يوم 22 حزيران عام 1974، تنقل الصور الينا محاولات يائسة من قائد منتخب المانيا الغربية فرانتس بكنباور ونظيره قائد منتخب المانيا الشرقية برند برناش، لرسم كلٍّ منهما ابتسامةً على وجهه خلال مصافحتهما أمام كاميرات المصوّرين. تلك الصورة التاريخية التي التقطت في هامبورغ خلال اللقاء الوحيد والتاريخي بين منتخبي المانيا الغربية والمانيا الشرقية، تعكس كل الحكاية بين البلدين. حكاية ربما تشبه في أيامنا هذه تلك الصورة التي تجمع الكوريتين الجنوبية والشمالية، حيث يبتسم الكل على مضض.
ذاك اليوم كان تاريخياً، تماماً كما يوم سقوط جدار برلين، بالنسبة الى المانيا الشرقية تحديداً، إذ إن كأس العالم كانت ضيفة على الشق الغربي من البلاد المنقسمة على نفسها، ومنتخب «القيصر» هو المرشح الاول لإضافة نجمة ذهبية ثانية الى قميصه الابيض بعد الاولى عام 1954. كل الحشد الجماهيري والترشيحات لم تنفع الالمان الغربيين، إذ نجح أصحاب القمصان الزرق الشرقيون في تحقيق إحدى اكبر النتائج المدوية عامذاك بفوزهم بهدف وحيد سجله يورغن سبارفاسر.
لا يوجد أي نادٍ ألماني شرقي في «البوندسليغا» حالياً


لكن رغم هذه النتيجة لم تتمكن المانيا الشرقية من اعتراض طريق المانيا الغربية التي زحفت حتى المباراة النهائية حيث أسقطت «هولندا يوهان كرويف» وتوّجت باللقب. وبعد 15 سنة على تلك الموقعة، عادت الصورة نفسها الى الشرقيين الذين رغم تأسيسهم لأندية قوية وتخريجهم لنجومٍ رائعين، لم يتمكنوا من تفادي الذوبان في كرة القدم في شقّها الغربي بعد سقوط الجدار الفاصل في العاصمة، فسقطت معه الاندية تباعاً مع انغماس نجومها في الدوري الالماني الموحّد حيث الاندية المتنعمة بـ»المارك».
اللقاء الاخير لمنتخب المانيا الشرقية في 12 ايلول عام 1990، والذي كان من المفترض أن يندرج ضمن تصفيات كأس الامم الاوروبية (1992)، وتحوّل الى مباراة ودية عقب موافقة البرلمان على الوحدة، كان امام بلجيكا، حيث فاز الالمان بهدفين نظيفين سجلهما نجم أشهر من أن يعرّف وهو صاحب الشعر الاصهب ماتياس زامر.
ومن عند هذا الاسم يمكن الانطلاق لعرض مدى الاستفادة التي عرفتها المانيا الموحّدة بعد سقوط الجدار، إذ إن زامر كان واحداً من النجوم الذين خدموا المنتخب الوطني على أعلى مستوى في مرحلة لاحقة، فكان مدير بايرن ميونيخ الحالي وراء فوز «المانشافت» بكأس اوروبا عام 1996، وحمل بعدها الكرة الذهبية.
والى زامر كان هناك اسماء اخرى، امثال أولف كيرشتن واولاف مارشال وداريوش فوش وتوماس دول واندرياس طوم، وهي ارتدت الوان المنتخبين الشرقي والغربي.
وما يلفت اليوم هو اختفاء الاندية الشرقية من المعادلة الكروية الالمانية. اختفاء نسبي نوعاً ما، وهو مبرر لأنه بعد الوحدة لم تستطع هذه الاندية الوقوف في وجه نظيرتها الغربية الغنية، إن كان على صعيد احتفاظها بنجومها أو تعزيز صفوفها بآخرين أو مزاحمة منافسيها على المواهب الصاعدة.
اليوم، وبعد مرور 25 عاماً على سقوط جدار برلين (9 تشرين الثاني 1989)، لا يوجد أي نادٍ الماني شرقي في الدرجة الاولى في المانيا، رغم أن مركز فريق العاصمة هيرتا برلين هو في ما اعتبر سابقاً القسم الشرقي، لكن بالتأكيد النادي لم ينتمِ يوماً الى المانيا الشرقية، بعكس يونيون برلين الموجود حالياً في الدرجة الثانية، والذي مثّل دائماً ذاك القسم من البلاد تماماً كما إرتسغبيرغه (درجة ثانية ايضاً)، بينما يعتقد البعض أن «ريد بُل» لايبزيغ هو اليوم ممثل الشرقيين، وهذا أمر خاطئ، لأن الفريق المذكور تأسس حديثاً وتحديداً عام 2009، ولا تربطه أي علاقة بـ»في أف بي لايبزيغ» الذي كان أول بطل للدوري الالماني عام 1903، ثم اختفى قبل أن يعود من خلال اسمٍ آخر هو لوكوموتيف لايبزيغ الذي يلعب حالياً في أدنى الدرجات (الدوري الشمالي الشرقي).
المانيا الموحّدة أقوى. المانيا بطلة للعالم. تلك الوحدة السياسية تعطي ربما إثباتاً على ذاك القول الشهير «في الاتحاد قوة».




الألماني الشرقي الوحيد

يتمسك كثيرون من اولئك الذين يحنون الى المانيا الشرقية بخيط املٍ بعودة الاندية التي كانت تمثل ذاك الشق من المانيا الى «البوندسليغا»، كما يبحثون عن نجمٍ ولد في احدى المدن الشرقية، وقد وجدوه في طوني كروس، وهو الالماني الشرقي الوحيد في «المانشافت»، الذي لم يكن قد وُلد اصلاً يوم سقوط جدار برلين، اذ ان نجم ريال مدريد ابصر النور في 4 كانون الثاني عام 1990، وهو لعب لناديين شرقيين هما فريق مسقط رأسه غريفسفالد، اضافة الى جاره هانزا روستوك.