كرة القدم للشعب ومن أجل الشعب. هذه المقولة تنطبق تماماً على البلاد التي ذكرتها مراجع تاريخية عدة على أنها مهد اللعبة الشعبية الأولى في العالم. في إنكلترا، لطالما أخذت كرة القدم بعداً آخر، ولطالما كانت أسلوب حياة، ولهذا السبب تحوّل يوم عيد الميلاد المجيد وأيام العطلة التي تليه احتفالاًً بالمناسبة، محطةً أساسية في الدوري الإنكليزي الممتاز. محطةٌ عرفت باسم الـ «Boxing Day» الذي بات منتظراً من قبل المدربين والجماهير وكل المتعاطين بالكرة الإنكليزية.
الـ «Boxing Day» ليس له علاقة بلعبة الملاكمة، بل إنه يرمز الى اليوم الذي يتم فيه تبادل علب هدايا عيد الميلاد (Boxes). وفي وقتٍ مضى كان فيه التقليد المتبع ذهاب الأثرياء لتقديم علب الهدايا للفقراء، فأصبح هذا اليوم تقليداً، ليتحوّل بعدها الاسم الى تقليدٍ رياضي في رياضات مختلفة تعدّ شعبية في بلاد الإنكليز ودول الكومنولث التي استعمروها سابقاً، منها كرة القدم والركبي والكريكت وسباقات الخيل والصيد وغيرها.
من هنا، شهدت الجزيرة البريطانية والدول التي تعتمد ثقافتها نشاطاً رياضياً اعتيادياً في أيام الاحتفال بالميلاد، ليصبح هذا الأمر تقليداً أيضاً، على خلفية اعتبار المباريات الرياضية احتفالاً خاصاً بحدّ ذاته.
لكن بالتأكيد لم تتمكن أي رياضة من سرقة رهجة الـ «Boxing Day» من كرة القدم، إذ كما حصل أمس، تقام كل مباريات الدوري الإنكليزي في اليوم نفسه، بحيث تتحوّل الأجواء الاحتفالية الى كل الملاعب في البلاد، علماً بأن الـ «Boxing Day» اعتمد سابقاً في يوم الميلاد نفسه أي 25 كانون الأول، وذلك حتى عام 1957، حيث باتت تنظم المباريات في اليوم الذي يلي العيد.
أهمية الـ «Boxing Day» لا ترتكز فقط على استمرار بقاء الفرق في جهوزية فنية دون التوقف لفترة طويلة، بعكس فرق البطولات الوطنية الأوروبية الأخرى، بل إن بعدها الاجتماعي هو الأساس، إذ يتم الأخذ بعين الاعتبار وضع الفرق المجاورة لبعضها مناطقياً وجهاً لوجه، وذلك لكي لا تتكبد العائلات مشقات التنقل والسفر لمسافات طويلة في يوم العيد، وخصوصاً أن وسائل النقل العامة لا تعمل أصلاًً بشكلٍ اعتيادي في أيام الأعياد. ففي هذا اليوم تجتمع العائلات بأسرها في مرات نادرة لحضور مباريات الكرة معاً من مدرجات الملاعب، ما يعزّز الضغط على وسائل النقل، التي تعد شرياناً أساسياً في جسم الكرة هناك.
في يوم
الـ «Boxing Day»
عام 1963 سُجّل 66 هدفاً في الدوري الإنكليزي!


زائر إنكلترا خلال فترة الميلاد يمكن أن يلمس هذا الأمر، إذ مع اعتبار يوم 26 كانون الأول عطلةً رسمية في بريطانيا، تصبح ملاعب الكرة المتنفّس الوحيد للشعب الإنكليزي وسط إغلاق كل المرافق الأخرى في البلاد، وهذا الأمر مكسب للكرة الإنكليزية أيضاً، التي لا ضرورة لاستعراض إنجازاتها على صعيد التخطيط التسويقي. ببساطة ومع توقف كل البطولات الكبرى في أوروبا، تتحوّل إنكلترا الى قبلةٍ لعشاق الكرة حول العالم. وهذا الأمر الذي امتعض منه اللاعبون في فترةٍ سابقة، وخصوصاً الأجانب، بات مقبولاً عند الغالبية الساحقة منهم الذين لمسوا مدى أهمية هذا التقليد لدى الشعب الإنكليزي.
تقليدٌ بات يترك ذكريات مهمة انطبعت في التاريخ، منها يوم أفرز الـ «Boxing Day» عام 1963، 157 هدفاً في 39 مباراة، بينها 66 هدفاً في 10 مباريات ضمن الدرجة الأولى (الدوري الممتاز حالياً).
كذلك، لا يمكن نسيان ذاك اليوم التاريخي في العصر الحديث للعبة، وتلك المباراة التي غيّرت كل شيء عام 1999، إذ بعد 111 سنة و3 أشهر و17 يوماً على بداية تاريخ الكرة الإنكليزية، قام مدرب تشلسي الإيطالي جانلوكا فيالي بخطوة لم يُقدم عليها أي مدربٍ آخر في أكثر من 150 ألف مباراة، وهو الدفع بتشكيلة لا تضم أي لاعبٍ بريطاني في المباراة أمام ساوثمبتون!
صحيحٌ أن هناك صرخات كثيرة لإقرار عطلة شتوية في إنكلترا، كما هي الحال في البلدان الأخرى، وذلك لكي يلتقط اللاعبون أنفاسهم قبل انطلاق النصف الثاني من الموسم، إلا أن ثقافة الإنكليز مغايرة لأن كرة القدم هناك هي لجمهورها، وليس هناك أي يوم أفضل للاحتفال من الـ «Boxing Day».