فخورة كانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية وهي تفرد صورة وعنواناً في ملحقها الرياضي تحكي فيه عن ذهاب شبان وشابات من دولٍ متوسطية يمارسون رياضة ركوب الامواج (Surfing)، لينخرطوا في مشروعٍ يضم إسرائيليين بعنوان «تعزيز السلام ونبذ العنف». ومن دون شك فإن الصحيفة، في طريقة عرضها واهتمامها بالموضوع المذكور، كانت ترمي الى أبعد من ذكر خبرٍ رياضي قد يبدو عادياً أو أقل من عادي، وذلك بالنظر الى أن هذه الرياضة لا تعدّ شعبية في إسرائيل أو في العالم حتى. لكن هناك ما يثير اهتمام القارئ والرأي العام.
ففي هذا المشروع مشاركون من بلدانٍ عربية، وتحديداً بلدان تقف يومياً في مواجهة المشروع الصهيوني الساعي منذ زمنٍ بعيد الى التطبيع من بوابة كل المجالات ومنها الرياضية.
هنا نحكي عن شبانٍ من فلسطين والجزائر والمغرب ولبنان. والأسوأ عندما تذهب الصحيفة الى التفاصيل الدقيقة في ذكر الأندية المشاركة في المشروع الذي أقيم نشاطه بين مرسيليا وبياريتز في فرنسا لمدة أسبوع.
النادي البتروني «Batroun Water Sports» ونظيره «Surf Lebanon» من الجيّة، ورد اسماهما في اللائحة الضيّقة التي ضمّتهما الى نادي «Top Sea Surf Club» الاسرائيلي والمسجّل في تل أبيب. وهذه اللائحة ضمّت أيضاً نادي «Skate Pal» الفلسطيني الذي أوفد ممثلين له من رام الله بحسب الجهات المنظمة. وتضاف اليهم أندية من فرنسا وايطاليا وتركيا والجزائر والمغرب، ليكون عدد المشاركين 20 رياضياً.
ذكرت الجهة المنظمة أن المشاركين جاءوا على حسابهم الخاص


ركزت القناة الثالثة الفرنسية على المشاركَين اللبناني والاسرائيلي

كل هذا المشروع يأتي تحت عنوان «Surfing 4 Peace»، الذي قام المنظمون بإعطائه بعداً إعلامياً مهماً، وبمحاولة صبغه باللون الفرنسي، لكن الغوص في التفاصيل يأخذنا الى معادلة لا تترك شكاً في أن كل ما يحصل هو محاولة للتطبيع من نوعٍ آخر لم نعرفه سابقاً، على اعتبار أن رأس الحربة في إطلاق هذا المشروع الاسرائيليان دوريان باسكوفيتز وأرثر راشكوفين اللذان يعدّان وراء نشر هذه الرياضة في إسرائيل، وقد تحدث الاخير عن شراكة خلقها مع مستشارين متطوعين، بينهم اللبناني علي الأمين صاحب نادي «Surf Lebanon».
لكن اسم الأمين الذي حاولت «الأخبار» التواصل معه ومع ناديه من دون الحصول على أي جواب، في ظل وجوده في أوستراليا، لم يكن الاسم اللبناني الوحيد الوارد في وسائل الاعلام الفرنسية والاسرائيلية، فهناك من ركب أمواج التطبيع بفعل مشاركته ممثلاً لأحد الناديين المذكورين. ولم يكن من الصعب إيجاد الاسماء اللبنانية بين المشاركين، إذ بين الاسماء العربية الفلسطيني أدهم تميمي والجزائرية ناديا غالي، والتركية ألينا هاديموغلو، والاسرائيلي فريديريك كوهين، كان من السهل التعرّف على اسمي اللبنانيين ايلي الحاج ولينا علاّم.
أما مالك ضو صاحب نادي ومدرسة «Batroun Water Sports» فقد نفى من فرنسا مشاركته في أي نشاط مرتبط ببرنامج السلام المزعوم، وذلك رغم ظهوره في صورة نشرت عبر حساب المشروع على «فايسبوك» مع جملة وداع للمشاركين بينهم الحاج وعلاّم، إضافة الى ظهوره في مقطع فيديو في باصٍ ينقل المشاركين. ونفى ضو أيضاً أي علمٍ له بمشاركة أحد اللبنانيين في المشروع المذكور، قائلاً إن «أحد الناشطين في ناديه كان ذاهباً للمشاركة لكنه لم يحصل على تأشيرة من السفارة في بيروت». وضو لم يكن مهتماً بالتوضيح بشأن ذكر اسم ناديه في التقارير الاسرائيلية، مكتفياً بالقول: «سأسأل إذا ما كان هناك أي لبناني قد شارك»، ومكرراً «إذا أردتم معرفة أي شيء حول برنامجي التدريبي فسأكون سعيداً بلقائكم فور عودتي الى لبنان في الثالث من تشرين الاول».
القناة الثالثة الفرنسية «فرانس 3» سارعت الى إعداد تقرير عن «الحدث» تحت عنوان «عندما يلتقي الاسرائيليون والفلسطينيون واللبنانيون على الامواج»، مركّزة على مشاركَين أحدهما إسرائيلي والآخر لبناني، ومتجاهلة كل المشاركين من جنسيات أخرى. وفي التقرير يتحدث الحاج بالفرنسية قائلاً: «تمكنّا من الاجتماع على شيء مشترك وهو البحر الذي يجمعنا، وبحكم الواقع نصبح مقتنعين بأننا لسنا مختلفين».
أما الاسرائيلي الذي قال إن اسمه ديفيد ويبلغ من العمر 16 سنة، فأردف: «لم أكن أتخيّل يومياً أن أركب الامواج مع شبان عرب، ولم أتوقع يوماً أن هذا الامر سيحصل».
الجهة المنظمة ذهبت الى الاستفادة من تحدث الحاج للفرنسية بطلاقة حيث يبدو جليّاً أنه عاش خارج لبنان، فجعلته المتحدث الاول في تقريرٍ تلفزيوني أعدّته، حيث يظهر في نهايته كل الرياضيين وهم يقفون على ألواحهم حاملين أعلام بلدانهم، وبينها العلم اللبناني. ويقول الحاج في هذا التقرير: «بعيداً من اختلافاتنا السياسية والثقافية والدينية نلتقي في هذه المساحة المشتركة حيث نتشارك شيئاً، ويتعرف بعضنا إلى بعض ونتعلم تبادل الاحترام».
لبنانيون ذهبوا الى التطبيع الرياضي. مسألة كانت واضحة في أحد إعلانات الجهة المنظمة التي طلبت التبرّع للمشروع، حيث أوضحت أن الاموال هي لأسباب لوجستية، في وقتٍ تعهد فيه المشاركون بدفع ثمن تذاكر الطيران لرحلتهم الى فرنسا.
إذاً قد يكون صحيحاً أن المنظمين لم تكن لديهم أي نيات للربح المادي، لكن الأكيد أن الاسرائيليين، من وراء هذا البرنامج، رصدوا ربحاً كبيراً يستغلونه اليوم إعلامياً الى أبعد الحدود.





شدّد وزير الشباب والرياضة العميد عبد المطلب حناوي على أن أي مشاركة لبنانية في حدث رياضي يضم إسرائيليين إنما هي خيانة وطنية. «فالحرب مع إسرائيل لم يكن يوماً فيها مكان للسلام، وأي لبناني يذهب الى وضع يده في يد إسرائيلي، بغض النظر عن الهدف، فإنه ارتكب مخالفة جائرة للقانون». وأوضح حناوي أنه حتى لو لم يشارك الرياضي تحت راية اتحادٍ أو نادٍ مسجّل في الوزارة، فهو خالف القانون كمواطن لبناني بوجوده مع إسرائيليين، مشيراً إلى أنه في حالة الرياضيين الذين شاركوا في مشروع «ركوب الأمواج من أجل السلام»، فإن وزارة الشباب والرياضة يمكنها أن تلفت وزارة الداخلية والقضاء للتصرّف.