صحيحٌ أن النجم البرازيلي نيمار وصل بهالةٍ كبيرة إلى فرنسا، وتأمّنت له كل وسائل الراحة للعيش الرغيد والتألق في الملاعب. لكن لا يخفى أن الرجل عاش فترةً صعبةً جداً دفعته حتى إلى التفكير أو طلب العودة إلى فريقه السابق برشلونة الإسباني.لكن اليوم ومع وصوله إلى المباراة رقم 100 مع باريس سان جيرمان تخلّص نيمار من كل هذه الضغوط وبات يستمتع أكثر بلعب كرة القدم، لا بل أصبح واثقاً من إمكانية تحقيق الحلم الكبير وقيادة فريق عاصمة الموضة إلى لقب دوري أبطال أوروبا، وهو اللقب الذي كان وراء دفع مالكي بطل فرنسا مبلغاً قياسياً للحصول على خدماته.
هو واثقٌ من دون شكّ بنفسه، وما حققه حتى الآن يجعله مؤمناً بأنه عند اعتزال النجمين الآخرين الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، سيجلس مكانهما على عرش الأفضل في العالم. هو شعر أيضاً بهذا الأمر وهذه الثقة منذ الموسم الماضي عندما قاد فريقه إلى المباراة النهائية لدوري الأبطال حيث كان قريباً من منصة التتويج لولا القوة «الرهيبة» لبايرن ميونيخ الألماني الذي حرم خصمه من الكأس صاحبة الأذنين الطويلتين بعد مشوارٍ مثاليّ استحقّ في ختامه الاحتفال.
ثقة نيمار لا بدّ أن تكبر إذا ما نظر إلى أرقامه في المباريات الـ 100 التي لعبها مع الـ«PSG» في كل المسابقات، إذ سجل 81 هدفاً ومرّر 46 كرة حاسمة. أرقامٌ رهيبة لأن البرازيلي لا يلعب أصلاً في مركز رأس الحربة الكلاسيكي بل يؤدي دور صانع الألعاب أحياناً (وهو ما يفسّر هذا العدد الكبير من التمريرات الحاسمة المسجّلة باسمه)، ودور الجناح في أحيانٍ أخرى، أو اللاعب الذي يتمركز خلف المهاجم الوحيد بحسب ما يفضّل غالباً.
وهذه الأرقام تُحسب لنيمار لأنه عانى مع الإصابات التي أبعدته عن عددٍ كبير من مباريات باريس سان جيرمان، إذ لم يخُض في الـ «ليغ 1» أكثر من 60 مباراة منذ وصوله في صيف عام 2017، لكنه رغم ذلك نجح في هزّ الشباك 51 مرّة. رقمٌ رائع آخر يضاف إليه رقمٌ أوروبي يُختصر بتسجيله 21 هدفاً في 25 مباراة لعبها في «تشامبيونز ليغ».
في 100 مباراة مع بطل فرنسا سجّل نيمار 81 هدفاً ومرر 46 كرة حاسمة


أهدافٌ بأشكال وجماليات مختلفة الأوجه، لكن وجه نيمار كان الأهم بالنسبة إلى الباريسيين لأنه نقل فريق العاصمة والدوري الفرنسي عامةً إلى مرحلةٍ أخرى، لا باستعراضاته المهارية على أرض الملعب فقط، بل من خلال جذب مشاهدين أكثر لمتابعة المباريات والدوري لرؤية ما يمكن أن يقدم عليه، وللإثارة التي أضفاها والتي قتلها في آنٍ معاً بحكم مساهمته بشكلٍ كبير قبل الموسم الحالي بفرض فريقه هيمنةً مطلقة على الكرة الفرنسية.
سيطرةٌ تفسّر أيضاً بالأرقام، لأن نيمار لم يعرف طعم الخسارة في أكثر من 13 مباراة محلية و5 مباريات أوروبية من أصل المباريات الـ 100 التي خاضها مع الفريق.
الخسارة الأقسى بلا شك كانت أمام بايرن، وهي تفتح باب النقاش حول مشكلة قيل إن نيمار يعاني منها وتطبع شخصيته، وهي تتمثل بافتقاده للمزايا القيادية التي تبدو بنظر البعض أسوأ من مشكلته الأزلية، ومحورها تعرّضه للكثير من الإصابات التي كانت السبب في ابتعاده عن قسمٍ كبير من المباريات الـ 87 التي غاب عنها منذ وصوله إلى النادي.
وشخصيته هذه جعلت منه متعالياً في بعض الأحيان على المباريات وعلى خصومه بدلاً من أن يكون القائد المؤثّر في النجوم الآخرين الذين يلعبون مع الفريق الباريسي، فهو ليس باللاعب المثالي الذي يمكن لزملائه السير على خطاه، وقد ثبت هذا الأمر أخيراً خلال وبعد المباراة أمام مرسيليا، حيث فتح حرباً كلامية من العيار الثقيل مع الإسباني الفارو غونزاليس عبر «تويتر».
هذه النقطة السلبية تُضاف إلى نقطة أخرى وهي ميله إلى الاستعراض واستفزاز الخصوم ببعض الحركات غير العادية، وهي نقطة سبق أن ركّزت عليها الصحافة الفرنسية عند وصوله إلى باريس، وفشل ــ بحسب ما يُقال ــ مسؤولو النادي في إخراجه منها، فما كان منهم إلا انتظار وصوله إلى نضوج معيّن حتى يُخرج أفضل ما عنده من دون أن يتسبّب بأذية الفريق.
هو تغيّر بلا شك مع اقترابه من الاحتفال بعيد ميلاده الـ 29 الشهر المقبل. تغيّر أقله لأنه بات مقتنعاً بأن النادي لديه مشروع كبير، وهو مشروع يعدّ نيمار أساسه المتين، وأصبح بدلاً من التفكير بالعودة للعب مع صديقه ميسي يعمل على إقناعه بالانضمام إليه في الصيف المقبل. وهذه القناعة لا بدّ أن تعطيه راحةً أكبر، وهو أمر انعكس من خلال تقديمه أفضل أداء له هذا الموسم، حيث أصبحت فعاليته وتأثيره في المجموعة أكبر بكثير.
هو رجل سعيد بما يقدّمه حالياً وبما يشعر به من أهميةٍ في باريس، لكن السعادة المطلقة والأهمية الأكبر بالنسبة إلى من استثمر به وآمن بمشروعه، هي أن يصبح باريس سان جيرمان مع نيمار دون سواه أفضل فريق في العالم، ويسير على خطى ما فعله محلياً عبر فرض هيمنة أوروبية تضعه في مصاف الأندية العظيمة إلى الأبد.