«نظرت إلى عيون اللاعبين فلم أجد فيها أبنائي الذين أعرفهم». قد تبدو جملة مدرب إسبانيا فيسنتي دل بوسكي عاديةً للوهلة الأولى، لكنها جملة تختصر الحكاية كلها. حكاية مجد تهاوى على نحو تراجيدي سريع. العظمة الإسبانية انتهت. كان متوقعاً أن تكون «بقايا الماتادور» بهذا الشكل، لاعبون بلا روح كأنهم ماكينات مبرمجة على اللعب بطريقة واحدة لا غيرها.
لم لا يكون اللاعبون بلا روح، وقد أصيبوا في الفترة السابقة بالتخمة. تخمة الألقاب على الصعيد الدولي والمحلي هي التي جعلتهم غير قادرين على اللعب بأريحية. ثقيلون هم، بحركتهم وبتمريراتهم. شبعوا مما حققوه من ألقاب محلية وقارية، والمنتخب بمعظمه مؤلف من مجموعة حققت كل شيء، وعلى نحو سريع نسبةً لباقي الفرق والمنتخبات. ريال مدريد وبرشلونة وغيرهما. تصاريح لاعبي «الميرينغيز» قبل الفوز بالعاشرة: «الفوز بدوري الأبطال أهم من الفوز بكأس العالم»، أو «يمكنني الآن أن أرقد بسلام»، مثلما قال راموس. هذه العبارات، وتلك التي قالها دل بوسكي، كانت كافية لجعله يعتمد على لاعبين جدد أثبتوا قدرتهم على تقديم أداء مشابه بنظرائهم مثل غابي وكوكي وخوانفران وخيسوس نافاس والفارو نيغريدو. أسماء كانت كافية للعب بطريقة أفضل، لكن، الأهم، هو عدم تجديد دل بوسكي بأي شيء على الإطلاق. ليس هناك أي ابتكارات جديدة. اللعبة نفسها والتمريرات نفسها.
الـ«تيكي تاكا» عبر ٦ سنوات كانت من أفضل طرق اللعب، حازوا بها كأس العالم مرة، وكأس أوروبا مرتين متتاليتين، باتت مستهلكة على نحو ممل، لمَ يظن دل بوسكي أن باقي المدربين لم يعودوا قادرين على إيقافها؟ البرتغالي جوزيه مورينيو أول من فعلها، تلاه الإيطالي روبرتو دي ماتيو ومواطنه كارلو أنشيلوتي وآخرون. لمَ قد يصعب على أحد، بعد ٦ سنوات من تكرارها الى حدّ الرتابة، أن يوقفها؟ أكثر من ذلك، باتت الخطة المضادة معروفة: اللعب بدفاع متقدم وضغط على حامل الكرة، مع وجود مهاجمين مهاريين في الأمام، وتتوقف الـ «تيكي تاكا» هنا. أمام هولندا، بعد خسارة «الماتادور»، وهذا اللقب أساساً لم يعد يليق به، توقع كثيرون أن يغير دل بوسكي شيئا ما، أي شيء في طريقة اللعب، لكن ذلك لم يحصل. «الماكينة» عندما تُبرمج على أساس معيّن من العمل لا تتغير، حتى يغيّرها المُبرمج، وهو في حالة إسبانيا دل بوسكي. لمَ لا تسدد من خارج منطقة الجزاء، لمَ لا تجرب الاعتماد على الأجنحة، لمَ لا تكون خلاقاً بعض الشيء عندما تغلق أمامك منطقة الجزاء، وتلعب كرات طويلة؟ لمَ هذا الإصرار اللامنطقي على التمريرات القصيرة، وهي لم تنفعك طوال الوقت؟
عندما بدأ المدرب السابق لويس أراغونيس بتطبيق هذه الخطة، نالت إعجاب الجميع، واستمرت فترة من الزمن من دون أن ينجح أحد في ابتكار طريقة لإيقافها. بعدها طوّرها جوسيب غوارديولا مع برشلونة، وأكملها دل بوسكي في المنتخب. في مونديال ٢٠١٠، كانت إسبانيا رائعة جداً على كل الصعد، وفي جميع المباريات، أما في «يورو ٢٠١٢»، فقد بدا هجومها في بعض المباريات عقيماً بعض الشيء، وخصوصاً عندما لعب دل بوسكي من دون رأس حربة. في هذه البطولة، وبعد تجنيس «التعيس الحظ» دييغو كوستا، ظن دل بوسكي أنه «القناص» المناسب. لم يفعل شيئاً. والعطل ليس منه، بل من اللاعبين في الصفوف الخلفية. كوستا، اللاعب الذي ترك جنسية بلده الأصل البرازيل، ليلعب مع إسبانيا بدا أبرز الخاسرين. منتخب بلاده الأول ليس أفضل حالاً بكثير، لكنه يفوز.
دُقّت المسامير الأخيرة في نعش الكرة الاسبانية. انتهى الجيل الذهبي الذي أمضى ستة أعوام في قمة العالم من دون منازع، قدّم تجربة لا تنسى، تُحسب له، لكن «الموضة» انتهت الآن. من الأفضل أن تكون النهايات بهذا الشكل تراجيدية وقاسية بما يكفي ليذكرها التاريخ. سيكون من الغباوة جداً العودة إليها في البطولات المقبلة.
يبقى العزاء للجماهير الإسبانية، و«غير الإسبانية» التي كان تشجيعها طارئاً، وبدأ مع انجازات «لا فوريا روخا» ٢٠٠٨، وبعضهم بالتأكيد يبحث منذ أول من أمس، عن منتخب آخر، ليصطاد مجداً جديداً.