لم يكن مستغرباً أن ينهي أتلتيكو مدريد المباراة أمام مضيفه برشلونة (1-2)، بتسعة لاعبين، في قمة الدوري الإسباني لكرة القدم، إذ قبل عامٍ حصل الأمر عينه لفريق المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني، الذي لا شكوك حول قدراته التدريبية إلا في المباريات أمام بطل إسبانيا وأوروبا.
ففي 15 مباراة له مدرباً لـ "أتليتي" في مواجهة برشلونة، لم ينجح سيميوني في تحقيق أكثر من انتصار واحد، ما يعني أن حسابات الرجل في كل مرّة واجه فيها "البرسا" لم تكن بالدقة المنتظرة منه، وهذا ما بدا في اللقاء الأخير، حيث لم يتعلّم الأرجنتيني من دروسه السابقة، أو حتى من الدروس التي تلقاها غيره في الفترة الأخيرة عند مواجهتهم للفريق الكاتالوني.
دروس سيميوني السابقة يمكن اختصارها بدفعه لاعبيه نحو ذاك الأسلوب الإنكليزي الشهير "كيك أند راش" (Kick and Rush) المرتكز بمكان على ضرب لاعبي الخصوم طوال دقائق المباراة، وهو الأسلوب الذي ثبُت منذ زمنٍ أنه لا ينفع أمام برشلونة. كذلك هو الأسلوب الذي كان في خضم فشل أتلتيكو في الكثير من المرات التي سقطوا فيها أمام متصدر "الليغا". وهذا الأسلوب كان معتمداً بقوة في لقاء "كامب نو"، وكلّف فريق العاصمة بطاقتين حمراوين رُفعتا في وجه البرازيلي فيليبي لويس بعد تدخله الوحشي على أفضل لاعب في العالم، الأرجنتيني ليونيل ميسي، وفي وجه الأوروغواياني دييغو غودين بعد تدخلٍ آخر على الأوروغواياني لويس سواريز، ما كلّفه إنذاراً ثانياً.
أسلوب "كيك أند راش" أفشل أتلتيكو دائماً أمام برشلونة

"نزال المصارعة" الذي حاول اتلتيكو فرضه بالقوة على أرض الملعب كان أكثر أذية له مما هو مؤذٍ لبرشلونة، إذ صحيح أن المدريديين طرحوا ميسي وسواريز، وخصوصاً البرازيلي نيمار أرضاً في مناسبات عدة، لدرجة كاد الأخير يخرج فيها مصاباً قبل أن يتحامل ويكمل مهمته، فإن سيميوني أخطأ في حساباته هنا، لأن لاعبيه، ورغم تقدّمهم بهدفٍ مبكر، تلهوا كثيراً في مخاشنة لاعبي "البلاوغرانا" بدلاً من الحفاظ على هذا التقدّم وفرض أسلوبهم، الذي لم يكن سيئاً في الشوط الأول، حيث أمتعوا بنقلاتهم للكرات وإيجاد بعضهم لبعض بسرعة على أرض الملعب ولعبهم بثقة، وخصوصاً عبر البلجيكي الفنان يانيك كاراسكو...
هذا ما جناه سيميوني على نفسه في مرحلة أولى، وربما لم يكن بإمكانه تفاديه لأن لاعبي اتلتيكو اعتنقوا منذ زمن الضرب والاندفاع البدني، وتحديداً أمام الفرق الكبيرة، وبالتالي لم يعد بإمكانه تبديل ارتباطهم بهذا الجانب. لكن الأكيد أنه كان بإمكانه تفادي ما جناه على نفسه في مرحلة ثانية، وهي الأهم، إذ ترك برشلونة يلعب بالطريقة التي يحب عبر إيعازه للاعبيه بالضغط على حامل الكرة، وهو الأمر الذي من دون شك سبّب طرد لاعبَين من "لوس روخيبلانكوس" بسبب الاندفاع البدني المفرط.
وسيميوني لم يتعلّم الدرس الذي عاشه ملقة واتلتيك بيلباو اخيراً، اذ ان الفريقين مارسا الضغط العالي على برشلونة لحبسه في منطقته، لكن الواضح ان فريق المدرب لويس إنريكه لا يرتبك إن تأخر بهدف، ولا يرتعب اذا ما ضغط عليه الفريق الخصم، فهو عاش السيناريو عينه امام الفريق الباسكي وخرج فائزاً بعد تأخره، وقبلها امام ملقة حيث واجه ضغطاً رهيباً في كل مرة تسلّم فيها الكرة، لكنه حصد النقاط الثلاث ايضاً بغض النظر عن الصعوبات.
فريق إنريكه هو نسخة متطورة على هذا الصعيد عن الفريق الذي تركه جوسيب غوارديولا، إذ إن المدرب الحالي عرف بلا شك ما يدور في فكر خصومه، الذين ظنوا أنه بالضغط العالي لمنع "البرسا" من الاستحواذ على الكرة سيعطلونه تماماً، لكن الكاتالونيين يتفنون بالخروج من هذا الضغط بتمريراتهم السريعة وتحرك لاعبيهم خارج مراكزهم في احيانٍ كثيرة، فيكون التمرير اسهل وافعل في الربع الاخير من الملعب، وهذا ما اكده افضل فريق يلعب الكرة حالياً، بتحرك وتمريرة جوردي ألبا الى ميسي في حالة الهدف الاول، وبالكرة الطويلة للبرازيلي داني الفيش وبتحرك سواريز في الهدف الثاني.