أعادت نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2014 فتح ملف ساخن في فرنسا، يرتبط بالمهاجرين وهويتهم وانتمائهم إلى البلاد. هذا الملف الذي تجد له الأحزاب «الكارهة» للوجود الأجنبي مناسبةً لفتحه والتصويب مجدداً على مدى السوء الذي يلحقه بالبلاد جراء ما أطلقوا عليهم لقب «المتطفّلين»، لدرجةٍ تصبح فيها الصورة عنصرية في مكانٍ ما.

من تابع وسائل الإعلام الفرنسية في الأيام الأخيرة، فالأكيد أنه لمس مدى الحيّز الذي اتخذه تأهل الجزائر إلى دور الـ 16 في المونديال، في الوقت الذي انتظر فيه كثيرون متابعة آخر الأنباء الخاصة بالمنتخب الفرنسي الذي تأهل بدوره إلى هذا الدور. وبالطبع، أثار تأهل الجزائر الإعلام الفرنسي بشكلٍ أو بآخر، بسبب ما حصل في شوارع بعض المدن الفرنسية، وعلى رأسها مرسيليا وليون، حيث الجالية الجزائرية الأكبر التي يقدّر عددها في البلاد بمليوني نسمة. أحداث الشغب التي أدت إلى توقيف 74 شخصاً شوّهت بالنسبة إلى الفرنسيين صورة فرحتهم بتأهل «الديوك» إلى دور الـ 16 في المونديال، إذ باتت كأس العالم تحمل إليهم وجهين متناقضين: الأول إيجابي ويرتبط بالمنتخب الفرنسي، والثاني سلبي ويخصّ المنتخب الجزائري.
والانزعاج الكبير من تصرفات الجزائريين - الفرنسيين عقب تأهل منتخب بلادهم الأصلية، أخذ الكثير من أبناء فرنسا إلى أقصى الحدود لناحية تمنياتهم بخصوص المرحلة المقبلة، وذلك لدرجة لم يمانع قسمٌ منهم أن تلعب ألمانيا (العدوة القديمة تاريخياً) مع «الديوك» في ربع النهائي بدلاً من فوز الجزائر على «المانشافت» وبلوغها هذا الدور لمقابلة فرنسا.

مطالبات
يمينية بسحب الجنسية الفرنسية من الجزائريين
وهذه النقطة تؤكد مدى انزعاج الفرنسيين مما حصل، في وقتٍ يفتخر فيه نقاد كرويون في البلاد بما قدّمه المنتخب الجزائري، والسبب أن غالبية لاعبيه يحملون جنسية مزدوجة أي الفرنسية والجزائرية، وهم نتاج الكرة الفرنسية، وقد نشأوا في أنديتها وتخرجوا فيها ولعبوا في بطولاتها الوطنية، ومنهم من لا يزال في «ليغ 1»، ومنهم من ذهب للعب في إيطاليا وإسبانيا وغيرهما من بلدان «القارة العجوز»... وفعلاً، يرى كثيرون في المنتخب الجزائري صورة مصغّرة عن نظيره الفرنسي، حتى إن إحدى الصحف الألمانية قالت عشية اللقاء بين «المانشافت» و«محاربي الصحراء» إن ألمانيا ستواجه المنتخب الرديف لفرنسا في دور الـ 16، على أن تواجه المنتخب الفرنسي الأول في ربع النهائي! لكن ازدواجية الجنسية هي ما أثارت حزب اليمين المتطرف بقيادة مارين لو بان التي وصفت ما حصل بأنه «فشل لسياسة الهجرة في البلاد». وذهبت لو بان حتى إلى الدعوة لوقف حمل أي فرنسي مهاجر لجنسيتين، مصوّبة بالتحديد على الجزائريين والمغاربة، على اعتبار أنه يفترض على هؤلاء اختيار جنسيةٍ واحدة، إذ بحسب قولها إنه بصفتهم فرنسيين يفترض عليهم تشجيع المنتخب الفرنسي دون سواه. وختمت لو بان كلامها: «ليس هناك أي بلد في العالم يقبل ما نمر به من أعمال عنف». وما أشارت إليه لو بان بدا كالبذور التي تزرع ثم تنمو في مناطق أخرى، إذ يبدو الحال في فرنسا وكأن دائرة الانزعاج من تصرفات الجزائريين بدأت تتسع، حيث لم يتوانَ رئيس بلدية نيس كريستيان إستروسي، عن الخروج بقرارٍ يمنع فيه رفع علمٍ غير الفرنسي في الساحات العامة خلال أي احتفالٍ، وهو إذ لم يشر إلى العلم الجزائري، فإن الأمر الواضح أن الجزائريين هم سبب هذا القرار.
لكن ربما فات هذه التيارات أن الفضل الأول والأخير في مجد الكرة الفرنسية يعود إلى أبناء المهاجرين بالدرجة الأولى، إذ لا يمكن نسيان أن اللقب العالمي الوحيد لفرنسا كان عرابه الجزائري الأصل زين الدين زيدان عام 1998. كذلك، لا يمكن نسيان أن أبناء المهاجرين هم في صلب المنتخب الفرنسي دائماً، والدليل أن من حمل فرنسا إلى الدور ربع النهائي ليلة أمس كان بول بوغبا ذا الأصول الغينية - الكونغولية، وذلك بتسجيله الهدف الافتتاحي الذي مهدّ للفوز على نيجيريا (2-0).
صحيح أن فرنسا تعاني أزمة انتماء من شريحة غير صريحة في مجتمعها، لكن بلغة كرة القدم لن يكون بمقدورها فعل شيء حيال هذا الأمر بفعل حاجتها إلى أبناء المهاجرين، فها هو كريم بنزيما يرفض مجدداً إنشاد النشيد الوطني، لكنه لا يزال هداف «الديوك» في المونديال.