنانية فرصة لتقديم ما عنده، وبعدها التعاون من أجل تطوير كرة السلة اللبنانية.
(الأخبار)