«لقد أردنا الفوز، لكن كذلك تقديم صورة جميلة». هذا ما قاله نجم مانشستر يونايتد الجديد، أنخل دي ماريا، عقب نهاية مباراة منتخب بلاده الأرجنتين أمام نظيره الألماني، التي انتهت بفوز «ثأري معنوي» كبير لـ «ألبيسيليستي» 4-2. أما ما أجمع عليه العالم كله بعدها، فيتلخص بعبارة واحدة: «دي ماريا، أنت الصورة الأجمل».
نعم، فما قدمه دي ماريا في هذه المباراة لم يكن عابراً، وقد سال له الكثير من الحبر من قارة أميركا الجنوبية إلى أوروبا وباقي قارات العالم. صحيح أن المباراة ودية، وهي تأتي في مستهل الموسم، حيث يحرص اللاعبون على عدم بذل المجهود لادخاره، وخشيةً من الاصابات، وخصوصاً أن «المانشافت» بالذات يتطلع، كبطل للعالم، الى المباراة الرسمية الاولى عقب تتويجه في البرازيل امام اسكوتلندا في تصفيات كأس أوروبا 2016 الأحد، إضافة الى أنه لعب المباراة منقوصاً من أهم نجومه في المونديال بسبب الإصابة، وهم: القائد الجديد باستيان شفاينشتايغر ومسعود اوزيل وماتس هاملس وسامي خضيرة وجيروم بواتنغ، فضلاً عن إبقاء ماريو غوتزه، مسجل هدف الفوز في ملعب «ماراكانا»، وتوماس مولر على مقاعد البدلاء وإشراك وجوه جديدة (هذا لا يمنع من ان الأرجنتين ظهرت بمظهر قوي واستحقت الفوز)، لكنّ ذلك كله حتى لو لم يكن موجوداً، ما كان ليمنع دي ماريا من التألق والتوهج في مباراة ملعب «ال تي يو» في دوسلدورف، التي أرادها الألمان احتفالية بلقب المونديال، ومناسبة لتكريم نجومهم المعتزلين: ميروسلاف كلوزه وفيليب لام وبير ميرتيساكر، واذا بها تتحول إلى كابوس بدأ قبل أن تغفو الى النوم أعينهم في ليلتهم تلك.
فببساطة، بدا دي ماريا لاعباً من كوكب آخر بين مجموعة اللاعبين أول من أمس، وفي مقدمهم الألماني ماركو رويس. صال وجال وتلاعب بالدفاع الألماني ابن مدينة روزاريو، وصنع ثلاثة أهداف بينها تمريرة أولى خيالية «بخارج القدم» لسيرجيو أغويرو، ليختتم المهرجان بهدف جميل عندما انطلق بالكرة بسرعة كبيرة أطاح بها الدفاع الألماني ولعبها بهدوء من فوق الحارس رومان فايدنفيلر.
لكن، ما هو أهم أن ليلة دي ماريا هذه أكدت حقائق وطرحت تساؤلات.

أكد تألق دي ماريا
أمام ألمانيا حقائق وأثار تساؤلات


أولاً، وبطبيعة الحال، فإن سؤالاً واحداً كان يجول في خاطر كل من تابع المباراة وشاهد تألق دي ماريا (وهذا ما ركّزت عليه الصحف العالمية صبيحة أمس)، ألا وهو: ماذا لو كان هذا اللاعب موجوداً في نهائي «ماراكانا»، هل كان مشهد الاحتفال سيتغير؟ الأرجنتينيون ذهبوا الى تأكيد ذلك، حيث اعادوا، امس، تكرار تصريح أليخاندرو سابيلا، مدرب «ألبيسيليستي» في المونديال، عقب المباراة النهائية، الذي كان سباقاً فيه الى هذا الاستنتاج. غير أنه في الوقت عينه، وللمفارقة، فإن تألق دي ماريا زاد من حسرة الأرجنتينيين على عدم لعبه في النهائي.
ثانياً، فإن رجلاً بالتحديد، أكثر من غيره في هذا الكون، لا يبدو مستغرباً لو انه نهض من كرسيه بعد المباراة واتجه الى أقرب مرآة في منزله ونظر اليها وتساءل: ماذا فعلت؟ بالتأكيد هذا الشخص هو فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد الاسباني، الذي باع دي ماريا، على نحو مفاجئ، أو بالأحرى جنوني، ليونايتد. وبالتأكيد أيضاً، فإن إحدى غايات اللاعب الأرجنتيني من هذا التألق الأربعاء هي الرد على النادي الملكي، الذي لم يوافق على مطالبه المالية المحقة، وفرّط به بغرابة، اذ من غير المعقول أن يمتلك فريق لاعباً بهذه الميزات ويتخلى عنه! وبين هذا وذاك، طمأن دي ماريا يونايتد إلى أن الاموال الكثيرة التي صرفها للتعاقد معه «لن تذهب في البحر».
ثالثاً، فإن دي ماريا أثبت أمام ألمانيا مدى التطور الذي طرأ على موهبته منذ عام 2010 عندما بدأ اسمه بالظهور للمرة الاولى في مونديال جنوب أفريقيا، ولعل قول مدربه الجديد في «ألبيسيليستي» جيراردو مارتينو بأن «دي ماريا من بين أفضل 4 أو 5 لاعبين في العالم حالياً» هو أفضل تعبير عما وصل اليه هذا اللاعب. وبالتأكيد، فإنه لا يزال في سن صغيرة تسمح له بالوصول الى أعلى المراتب، ولمَ لا الى جائزة أفضل لاعب في العالم.
رابعاً والأهم، هل بات من الممكن التساؤل، ولو همساً، انطلاقاً مما قدمه دي ماريا الأربعاء، وزميله ليونيل ميسي في نهائي المونديال أمام الخصم نفسه: ماذا لو أصبح دي ماريا هو النجم الأول في منتخب الأرجنتين، وعليه تبنى الخطط والآمال؟ من الممكن حينها أن تكون الصورة، أيضاً، أجمل.