ما بين المباراة الاولى في 24 آذار عام 2001 أمام ألبانيا في تصفيات كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، والختام في 13 تموز 2014 أمام الأرجنتين في نهائي كأس العالم 2014، كلامٌ كثير وذهبيّ يُحكى عن الألماني ميروسلاف كلوزه. في تلك المباراة - البداية كثيرون تساءلوا عن هوية ذاك الشاب البالغ عامذاك 23 عاماً، بينما في المباراة - النهاية، كان هؤلاء أنفسهم وجيل آخر تلا جيلهم يصفّقون لهذا اللاعب في الـ 36 من عمره، ويصدحون بصوت واحد: شكراً «ميرو».
شكراً «ميرو». هذه العبارة التي تتبادر إلى الذهن أولاً عند قراءة نبأ اعتزال كلوزه اللعب الدولي مع المنتخب الألماني (137 مباراة) الذي انتشر أمس حول العالم. فلاعبون من نوعية كلوزه لا يمكن مطلق متابع الا أن يتوجّه اليهم بالشكر والتحية والتصفيق بعد انتهاء مسيرتهم مع منتخبات بلادهم. نعم، مطلق متابع، ذلك أن كلوزه، اللاعب والشخصية، استطاع ان يكتسب شعبية تتخطى ألمانيا وعشاق منتخبها الى العالم بأسره.
على المستوى الفني، يكفي الرقمان القياسيان اللذان حققهما «ميرو» لتأكيد كفاءته. رقمان يحلم بهما كل لاعب: أفضل هداف في تاريخ بطولة كأس العالم بـ 16 هدفاً بعد تخطيه رقم «الظاهرة» البرازيلي رونالدو (15 هدفاً) (فضلاً عن أرقام قياسية أخرى لا تعد ولا تحصى على المستوى الشخصي في المونديال)، وأفضل هداف في تاريخ منتخب ليس بعادي هو المنتخب الألماني، بطل العالم 4 مرات وأوروبا 3 مرات، بـ 71 هدفاً متخطياً «البومبر» (المدفعجي) غيرد مولر (68 هدفاً).
لكن رغم ذلك، فإن البعض ظل غير مقتنع بكلوزه فنياً، مقارنين إياه بمهاجمين كـ «الظاهرة» رونالدو وغيرد مولر تحديداً بعدما تمكن «ميرو» من تخطيهما. يجدر القول هنا ان كلوزه، بالتأكيد، ليس الأفضل على مرّ التاريخ في مركزه، كثيرون هم أفضل منه، وبينهم طبعاً رونالدو ومولر، الا ان هذه النقطة، للمفارقة، تزيد من إنجازات كلوزه قيمة، ذلك أن هذا المهاجم الذي يتفوّق عليه كثيرون هو «رسمياً» الأفضل في تاريخ المونديال وفي بلاده. وهذا يحيلنا على صفتين مهمتين تميّز بهما كلوزه هما الطموح والمثابرة، اللذان مثّلا علامة فارقة أوصلته الى هذه المرتبة، ذلك أن «ميرو» بدأ من «الصفر» وتمكن من تطوير قدراته تحديداً لناحية التسجيل بالقدمين والتمركز الماكر داخل منطقة الجزاء، بعدما اشتهر في فترته الأولى بإجادته الكرات الرأسية حصراً، والأهم أنه حقق إنجازاته التاريخية بسن 36 عاماً، علماً أنه في الميزة الأخيرة (الكرات الرأسية) يُعد من المتفوّقين في التاريخ الى جانب أسماء كمواطنيه أوليفر بيرهوف وهورست هروبيش، هذا فضلاً عن انه من نوعية المهاجمين الذين تتجه الكرة لفقدانهم في السنوات المقبلة مع تراجع دور «مهاجم الصندوق» لمصلحة المهاجم «الوهمي» والجناحين.
اما على المستوى الشخصي، فإن ما يميّز كلوزه هو تواضعه الكبير في ذروة التألق والنجومية، وتحديداً بعد تحطيمه رقمي مولر ورونالدو والتزامه وانضباطه المتمثلين في احترامه قرارات مدربيه، وخصوصاً عندما اجلسه يواكيم لوف على مقاعد البدلاء في الفترة الأخيرة، فضلاً عن روحه الرياضية العالية المتمثلة في لعبه النظيف من خلال قلة البطاقات الملوّنة التي حصل عليها، ولمواقفه كمواساته لاعبي البرازيل عقب هزيمتهم امام «المانشافت» 1-7 في نصف نهائي مونديال 2014 وغيرها الكثير، وهذا ما أكسبه احترام الخصوم، قبل المحبين، وأدخله قلوبهم.
إذاً، كلوزه يغلق الباب على مشواره مع منتخب ألمانيا. ختام حالم وغير مسبوق برقمين قياسيين تاريخيين وذهب المونديال، يليق به، بالتأكيد، وصف: الختام الأسطوريّ.




لقطة خالدة

ستبقى لقطة خالدة في الأذهان لكلوزه مع ألمانيا، حين احتفل بتحطيم رقم البرازيلي رونالدو في معقل الأخير وأمام منتخب بلاده، وتحت أنظاره، حيث قال بعدها «الظاهرة»: «لست حزيناً أبداً على تحطيم الرقم، كلوزه لاعب رائع، وحطم الرقم عن جدارة، فهو لاعب مثابر ويقدّم كرة قدم ممتازة، على الرغم من تقدمه
في السن».