إن كان للثأر معنى فهو ما حصل ليل أمس بين المنتخبين البرازيلي والألماني. وأي ثأر أفضل من الفوز على البرازيليين في أرضهم وبين جمهورهم. قبل المباراة ترددت مقولة أن «الماكينات» الألمانية ستطحن «البن» البرازيلي في نصف نهائي كأس العالم 2014، لكن لم يكن يخطر على بال أحد، ولا حتى أشد المتفائلين، أن ألمانيا ستطحن البرازيليين حتى يختفوا تماماً عن المباراة.
ألمانيا كانت تواجه أشباحاً تلبس ثياباً صفراء. 7-1، يقولها الألمانيون غير مرتعبين من ألا يصدقهم أحد. لا حاجة إلى أحد يصدق، إنها حقيقة مؤلمة بما يكفي للجزم بأن الكرة الألمانية تغلبت على نظيرتها البرازيلية. فوز يعكس حقيقة المدرب يواكيم لوف وتشكيلته الرهيبة. ويمكن الجزم أيضاً بأن المانيا مهما نالت من مديح بعد هذه المباراة، فإنه سيكون أقل بكثير مما يجب أن يكون.
سقطت البرازيل. وتوالت الأهداف داخل شباك الحارس جوليو سيزار. ولسرعة تواليها، ضاع بعض المشاهدين في ما إذا كان الهدف يحصل الآن أو أنه إعادة للهدف السابق. هدف توماس مولر في الدقيقة العاشرة. هدف ميروسلاف كلوزه في الدقيقة 23. هدف طوني كروس في الدقيقة 24، ثم هدف للاعب نفسه في الدقيقة 26. هدف سامي خضيرة في الدقيقة 29، وأخيراً أندريه شورله في الدقيقتين 68 و79.
أما الهدف اليتيم للبرازيل فقد سجله أوسكار في الدقيقة الأخيرة من المباراة بعدما فشل رفاقه في ترجمة فرصهم القليلة أمام حارس عملاق يدعى مانويل نوير. الحارس الذي يعرف متى يخرج وكيف يبقي مستوى تركيزه مرتفعاً طيلة المباراة.

16 هدفاً مونديالياً لكلوزه الذي حطّم رقم رونالدو الموجود في الملعب كمعلّق على المباراة


لم ينفع الضغط الجماهيري والتأثيرات النفسية مع اللاعبين الألمان
قبل كل هذه الأهداف، كان التوتر شديداً على اللاعبين الألمان أثناء أداء التمارين الإحمائية، إذ إن الملعب المكتسي باللون الأصفر أطلق صيحات استهجان صارخة ضدهم. أما للاعبين البرازيليين، فقد كانت الحماسة منقطعة النظير. دخل المنتخبان الى الملعب، وبعد النشيد الوطني الألماني، كان النشيد الوطني البرازيلي، وحمل سيزار ودافيد لويز كنزة نيمار. وتبيّن أن روح الأخير غير حاضرة على الإطلاق. ذهب جميع اللاعبين الى وعد الجماهير بالفوز من أجل إهدائه إلى صديقهم. وحاولت إدارة الملعب التأثير في الألمان بتوزيع 60 ألف قناع لوجه نيمار، حتى ترتديها الجماهير. كل هذا لم ينفع. بعد سلام عابر بين لويز فيليبي سكولاري ويواكيم لوف، ركزت الكاميرات على وجوه اللاعبين التي أظهرت تركيزاً كلياً، وكانت البداية برازيلية. حوالى 4 دقائق سيطر البرازيليون على الملعب ثم انهاروا تماماً.
في المراكز الدفاعية، كلّ يغنّي على ليلاه. مساحات دونها هجوم كاسح للألمان. عوض غياب تياغو سيلفا مدافع بايرن ميونيخ دانتي الذي يعرف اللاعبين الألمان جيداً. تفاءلت به الجماهير لمعرفته السابقة بمكامن قوة ونقاط ضعف بعض زملائه في الفريق: باستيان شفانشتايغر وفيليب لام وطوني كروس وتوماس مولر. كل هذه كانت أوهاماً. كان الألمان مغايرين عن أي مباراة لعبوها في هذا المونديال.
يلعبون ككتلة واحدة. حقق لوف «العبقري» إنجازاً تكتيكياً وفنياً ممتازاً، وقدم كرة تعتبر من الأفضل خلال المونديال، حيث نجح في مزج أسلوب الاستحواذ والأسلوب السريع في الانطلاق بالمرتدات، إضافة الى حدّه من خطورة الكرات العرضية التي اعتمدت عليها البرازيل غير مرة.
وفي الحديث عن دكة البدلاء لدى لوف، فهي بالقدرات والإمكانات نفسها لدى الاساسيين.
دخل بير مرتيساكر بدل ماتس هاملس، وجوليان دراكسلر بدل سامي خضيرة، وشورله بدل كلوزه. الأخير استطاع تسطير تاريخ جديد بتسجيله الهدف الـ16، متقدماً على الظاهرة البرازيلية رونالدو كأفضل هداف في تاريخ البطولة، والاخير كان موجوداً في الملعب كمعلق على المباراة. وكلوزه بات أول لاعب في تاريخ كأس العالم يخوض أربع مباريات في الدور نصف النهائي بعد مونديال 2002 و2006 و2010.
وقع سكولاري في شرّ أعماله. بعد إصابة نيمار وغياب سيلفا، لم يجد المدرب من هو قادر على التعويض بنفس الكفاءة. المدرب الذي يُعرف بعناده دفع ثمن عناده غالياً، ولم يتمكن من إثبات أنه محق كعادته. لِمَ لم تستدع لوكاس مورا، ولِمَ لم تستدع أياً من اللاعبين ذوي الخبرة كروبينيو أو كاكا؟ أو لِمَ لم تستدع كوتينيو الذي قدم موسماً مميزاً مع ليفربول، عوضاً عن لاعبي وسط غير قادرين على صناعة اللعب مثل لويز غوستافو وفرناندينيو؟
صحيح أن تدرجهم بالكرة نحو منطقة الخصم كان ممتازاً في بداية المباراة، لكن الهجمات كانت تعتمد على مارسيلو. وفي الشوط الثاني صار الاعتماد على راميرش وويليان اللذين كانا بديلين!
أقسى خسارة للبرازيل في تاريخها، وأقسى خسارة لها في كأس العالم.

سكولاري انتهى وسقط مرةً أخرى أمام لوف. وشتَّان بين البرازيل 2002 والبرازيل 2014، وبين ألمانيا 2002 وألمانيا 2014. الأول يسوء بطولةً بعد أخرى، والثاني يتحسن بطولةً بعد أخرى. بعد كل شيء، انهمرت دموع البرازيليين، وتخلى «المانشافت» عن عقدة المركز الثالث التي عاندته طويلاً، صانعاً ليل أمس التاريخ كأول منتخب يتأهل الى النهائي بالفوز 7-1. ألمانيا مليئة بالحوافز للتتويج باللقب على أرض البرازيل، والفوز به للمرة الأولى منذ عام 1990.








2000 دولار ثمن بطاقة حضور القمّة

كلّفت مشاهدة موقعة البرازيل وألمانيا في ملعب «مينيراو» بعض المشجعين مبلغاً وصل إلى 2000 دولار بعد شرائهم بطاقات من السوق السوداء. وارتفع ثمن البطاقة بسبب صغر سعة الملعب، مقارنة بالملاعب الأخرى في البطولة، ولأن البرازيل كانت طرفاً في المباراة القمة، حيث انتشر تجار السوق السوداء أمام الملعب لاصطياد زبائنهم قبل ساعات على انطلاقها. وفي سياقٍ متصل، أفرجت الشرطة البرازيلية عن راي ويلان، المسؤول في شركة «مباريات الضيافة» (ماتش هوسبيتاليتي)، وذلك بعد يوم على توقيفه في ريو دي جانيرو لاتهامه بتزعمه شبكة تبيع تذاكر المونديال بشكل غير شرعي.
واعتُقل ويلان، البريطاني البالغ من العمر 64 عاماً ومدير الأعمال السابق لأسطورة الكرة الإنكليزية بوبي تشارلتون، الأحد في فندق «كوباكابانا بالاس» الفخم الذي يمكث فيه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، السويسري جوزف بلاتر، ومسؤولو «الفيفا» خلال نهائيات البرازيل 2014، وذلك بعد أيام معدودة على إيقاف 11 شخصاً آخر في محاولة لتفكيك هذه الشبكة.