يا لها من طريقة تقشعرّ لها الأبدان، تلك التي يؤدي من خلالها لاعبو المنتخبات النشيد الوطني الخاص ببلدانهم المشاركة في مونديال 2014. هذه الطريقة الحماسية لم نعهدها سابقاً عند الأكثرية الساحقة من المنتخبات، لكن الأمور في البرازيل تبدّلت كثيراً، وهذا ما ظهر جليّاً في اليومين الأوّلين للمباريات، ما يعكس مدى الشغف الوطني الذي تعكسه بطولة كأس العالم على المشجعين واللاعبين على حدّ سواء.
ولا يخفى أن المنتخب البرازيلي صدم العالم بالطريقة التي وقف فيها لاعبوه قبل المباراة أمام كرواتيا وأطلقوا صرخات موحّدة عند تردادهم النشيد الوطني بشكلٍ بدا كأنهم فرقة مقاتلين قادمين من زمن الإغريق، حيث اشتهر رجال اسبارطة بصرخاتهم القوية قبل، وفي خضم المعركة.
بالتأكيد، لا يمكن أبداً التشكيك بمدى ارتباط البرازيليين بوطنهم الأم، رغم أنهم يعبرون في سنّ مبكرة الى «القارة العجوز»، لا بل إن غالبيتهم عانى مشكلة الغربة بسبب احترافه بعيداً من «بلاد السامبا»، وذلك بسبب شدّة الارتباط العاطفي بين هؤلاء اللاعبين ووطنهم الذي كان له الفضل في تخريجهم نجوماً كباراً من شواطئه وشوارعه وملاعبه المتواضعة.

مدرب إنكلترا
يجبر لاعبيه على تأدية النشيد الوطني

ربما الروح الوطنية العالية للاعبين البرازيليين عكستها بشكلٍ واضح دموع حارس المرمى جوليو سيزار خلال اصطفاف اللاعبين لتأدية النشيد، وهو أمر مفاجئ، لكن ليس مستغرباً لأن هؤلاء اللاعبين البرازيليين يحققون حلم الصغر بتمثيلهم «السيليساو» في مونديالٍ تستضيفه بلادهم، حيث الجمهور الجارف الذي يحوّلهم بصرخاته التشجيعية الى وحوش على أرض الملعب. لذا، لا يمكن إسقاط مسألة مهمة في هذا الإطار وهي إذا ما كانت البرازيل تملك أفضلية في كأس العالم الحالية فهي بسبب تسلّحها بجمهورٍ رائع، وذلك قبل تجميعها منتخباً قوياً بخطوطه الثلاثة.
والحديث هنا لا يقتصر على البرازيليين، فهم أثّروا في كل العالم على هذا الصعيد، إذ كتب هداف مونديال 1986 الإنكليزي غاري لينيكر في مدوّنة «تويتر» عن انبهاره بالطريقة التي أدّى بها البرازيليون النشيد الوطني. ويبدو أن هذا التأثير انسحب على منتخباتٍ أخرى في المونديال، إذ إن لاعبي منتخب المكسيك أدوا نشيد بلادهم بطريقةٍ مشابهة قبل مباراتهم أمام الكاميرون أمس، ما رفع من وتيرة الحماسة لديهم وعلا صراخهم عند نهايته...
طبعاً، هذه المسألة تُسعد كل مشجع يجلس خلف الشاشة لمتابعة منتخب بلاده، لا بل إنه سيتعلّق به أكثر بكثير حتى في حال الخسارة لأنه سيشعر فعلاً بأن هذا المنتخب الوطني يمثّله شخصياً. اللاعبون اليوم يتفوّقون على المشجعين في هذا المجال، ولهذا السبب، لم نعد نرى مخرجي التلفزيون ينقلون كاميراتهم الى المدرجات لالتقاط صور المشجعين المتحمسين عند سماعهم موسيقى الأنشودة المفضلة.
وبطبيعة الحال، فإن مسألة النشيد الوطني باتت مادة حساسة في البلدان المختلفة، وخصوصاً تلك التي تضم لاعبين مجنّسين أو من أصول أجنبية، إذ سبق أن أثار الإعلام في كلّ من ألمانيا وفرنسا أزمة فعلية تجاه منتخبيهما ضاغطين على اللاعبين لترداد كلمات النشيد قبل المباريات، وخصوصاً الذين لا ينحدرون من جذورٍ ألمانية وفرنسية، ما دفع اتحادَي البلدين إلى الخروج وتأكيد التزام اللاعبين بهذه المسألة.
كذلك، يصرّ مدرب إنكلترا روي هودجسون على ضرورة التزام لاعبي منتخبه بغناء النشيد الوطني، لا بل جعلها من القواعد الأساسية في النظام الداخلي للمنتخب، وهو أمر أثنى عليه خبراء سياسيون ديموقراطيون في بلاد الملكة، وخصوصاً أن أهمية النشيد الشهير «God Save the Queen» تكمن في أنه نشيد المملكة البريطانية المتحدة لا إنكلترا فقط.
تغذية الشعور الوطني، وإفاقة الحسّ الشعبي والمسؤولية الوطنية والارتباط بأرض الأجداد، والتأكيد على الثوابت وعدم المساومة عليها، والدفاع عن ألوان الوطن في المجالات المختلفة، كلّها نقاط مشتركة في العديد مما ينشده هؤلاء اللاعبون الذين يسعون أصلاً إلى نصر الأمة، فتمثّل البلدان بمنتخبات قومية يحمل لاعبوها جنسية واحدة كان السبب الأول وراء الشيء المسمّى كأس العالم.