حين تقرأ عن ريال مدريد، النادي الأغنى في العالم، تجد نفسك أمام مشروع لو أراد أن يكون بالمعنى الاقتصادي، لا العسكري، لصار دولة. النادي المنتشي مالياً من فوزه بلقب دوري الأبطال لديه ثقافة وسياسة خاصة، والأهم له اقتصاده الخاص.
الأسبوع الماضي، كشف رئيس النادي الملكي فلورنتينو بيريز عن ميزانية هذه «الشركة». هو جزم بأنّه للسنة العاشرة على التوالي تمكن النادي من أن يبقى صاحب أكبر عائد مادي بين مؤسسات كرة القدم. أما السبب فهو ما بنى عليه ريال مدريد مجده الكروي والمادي، إذ إن هذا النادي قام ولا يزال على نجاحاته في دوري أبطال أوروبا، الذي فاز به في الموسم الماضي، ليرفع الكأس صاحبة الأذنين الطويلتين للمرة العاشرة في مسيرته، خمس منها كانت متتالية بين موسم 1955-1956 وموسم 1959-1960.
من هناك بدأ بناء إمبراطورية «النادي الملكي». في تقارير صحافية عديدة، قديمة وجديدة، يعيد النقاد ضخامة هذا النادي وسمعته الى عدد ألقابه في هذه البطولة تحديداً، فهي وحدها ما أبقى هذه الشركة مؤسسةً رابحة ورائدة خلال القرن المنصرم. الريال نادي القرن، بالألقاب وبالأموال. لا تعوز أحداً حجة ولا يفوته دليل يستقيه من الاتحاد الدولي لكرة القدم للدلالة على هذا الشيء.

في الأعوام الخمسة الأخيرة، صرف ريال مدريد سنوياً ما يقارب 119 مليون دولار


في دوري الأبطال، يحصل الفائز بهذه البطولة على عدد معين من الجوائز المادية وغيرها، وقد وصلت مع مرور السنين إلى 9 ملايين يورو. ريال مدريد أكبر من هذا الرقم بكثير. لغة الأرقام تحكي، وتبيّن ذلك من خلال طريقة التعاطي مع اللاعبين. من الناحية الاقتصاديّة البحتة، فإنّ رواتبهم وقيمة تعاقداتهم هي أسرع وسيلة، لكي يعرف المتابع أنه يقرأ عن نادٍ باتت ميزانياته تُشبَّه بميزانيات بعض الدول. حتى هناك بعض الدول التي قد تقارن مع ريال مدريد لا العكس، حيث ستبدو بمظهر ضعيف أمامه، نسبةً الى القدرات والإمكانات بينهما. الفارق أن بيريز لا يملك أي سلطة سياسية، ويرى بعض محبيه الكثر، الذين يطلقون عليه لقب «الشامخ» بسبب ما قدّمه للنادي، أنه كان عليه أن يفعل كما فعل رئيس ميلان (رئيس الوزراء الإيطالي السابق) سيلفيو برلوسكوني الذي تسيّد المشهد السياسي في إيطاليا عبرة بوابة ناديه.
ولا يبدو بيريز بحاجة الى الزعامة السياسية لأن منصبه الحالي أتاح له فرصة امتلاك سلطة على إحدى أكبر المؤسسات الرابحة في العالم. حجم الأموال التي تدور في فلك اللعبة أساساً ضخم جداً. يبلغ، مثلاً، حجم الإنفاق السنوي على كرة القدم، بشكل عام، ما يقارب 250 مليار دولار. ووحده ريال مدريد، في الأعوام الخمسة الأخيرة صرف سنوياً ما يقارب 119 مليون دولار. هذا ما أعلنه هو في ميزانية العام المالي 2013-2014، حيث تمكن النادي فيها من تحقيق صافي أرباح وصل الى 38.5 مليون يورو، وسط عائدات تصل الى 603.9 ملايين يورو، ما يمثل 10.9% أكبر من العام المالي الماضي، رغم المبلغ الكبير الذي أنفقه النادي على الانتقالات.
بين الأندية والشركات بشكلٍ عام، ريال مدريد، وإن كان لا يحلو لهم ذلك، بحسب بيريز، بات شركة متعددة الجنسيات. لا حقول نفط وغاز هنا، ولا موارد مالية إلا عبر ما يتمحور حول قطعة جلد مستديرة. أسهم النادي، مدارس كروية ومحال تجارية في مختلف بلدان العالم، إعلانات، بيع قمصان اللاعبين، تذاكر حضور المباريات، وأيضاً الأهم لاعبون يتم بيعهم وشراؤهم في «السوق».
مقرّ الريال الرئيسي في مدريد، لكن امتداده حول العالم يقدّر بملايين الأمتار المربّعة. تخطى حدود ملعبه، بلدان الشرق والغرب. هو «دويلة» بين الدول، تساعد ميزانيتها ميزانيات بعض البلدان العاجزة، لما ترفده من عائدات لهم عبر ما يحصّلونه من ضرائب ناتجة من مشاريع وأعمال الملكي.
في إسبانيا، على سبيل المثال، دفع ريال مدريد 167 مليون يورو لمصلحة الضرائب، وهذا ما يمثّل 21% من دخل النادي. يأتي بيان بيريز الرجل «ذي القبضة الذهبية» في ردّ صريح على كل التقارير التي ادعت مواجهة النادي حملاً غير قادر على مواجهته في ظل أزمة اقتصادية قاتلة، عانت منها الدول بأجمعها، وصلت في بعضها الى عجزٍ في الميزانية. يتكلم بثقة، وبنبرة هادئة، كأنه يستجمع ذكرياته وعدد أمواله عبر السنين؛ ليس عصيّاً على التصديق أن أرباحه، حقيقةً، وهذا طبيعي، لا تفوق ميزانيات عدد من دول العالم، بل يبدو بموارده والإمكانات التي يملكها أفضل لا أكبر من معظمها.
في بعض دول الخليج، كل سنة، تحقق موازنات هذه الدول فوائض بالمليارات نظراً إلى انخفاض الكثافة السكانية فيها، مقابل ارتفاع عائداتها وخاصة مع الارتفاع المتواصل في أسعار النفط. وفي أسوأ ميزانيات بعض دول العالم الثالث، تتعدى الميزانية بطبيعة الحال مليار دولار. هي مبالغ ضخمة تقوم على التنويع في مصادر الإيرادات العامة، من الصناعة ومصالح التجارة وحقول النفط والغاز. هناك تفسيرات كثيرة لهذه الميزانيات الضخمة، لكن عند مقارنة بعضها بريال مدريد، واستناداً الى مصادر موارده، يقترب النادي الملكي من ميزانيات بعض الدول عند قياس حجم الإيرادات والعائدات في الميزان المالي.
ببساطة، كرة القدم صناعة كبرى تدرّ الكثير من الأموال، وريال مدريد أتقن فنّها.