انتهى. حسم الأمر. إسبانيا خارج كأس العالم. بطل العالم تحوّل في ظرف مباراتين إلى أصغر فريق في المونديال. ضاع «لا فوريا روخا» في ليلة ملعب «ماراكانا» التاريخي، انتفى كلياً. الماراكانا؟ نعم، ذلك الملعب الذي كانت الترجيحات، كل الترجيحات، قبل انطلاق المونديال، تضعهم طرفاً فيه، للعب المباراة النهائية، وإذا به شاهداً على خروجهم الفاضح من البطولة. وأي خروج هذا الذي حصل بعد خسارتين صاعقتين أمام هولندا 1-5 وأمام تشيلي 0-2؟ نعم، صدقوا أن بطل العالم وأوروبا سجل هدفاً واحداً وتلقى سبعة في مباراتين، وهو قابع الآن في المركز الأخير في مجموعته الثانية.
تهاوت «أسطورة» الإسبان سريعاً، سريعاً جداً على نحو لم يكن يتصوره أشد المتشائمين من مدريد إلى برشلونة وعلى امتداد كل اسبانيا. في أقل من أسبوع، كانوا يحزمون أمتعتهم للعودة الى ديارهم. لم تنفع كبرياء الاسبان قبل المباراة، اذ ان هؤلاء دخلوا منذ مطلعها بمظهر اليائس وكأنهم قادمون لتأدية واجب ليس إلا. بدوا اشباحاً لذاك الفريق الذي توِّج بطلاً للعالم عام 2010 ولأوروبا عامي 2008 و2012. بدوا عاجزين تماماً عن الوقوف بوجه التشيليين، هؤلاء المقاتلون المتحمسون القادمون من سانتياغو ليقارعوا أصحاب الملايين والسيارات الفارهة. لا مبالغة في القول ان الاسبان افتقدوا يوم أمس أبجديات الكرة، فلنأخذ مثلاً على ذلك الفرصة الغريبة العجيبة التي اضاعها سيرجيو بوسكيتس على فم المرمى (53). اسبانيا كانت يوم أمس مجرد لاعبين بأسماء رنانة دون أفعال. كل ما قدمه «لا فوريا روخا» تمثَّل ببعض الألعاب الفردية بين الفينة والأخرى، فلا خطط ولا من يخططون، اذ ان مدربهم التاريخي فيسنتي دل بوسكي كان بموقف العاجز تماماً، هو الذي لم تُفهم خياراته قبل البطولة وأثناءها.
أين سحر الاسبان؟ أين قوة الاسبان؟ أين الحلول التي كان يخرج بها سحرتهم في الأوقات الصعبة؟ أين ايكر كاسياس «ملك» الحراسة؟ أين «تيكي تاكا» الاسبان؟ كلها باتت من الماضي بعد ليلة «ماراكانا» التي طوت صفحة مجيدة من تاريخ الكرة الاسبانية والتي سيُحكى عنها الكثير، وعلى وقعها سيكتب الكثير الكثير. لا داعي لكثير غوص في مجريات المباراة، فما تقدم يكفي ويختصر الحال من جانب الاسبان. أما من جانب تشيلي «الشيء الكبير» في هذا المونديال، ورغم زلزالها بالقضاء على بطل العالم وإخراجه بسرعة قياسية من دور المجموعات، فإن ما قدمه لاعبوها ليس الا القليل، اذ من دون مبالغة، فإن هؤلاء اكتفوا أمس بهدفي ادواردو فارغاس (20) وتشارلز ارانغويز (43)، اذ لو ارادوا زيادة الغلة، على غرار هولندا، لفعلوا.
هكذا اذاً، لا ماراكانا ولا ريو دي جانيرو بعدُ للإسبان. الصيف بدأ باكراً، باكراً جداً. يمكن من الآن ان تستقبل مدريد شبابها، لكن، بلا كأس.