لطالما كانت العلاقة بين جيانلويجي بوفون ويوفنتوس في أحسن حالاتها. لم يتمكن أحد يوماً من إنكار ذلك أو التفرقة بينهما. أمس احتفل بوفون (36 عاماً) بمباراته الرقم 500 مع «اليوفي» في البطولات المختلفة عندما لعب امام جنوى في المرحلة العاشرة من الدوري الإيطالي. سنوات كثيرة مرت وظل بوفون محافظاً على صفاته وألقابه الشخصية التي نالها من أصدقائه ومحبيه وخصومه أيضاً. لم يجد يوماً من يكرهه، حتى إنه كان دائماً في المباريات الصعبة والمتوترة، من يحل المشاكل بهدوئه المتزن، الذي يفرضه على الجميع، نجماً كان لاعباً أو مدرباً.
تواضعه واحترامه اللذان فرضهما على الكل، هما ما جعلاه كذلك، وفي الصفات الكروية، صُنّف بين أفضل اللاعبين في تاريخ اللعبة، بسرعة رد الفعل للكرة، وسرعته في اتخاذ القرار وقدرته على التصدي لأساليب الهجوم المتعددة، سواء التسديد أو الكرات الهوائية أو المواجهات الفردية.

من عائلة رياضية هو، ولد سنة 1978 والرياضة تحيط به. والده أدريانو الذي كان رياضياً محترفاً في حمل الأثقال، ووالدته لاعبة الكرة الطائرة مثّلت «الآزوري». أما عمه لورنزو فهو الحارس الأسطوري لميلان، ولعل الأخير كان السبب الرئيسي ليغيّر بوفون مركزه من لاعب في مركز الوسط الى حراسة المرمى.
أقنعه لورنزو بذلك، حتى بدأ مسيرته الاحترافية في سن مبكرة (17 عاماً). مع بارما ضد ميلان، خاض أولى مبارياته الرسمية وتمكن من الحفاظ على نظافة شباكه، ما جعل الصحافة وكشافي المواهب يهتمون بما يقدّمه منذ صغره.
ظل مع بارما حتى عام 2011 حتى حصلت الصفقة التاريخية بانتقاله الى يوفنتوس مقابل حوالي 54 مليون دولار، ليصبح أغلى حارس مرمى في تاريخ كرة القدم.
مسيرته مع يوفنتوس لاقت نجاحاً كبيراً واحتراماً متبادلاً. لم يتخلَ الأول عن الثاني او العكس رغم العروض الكثيرة له لترك ملعب «السيدة العجوز» الى ملاعب توازي ثقل الأخير في الكرة الأوروبية، لكنه رفض.
كلما انتهى عقده، جدده برغبة منه ومن إدارة النادي. وصف ما تلقاه من عروض بـ «عروضٍ يسيل لها اللعاب، لكنني فضلت البقاء». قبل انتقاله الى «اليوفي»، جاءه عرض من برشلونة، لكن «كنت أبلغ من العمر 23 عاماً، وألعب لبارما، لكن والدي نصحني وقتها باللعب ليوفنتوس وهذا أفضل من الرحيل الى برشلونة».
كان سقوط «اليوفي» الى الدرجة الثانية عقب فضيحة الرشى الامتحان الأبرز لاختبار ولائه للنادي. رفض بوفون عروضاً من أهم الأندية الأوروبية أبرزها ميلان، وقال: «يوفنتوس يحتاجني الآن أكثر من أي وقت مضى. يجب أن أكون وفياً له». هذه الحكاية كانت من أبرز قصص الولاء والإخلاص بين اللاعب وفريقه، حتى بات يضرب به المثل لتلاميذ المدارس الكروية.
لعب مع فريقه 500 مباراة في كل البطولات، 362 في الـ «سيري أ»، و76 مباراة في دوري أبطال أوروبا، 9 في «يوروبا ليغ»، 4 في الكأس السوبر الإيطالية، 12 في كأس إيطاليا، و37 في الـ «سيري ب». كل هذه الفترات أبقته كما هو شخصاً، لكن بات ضمن أفضل 100 لاعب مارسوا كرة القدم على مرّ التاريخ.
لطالما حصلت انكسارات عدة في مسيرته لكنها لم توقفه عن مواصلة النجاح. إصابات بالغة واتهامات بقضايا مراهنات غير قانونية خرج منها بريئاً غير مرة. هذه الانكسارات رد عليها على أرض الملعب بألقابٍ شخصية وجماعية أهمها أفضل لاعب شاب في اوروبا عام 1999، وأفضل لاعب في دوري ابطال اوروبا وافضل حارس عام 2006. وعلى الصعيد الجماعي فاز بالدوري الإيطالي 7 مرات، وبكأس إيطاليا مرة والكأس السوبر الإيطالية 5 مرات، وكأس العالم 2006 والمركز الثاني في كأس أوروبا 2012.
ألقاب كثيرة مع إيطاليا ويوفنتوس لم تزده إلا عزيمة وتواضعاً. كان ولا يزال على قدر حمل ثقل خلافة حراس متميزين أمثال جانبيارو كومبي ودينو زوف، وحتى الآن لا يبدو أنه ينوي تعليق قفازيه طالما أن المنتخب والفريق يرغبان ببقائه.
في حفل من احتفالات توزيع الجوائز ألقى عليه أحد الحاضرين لقب «مارادونا الحراس»، وهذا ليس لقباً عابراً على الإطلاق لما يعنيه مارادونا لكرة القدم، لكنه استدرك، وقال أجمل ألقابي: «رمز إيطاليا».




الأفضل في كل شيء

رأى المدرب الايطالي والتر زينغا والحارس التاريخي لإنتر ميلانو خلال الثمانينيات أنه لم يصل أبداً إلى مستوى جانلويجي بوفون، معترفاً بأنه الأفضل في كل شيء. وقال زينغا في تصريح إلى صحيفة «لا غازيتا ديللو سبورت»: «بعض الناس يدّعون أنني كنت أفضل حارس في العالم، لكن في الحقيقة بوفون أفضل مني بكثير». وأضاف: «فنياً إنه حارس مرمى متكامل، شخصياً لن أُدهش لو بقي يلعب حتى عامه الـ45».