قيل دائماً في ألمانيا إنه إذا كان بايرن ميونيخ بخير، فإن «المانشافت» بخير. وهذه المقولة ثبتت تماماً في نهائيات كأس العالم 2014، عندما كان سبعة من لاعبي الفريق البافاري في قلب الإنجاز المتمثل بإضافة نجمةٍ ذهبية رابعة إلى القميص الألماني الأبيض. لكن بعد أسابيع قليلة فقط على الإنجاز المونديالي، بدأ كثيرون في التشكيك بالمقولة نفسها، إذ إن إحراز منتخب ألمانيا للاعبين دون 19 عاماً لكأس أوروبا من دون أن يضم في صفوفه أي لاعب من النادي الأنجح في تاريخ البلاد، جعل الكل يتساءل عن المستقبل الذي ينتظر الكرة الألمانية وبايرن ميونيخ تحديداً، وهو الذي اعتاد تخريج المواهب وتقديمها لخدمة المنتخبات.
لكن هناك، في قلب بافاريا، كان المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا جاهزاً لإسقاط كل هذه التساؤلات. الرجل الذي قيل إن سبب تفضيله لبايرن على أي فريقٍ آخر في أوروبا كان بسبب تشابه هيكليته مع فريقه السابق برشلونة، عَلِم منذ اليوم الأول أنه في قلب نادٍ لديه ما يشبه «لا ماسيا» التي اعتادت تقديم المواهب الفذة إلى الفريق الكاتالوني.
و«بيب» نفسه قال إنه يحتاج إلى بعض الوقت لاكتشاف ما تختزنه أروقة أكاديمية بايرن، لكنه لم يتصوّر أن يجد نفسه مبهراً بأسماءٍ لم تكن في حسابات ماركوس سورغ مدرب المنتخب الشاب المتوّج حديثاً في أوروبا، لا بل إن بعض الأسماء خلقت له مشكلة على صعيد الحسابات التي كان يجريها بدقة عشية انطلاق الموسم الجديد.

أعاد شول
وغاودينو التذكير بما فعله والداهما

مع وصول غوارديولا، لفت نظره اسمان هما الدنماركي بيار هويبييرغ والاميركي - الالماني جوليان غرين، اللذان شقّا طريقهما بجدارة نحو الفريق الأول. وبدا واضحاً إعجاب «بيب» بالثنائي المذكور، وخصوصاً الأول الذي أشركه أساسياً في بعض المباريات في الموسم الماضي. وبالتأكيد كان المدرب الإسباني يبحث بدراية عن طريقة لمنح فرصة أكبر للاعبين الشابين الموهوبين، لكن في موازاة إيجاد التوازن في التشكيلة، إذ إن لديه أسماء لامعة لم تجد لها مكاناً بشكلٍ كبير، وهو بالتالي مجبر على إعطائها المزيد من الوقت على أرض الملعب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، السويسري شيردان شاكيري، الذي كان ليلعب أساسياً لو كان في فريقٍ آخر.
وفي خضم هذه الحسابات، فات غوارديولا أن بعض النجوم السابقين للفريق كانوا قد زرعوا بذورهم الخاصة عند اعتزالهم أو تركهم للنادي البافاري. لذا، من دون أي مقدمات، كان هناك فتى يافع يخدع النجم الجديد لبايرن البولوني روبرت ليفاندوفكسي في التمارين ويمرّ عنه بسهولة تامة، وبمهارة فائقة. هذا الفتى الذي يرتدي ملابس واسعة عليه، هو لوكاس شول. اسمٌ ليس بالغريب أبداً عن محبي بايرن ميونيخ، فهو ببساطة نجل النجم السابق للفريق محمد شول.
هذا الاسم الذي تعرّف إليه الجمهور أكثر في مشاركته أمام تشيفاس المكسيكي في نهاية الأسبوع الماضي، برز إلى جانبه اسم مألوف آخر في بايرن، وهو جانلوكا غاودينو، لاعب الدولي الألماني السابق ماوريتسيو غاودينو، الذي خاض المباراة كاملة، مظهراً قدرات واعدة، سيتخطى بها من دون شك والده إذا واصل النسج على المنوال عينه.
في المباريات التي استهد فيها بايرن حتى الآن، كان شول جونيور (18 عاماً) شجاعاً بانطلاقاته الفردية ورؤيته الشاملة للملعب ودقّة تمريراته الصحيحة، فترك انطباعاً طيّباً عند غوارديولا، الذي وجد فيه بديلاً رائعاً لأبطال العالم الغائبين عن صفوف الفريق بسبب الإجازة.
من جهته، لم يضيّع غاودينو (18 عاماً) الوقت للاستفادة من الفرصة المتاحة له لإثبات جدارته أمام غوارديولا، إذ لعب تقريباً كل دقيقة في المباريات الوديّة التي خاضها بايرن ميونيخ حتى الآن، مقدّماً صورةً كلاسيكية للاعب الألماني صاحب الإصرار الكبير والروح القتالية على أرض الملعب.
والأهم أن هذين اليافعين يؤديان من دون تعقيدات على أرض الملعب، رغم أنهما لا يزالان في بداية مشوار رحلتهما الكروية، التي من دون شك ستكون سعيدة، وهما الآن في أيدٍ أمينة تتمثل بمدربهما الإسباني الذي يعشق أصلاً وضع المواهب الشابة تحت الأضواء.
بايرن ميونيخ لن يكون يوماً في خطر، وألمانيا لا تزال تنتظر تعبئة كؤوسها من نبع أنجح أنديتها على الإطلاق. كيف لا، وقد ترك نجومٌ كثر مرّوا في النادي البافاري شيئاً من مواهبهم التي قيل يوماً إنها لن تتكرر.




على صورة الأب


اشاد جوسيب غوارديولا كثيراً بلوكاس شول (الصورة)، واصفاً اياه بأنه تماماً على صورة والده محمد الذي عاصره لاعباً. واضاف: «شول جونيور كوالده في حالات كثيرة. هو مثله تماماً في المواجهات الفردية»، في اشارة منه الى المهارة التي يتمتع بها شول الصغير. كذلك، حكى ماوريتسيو غاودينو والد جانلوكا عن فخره بالشابين، قائلاً: «هما يقومان بعمل مذهل. يلعبان والابتسامة تعلو وجهيهما، والاهم ان لديهما امكانات ومهارات هائلة. انا فخور كأب بان ارى هذا الشيء الرائع امامي».