كان التوقيت يشير الى الدقيقة 45 عندما اطلق النجم الفرنسي زين الدين زيدان تسديدته اليسارية الشهيرة «على الطاير» لتسكن الزاوية العليا اليمنى لمرمى حارس باير ليفركوزن الالماني هانس - يورغ بوت. في تلك الامسية التي شهدت نهائي دوري ابطال اوروبا لكرة القدم على ملعب «هامبدن بارك» في غلاسغو الاسكوتلندية، خطّ زيدان احد اجمل الاهداف التاريخية في المسابقة الاوروبية الام، وخط معه كلمة لم تسقط من عقول المدريديين حتى يومنا هذا.
هذه الكلمة هي «La Decima»، التي تعني الكأس الأوروبية العاشرة. وهذه الكأس باتت المطلب الاول لأي مدريدي، سواء كان لاعباً، مدرباً، ادارياً او حتى مشجعاً، لدرجة أن الكلمة الشهيرة المذكورة طغت على اسم ريال مدريد نفسه، حيث ذهب كثيرون الى ربط الفريق بها دون اي شعار آخر. كذلك، لم يعد يعني المدريديين اي لقبٍ آخر او اي فوزٍ في مباراةٍ كبيرة، لا لقب «الليغا» او كأس الملك، ولا «إل كلاسيكو». كلها تفاصيل امام تلك الكأس الجذابة التي بدت كأنها قطعة لحم شهية وضعت امام انسان جائع منذ مدة طويلة.
في 15 ايار 2002 كان اللقب التاسع، وفي صبيحة اليوم التالي، خرج رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز ليعزز ذاك الهوس الذي كان موجوداً اصلاً، لكن على نحو اقل وضوحاً عندما افصح قائلاً: «لن يتوقف الامر هنا. سنفوز بالعاشرة».

11 مدرباً جرى الاستغناء عنهم بسبب عدم الفوز بدوري الأبطال


عامذاك، لم يكن احدٌ ليشكك في امكانية حصول هذا الامر في ظل تمتع الريال بوجود كوكبة من النجوم، يتقدّمهم زيدان وراوول غونزاليس وفرناندو هييرو والبرازيلي روبرتو كارلوس والبرتغالي لويس فيغو والفرنسي كلود ماكيليلي وغيرهم. وتعززت هذه الفكرة اكثر مع وصول الانكليزي ديفيد بيكام و«الظاهرة» البرازيلي رونالدو في الصيف، فظن الكل ان ايام المجد التي منحت النادي الملكي المتسلح بنجوم العالم خمسة القاب متتالية عند انطلاق البطولة موسم 1955-1956 ستعود لا محالة.
لكن الكوارث حلّت بعدها ولم يعرف ريال مدريد الطريق الى النهائي حتى، واشتدت آلامه وازداد هوسه اكثر بعد رؤيته غريمه الأزلي برشلونة يتنعّم بثلاثة القاب اوروبية. الهوس ايضاً كلّف ريال مدريد اكثر من مليار دولار من دون ان يجد العلاج المناسب للشفاء منه، فالصفقات الكبيرة التي جلبت بيكام ثم البرتغالي كريستيانو رونالدو لم تثمر «العاشرة»، فكانت آخر الضربات دفع مبلغ قياسي جديد لاستقدام الويلزي غاريث بايل، فلم يكن يهم ادارة الريال جنسية اللاعب، ولم يكن يهمها من اي ناد هو قادمٍ بل كلّ الهم ابرام صفقة تنهي جوعها المزمن.
الهوس ايضاً وايضاً كان ضحيته 11 مدرباً، اولهم كان التاريخي فيسنتي دل بوسكي، الذي اقيل بعد موسمٍ واحدٍ على حصده «التاسعة»، وذلك برغم قيادته الفريق الى لقب «الليغا». وحتى البرتغالي جوزيه مورينيو الذي حلم جمهور الريال بقدومه الى «سانتياغو برنابيو» لتدريب فريقها، لم يجد ادارة «الميرينغيز» في حالة يأس لابقائه ضمن اسوارها، اذ لم يكن كافياً بالنسبة اليها ان يحقق الرجل كل الالقاب المحلية الممكنة، ولم يكن كافياً بالنسبة اليها اقترابه كثيراً من النهائي في المواسم الثلاثة الاخيرة، اذ طالما لم يأتِ بـ «العاشرة»، فهو ليس «المخلّص» بالنسبة اليها.
هذا الموسم فاز ريال مدريد بكأس اسبانيا على حساب برشلونة تحديداً، فكان الامر عادياً في مدريد، اذ حتى عندما خسر الفريق الابيض السباق الى لقب «الليغا» برغم انه يملك افضل فريقٍ في اسبانيا حالياً بنظر الكثيرين، لم يتحدث احدٌ عن كارثة او عن مأساة، لانه بكل بساطة الحدث الاهم هو مساء غدٍ في لشبونة، حيث تنتظر الكأس العاشرة ان يعود بها الملكيون الى مقر اقامتهم بعد 12 عاماً من الانتظار ليتعرف جيل جديد على المجد المدريدي على الساحة القارية، تماماً كما تعرّف جيل الثمانينيات والتسعينيات من المتابعين على صورة البطل الاوروبي المدريدي بعد انتظارٍ دام 32 عاماً وكسره هدف الصربي بريدراغ مياتوفيتش في مرمى يوفنتوس الايطالي في نهائي 1998.
صحيح انه حتى اليوم لم يتكلم احد منتقداً الفريق او المدرب الايطالي كارلو انشيلوتي، لكن فشلهم غداً سيفتح ابواب الجحيم عليهم من كل حدب وصوب. اما نجاحهم، فسيعلّم الكرة الارضية بمختلف شعوبها ولغاتها كلمة جديدة بالاسبانية هي «La Undecima» التي تشير الى اللقب الاوروبي الكبير الرقم 11.
هي كلمة لن تكون غريبة، اذ انه بين ريال مدريد والكأس صاحبة الاذنين الطويلتين قصة هوس لا نهاية لها ولا حدود.




الكلمة الأهم

يؤكد كثيرون من نجوم ريال مدريد السابقين أن اللقب العاشر تحوّل هوساً لدى الكل في النادي الملكي. وهذا الأمر أشار اليه آخر قائد رفع الكأس الاوروبية، أي فرناندو هييرو الذي صرّح أخيراً: «هذا الهوس موجود الآن تماماً كما كان موجوداً عام 1998 عندما فشل الريال في إحراز اللقب طوال 32 عاماً». أما الهولندي أريين روبن فقال: «لقد لعبت للريال وأعرف أنهم لا يفكرون سوى في العاشرة». بدوره، كشف الويلزي غاريث بايل أن أول كلمة تم تلقينها له عند وصوله إلى مدريد كانت «La Decima».