قاسياً بالتأكيد كان خروج بايرن ميونيخ الألماني، حامل اللقب، من مسابقة دوري أبطال اوروبا لكرة القدم من دورها نصف النهائي على يد ريال مدريد الاسباني، بخسارته 0-5 في مجموع المباراتين. الألم يصبح أكبر عندما يكون هذا السقوط المروّع في معقل البافاري، وأكثر بعدما كان الفريق الأحمر هو المرشح الأبرز لارتقاء منصة التتويج في لشبونة البرتغالية، بعدما أذهل العالم في الموسم الماضي، وتحديداً، للمفارقة، في نصف النهائي أمام برشلونة.
على أي الأحوال، فإن توصيف الأجواء والمشاعر لا ينتهي، لكن الأهم هنا، بعد انتهاء العاصفة المدريدية التي ضربت ليلة أول من امس ميونيخ، هو «حصر» الأضرار والقراءة الواقعية في ما خلّفته على البافاري.
بطبيعة الحال، فإن الانظار تتجه الى مدرب بايرن، الاسباني جوسيب غوارديولا، قبل غيره، وهذا منطقي عند خسارة أي فريق، وخصوصاً عندما يعترف المدرب نفسه بتحمله المسؤولية. «بيب» فعل ذلك عقب اللقاء، ولم ينتظر تحليلات الصحف، حيث أقر بأنه أخطأ. في حقيقة الامر، فإن الأخطاء ولحظات الضعف يحدث أن تحصل في كرة القدم، فلا أحد فوق الخطأ، لكن عندما تكون السبل متاحة أمامك لتفادي هذه الاخطاء وهذا العجز، فإن الانتقاد يصبح واجباً، والخطأ يصبح غير محتمل.
بيب، لا شك، أخطأ بادئ ذي بدء بعدم تهيئته اللاعبين ذهنياً لمواجهة خصومهم، حيث ظهر منذ البداية ان لاعبي بايرن متهيّبون الموقف على غير عادة الألمان. وتالياً، والأهم، بعدم البدء بمواطنه خافي مارتينيز لتأمين منطقة وسط الملعب، وخصوصاً عندما بدل خطته بإعادة فيليب لام الى مركزه الأصلي في الجهة اليمنى، حيث كان حرياً بغوارديولا أن يستهل اللقاء بالاسباني، صاحب الادوار المتعددة، الذي يجيد التغطية الدفاعية بامتياز، بدلاً من ماريو ماندزوكيتش، ولا سيما أن مباراة الذهاب أثبتت أن المعركة الهوائية فاشلة أمام مدافعي الملكي، حيث كان كافياً حضور توماس مولر بدل الكرواتي في المقدمة لازعاج مدافعي الـ «ميرينغيز»، او على الاقل البدء بمارتينيز في قلب الدفاع مكان «الكارثي» جيروم بواتنغ، وهي نقطة الضعف التي كان بالإمكان تلمّسها منذ مباراة مانشستر سيتي الانكليزي في اياب دور المجموعات (2-3)، ومن ثم أمام مواطنَي الأخير، أرسنال في دور الـ 16، ويونايتد في ربع النهائي، لتنفضح بالكامل امام فريق قوي وسريع كريال مدريد.
يجب أن يخرج غوارديولا من جلباب برشلونة وأن يصنع منهجاً مختلفاً

في الواقع، فإن المشكلة في ميونيخ هي أعمق من ذلك، وأساسها فلسفة غوارديولا مع «أف سي هوليوود». ما يؤخذ على بيب أنه حاول صنع «برشلونة جديد» من البافاري، وانه سعى الى إحداث ثورة كاملة في عقلية اللاعبين ومنهجية فريق، للمفارقة، كان نهاية أسلوب «التيكي تاكا» الذي ابتدعه غوارديولا نفسه مع «البرسا» على يديه بقيادة يوب هاينكس في الموسم الماضي. ما يُعاب على «بيب» انه تعامل بـ «شخصانية» وذاتية بعد خلافته هاينكس، سعياً منه إلى إثبات مقدّراته وكفاءته خارج برشلونة. ما لا يغفر لبيب أنه لم يستفد من نقاط القوة الكثيرة التي وصل اليها البافاري مع هاينكس، و«يطعّمها» بنفحته الخاصة.
بتعبير آخر: «لم يذهب» غوارديولا الى بايرن، بل جعل كل بايرن يأتي اليه، أي إن الاسباني لم يحاول المزج بين نجاحات سلفه وفلسفته الخاصة، بل أراد البدء من الصفر مع فريق بطل لأوروبا ووصل الى قدر عال من القوة والهيبة لدى المنافسين، وهنا كان الخطأ الكبير بعينه!
ما قبل موقعة «أليانز أرينا» ليس كما بعدها حتماً. التعزيزات، تحديداً في مركز قلبَي الدفاع تبدو مطلوبة، لا بل ملحّة في ميونيخ، لكن الأهم من ذلك أن يستخلص غوارديولا، قبل غيره، العِبَر من هذا الدرس الكبير. أن يخرج «بيب» في الموسم المقبل من جلباب برشلونة، أن نكون أمام «غوارديولا الجديد».