الفشل ليس طارئاً على المنتخبات العربية، ولا يمكن أن يعود إلى سببٍ واحد. هناك أسباب عدة جعلت المنتخبات تفشل في الوصول إلى نهائيات كأس العالم. وهذه المسألة لا ترتبط بمونديال 2014 دون غيره، إذ إن الفشل كان لأسبابٍ عديدة، وعبر المونديالات السابقة أيضاً. هي مجموعة أسباب تتراكم مع بعضها، وتتفاوت بين دولة وأخرى. الجزائر ستكون الحاضر الوحيد، وقد حفظت ماء وجه الكرة العربية بعد فوزها على بوركينا فاسو لتبلغ للمرة الثانية على التوالي العرس العالمي والرابعة في تاريخها بعد أعوام 1982 و1986 و2010، وهي، أيضاً جنبت العرب الغياب عن المونديال للمرة الأولى منذ عام 1974.

حققت الجزائر ما حققته باسمها، لا باسم العرب، وفعلت ما فعلته من دون الحاجة إلى أموال لا يدري البعض ما يفعل بها لكثرتها. وفي الحديث عن الأسباب التي جعلتها تتأهل دون سواها، لا يمكن حصرها بمسألة تفوق لاعبيها المحترفين الذين بمجملهم تكوّنوا كروياً، في مدارس فرنسية. صحيح أنهم تخرجوا من هناك، لكنهم لعبوا لـ«الخضر» بنزعة قومية حقيقية، إذ بين الجزائر وفرنسا حكاية قرون، وحروب طويلة، وبين الشارعين نشبت حرب ذات طابعٍ كروي. حرب استدعاء لاعبين من أصول جزائرية لتمثيل «الديوك» على الصعيد الدولي، في الوقت الذي سعى فيه الجزائريون إلى ضمهم إلى كتيبة «محاربي الصحراء».


تكوّن
لاعبو الجزائر
كروياً في مدارس فرنسية

انتصر الجزائريون عدة مرات، أراد اللاعبون تحدي الظروف وباتوا إثر ذلك يلعبون لقوميتهم. بالمقارنة بين المنتخبات، لن يتوانى أحد عن قذف سبب هو أسرع ما يخطر بالبال: «الدعم المادي». تردد هذا المصطلح كثيراً، وبه يمكن التلطي خلف أسباب أخرى. لماذا تنجح منتخبات، أحوالها المادية متواضعة مقابل فشل آخرين يخزنون أموالاً تتساقط من جيوبهم لكثرتها.
قد يكون للأموال تأثير أساسي، لكنها ليست كل شيء، فالصين تملك ما تملك من قدرات، لكنها فشلت أيضاً. والآن الحديث ليس عنها، إلا أن المثل يحتذى به. يمكن القول ـ براحة ضمير ـ أن كرة القدم تطورت في شرق آسيا على حساب غرب آسيا وفي جنوب وغرب أفريقيا على حساب شمال أفريقيا. هناك باتوا صانعين للعبة. اتخذ الأمر سنوات حتى أتقنوها تماماً. اليابان، ومثلها الولايات المتحدة، دولتان قادرتان مادياً، كانتا تاريخياً دولتين مهملتين لكرة القدم، لكنهما عملتا على تخطيط سليم وأهداف واضحة جعلتهما من المنتخبات التي تأهلت توالياً في النسخات الأخيرة من المونديال.
العرب
ومنتخباتهم
ضائعون بين
الهواية والاحتراف


صحيح أنّ في بعض البلدان أموالاً، لكن لا احتراف، وأحياناً يكون هناك احتراف بلا أموال، وفي معظم الأوقات لا يوجد من الاثنين معاً، لكن المطلبين يكمل أحدهما الآخر. منذ البداية لم يبنِ العرب على أسس صحيحة. ضائعون هم بين الهواية والاحتراف. فغياب الأخيرة ولد نتيجة غياب البطولات العريقة التي تخرج مواهب، وأيضاً غياب المنافسة المحلية بين الدول. وهذا ما تتميز به أوروبا تحديداً. فالتزايد المطّرد في المشاركة الرياضية كان من أهم عوامل تغير مفهوم الهواية وتحوله تدريجياً إلى الاحتراف. لكن، أيضاً، لا جيل يصعد ليأخذ مكان الجيل السابق ويراكم الخبرات بسبب غياب المنافسات في الفئات العمرية.
الاحتراف من شأنه تنظيم هذه اللعبة وتحويلها إلى صناعة من خلال التنظيم والرعاية والاستثمار على غرار ما يحصل في القارة العجوز. لا صناعة هنا. هذا هو العامل الأساسي الذي تفتقر إليه البلاد العربية. هذه الأسباب لا تنطبق على منتخب دون غيره. فلا تزال كرة القدم لا تعترف بالقواعد. قد يتأهل منتخب صغير بسبب الروح الفردية والحوافز القومية فقط، لكن العرب – دونهم الجزائر – فشلوا فشلاً ذريعاً.