تاريخياً شكلت كأس العالم لكرة القدم مناسبةً لتصفية الحسابات السياسية من خلال المباريات التي جمعت بلداناً عُرفت بعداوتها لبعضها البعض، حيث رفع كل واحدٍ منها شعاراً يُختصر بكلمتين: أنا الأقوى.هذه المسألة لم تغب عن عددٍ لا بأس به من المونديالات حيث شكّلت بعض المواجهات امتداداً لحروب الساسة والجيوش، فانعكست معاركهم على مقاربة لاعبي بلدانهم للمباريات، التي لم تغب عنها العنصرية، والتطرف، والخشونة والشراسة وحتى الكره.

فاشية موسوليني
في عام 1938 وقبل سنةٍ واحدة على بداية الحرب العالمية الثانية استضافت فرنسا كأس العالم على وقع توترٍ سياسي مع الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني الذي انتقد الفرنسيين ودعم نظيره الإسباني فرانكو.
في تلك النسخة التي فازت بلقبها إيطاليا، التقى «الأتزوري» مع فرنسا في ربع النهائي، فاستغنى المنتخب عن لباسه الأزرق التقليدي واستبدله بالأسود ووجّه لاعبوه التحية الفاشية للجمهور قبل انطلاق اللقاء، وذلك بتعليماتٍ من موسوليني الذي قيل إنه بعث برسالةٍ مختصرة إلى لاعبيه قال فيها: الفوز أو الموت.
إيطاليا كانت دائماً حاضرة في قلب الحروب الكروية المونديالية. «معركة سانتياغو» عرفتها تشيلي عند لقاء منتخبها مع «الأتزوري»، إذ كانت الصحافة الإيطالية قد انتقدت بشدّة منح الدولة الأميركية الجنوبية حق استضافة المونديال، ليعلو مستوى التوتر بين البلدين، وهو ما دفع الاتحاد الدولي للعبة إلى المسارعة لاستقدام الحكم الإنكليزي كين أستون لقيادة اللقاء منعاً لأي شبهات حول التحيّز. لكن اللقاء نفسه تحوّل إلى حلبة مصارعة أكثر من مرة مع تبادل اللاعبين اللكمات، وحتى أن المباراة أُوقفت لمدة 10 دقائق بعد رفض أحد اللاعبين الإيطاليين الخروج من الملعب حتى تدخلت عناصر الشرطة لتنفيذ قرار الحكم.
بعد الحرب العالمية الثانية انقسمت ألمانيا إلى شطرين، فالتقى منتخب القسم الشرقي مع نظيره الغربي المضيف لمونديال 1974، ففاز بهدفٍ وحيد، واعتبر نصراً سياسياً كبيراً، لكنه سرعان ما تلاشى بعد إحراز ألمانيا الغربية للقب.
شكّلت الكثير من المواجهات في بعض المونديالات امتداداً لحروب الساسة والجيوش


حرب مارادونا
الحرب فعلاً كانت حاضرة في مواجهة الأرجنتين وإنكلترا بعد 4 سنواتٍ على حرب الأخيرة للسيطرة على جزر الفوكلاند، والتي أودت بما يقارب الـ1000 قتيل.
المعركة تجددت في مونديال 1986، وحسمها «الأسطورة» الراحل دييغو مارادونا للأرجنتينيين بهدفٍ خرافي بعدما تخطى نصف الفريق الإنكليزي والحارس بيتر شيلتون، إضافةً إلى هدفٍ آخر خدع به الأخير بـ«يد الله» كما وصفها بعدما استخدم يده لتحويل الكرة إلى الشباك، مسجلاً أحد أكثر الأهداف جدلاً في تاريخ كأس العالم.
مارادونا ربط كل ما فعله بما مرّت به بلاده، وربط الصراع السياسي – العسكري بين البلدين بهدفيه اللذين شكّلا انتصاراً انتقامياً للأرجنتين، التي ذهبت في النهاية نحو العرض الأخير لتحرز لقبها الثاني بعد الأول على أرضها عام 1978 حيث خاضت معركة سياسية في المباراة النهائية مع هولندا التي كانت قد دعت إلى مقاطعة المونديال بسبب إقامته في بلادٍ تحكمها ديكتاتورية عسكرية، لا بل إن إعلامها اتهم الأرجنتينيين بالتلاعب بنتيجة المواجهة أمام البيرو بعد أن انتهت بستة أهدافٍ نظيفة لمصلحة أصحاب الضيافة.

صراع إيراني - أميركي
اليوم أصبح العنوان هو أطول صراعٍ سياسي عرفه العالم في العصر الحديث، وانتقل من طاولات المفاوضات والمؤسسات الدولية إلى الملاعب الكروية.
منتخبا إيران والولايات المتحدة تواجها في مونديال 1998، ففازت الأولى (2-1) وخرجت الثانية من البطولة، وهو انتصارٌ أطلق احتفالات طويلة في طهران وغيرها من المدن حول العالم، وسجّل في الصفحات الذهبية لكرة القدم الإيرانية. لكن هذه المباراة لم تكن خاتمة الصراع الدائم بين البلدين، إذ سيتجدد مساء اليوم في الدوحة، وهو الذي طغى الحديث عنه في وسائل الإعلام العالمية على كل المباريات الأخرى، وبدا منتظراً منذ سحب قرعة المجموعات، إذ بسبب أهميته القومية عند شعبي البلدين يحمّل لاعبي المنتخبين مسؤوليةً ضخمة لتسجيل نقطةٍ في خانة «العدو»، وتذكيره بقوة حضوره أينما كان.
في نهاية المطاف، السياسة والرياضة شريكان قديمان لم يفترقا يوماً. هي القصة نفسها منذ زمنٍ بعيد، من أيام الإغريق والرومان الذين تنافس أباطرتهم على تنظيم الأحداث في «الكولوسيوم» الشهير لتذكير الجميع في أصقاع الأرض بصاحب السلطة والقوة.