عند انطلاق الموسم الحالي، برز تضارب في الرأي واسع جداً في الأوساط الإيطالية حول إذا ما كان يوفنتوس سيحتفظ بلقبه بطلاً للدوري الإيطالي لكرة القدم. وفي الوقت الذي كانت فيه الشريحة الأكبر تقول إن «البيانكونيري» ماضٍ في طريقه للاحتفال مجدداً بفعل امتلاكه التشكيلة الأكثر تكاملاً التي جعلته يقف حالياً على بعد 6 نقاط من نابولي وصيفه، شكّك البعض في إمكانية حدوث هذا الأمر على اعتبار أن «اليوفي» تلقى 4 هزائم هذا الموسم، مقابل إحرازه اللقب بسجلٍ نظيف في الموسم الماضي. لكن غاب عن ذهن البعض أن الموسم الماضي غيره الحالي، والسبب أن يوفنتوس قسّم تركيزه بين الدوري المحلي ومسابقة دوري أبطال أوروبا. ومن خلال هذه الأخيرة، سقط السؤال عمّا إذا كان فريق «السيدة العجوز» الأقوى في إيطاليا لأن ما أقدم عليه من خلال اكتساحه سلتيك الاسكوتلندي بخماسية بمجموع المباراتين، أكد أن «اليوفي» بات يقف في صف أقوى الفرق الأوروبية، وهو جاهز لمنازلتها طمعاً بالجمع بين اللقبين المحلي والقاري.
وبالتأكيد، فإن طموح يوفنتوس مبرّر، والأكيد أيضاً أنه يجب على الفرق الإيطالية أن تخصّ مبارياتها في مواجهة فريق المدرب أنطونيو كونتي بحسابات دقيقة، إذ إن المستوى التصاعدي للفريق الأبيض والأسود، الذي يبدو أنه وصل الى ذورته، يخوّله إنزال أقسى الخسائر بمنافسيه. فالمرحلة التي وضعها كونتي نصب عينيه قد وصل إليها، إذ كان واضحاً أن الرجل لم ينشط في سوق الانتقالات الشتوية، مؤمناً بأن لاعبيه الذين يشكّلون اليوم العصب الأساس في المنتخب الإيطالي، ومعهم أولئك الأجانب المميزون، يمكنهم إظهار «السيدة العجوز» كأنها في عزّ الشباب.
لقد بقي كونتي مراهناً على الكيميائية العالية التي ظهرت على مجموعته منذ الموسم الماضي، وكذلك على استراتيجية 3-5-2 التي كانت سرّ النجاح في استعادة الـ«سكوديتو»، ثم في تأكيد العودة القوية الى المسابقة الأوروبية الأم حيث كان الفريق من الأفضل دفاعياً، مسجلاً نتائج لافتة في دور المجموعات، كان أهمها فوزه على تشلسي الإنكليزي، حامل اللقب بثلاثية نظيفة.
وهذه المباراة كانت واحدة من سلسلة مباريات لم يتلقّ فيها مرمى الحارس جانلويجي بوفون أي هدف، إذ منذ ذاك الهدف الذي تلقاه أمام نوردشيلاند الدنماركي (1-1) في 23 تشرين الأول الماضي، بقيت شباك الكابتن العملاق نظيفة لمدة 450 دقيقة.
وطبعاً، هذا الإنجاز يسجّل لبوفون وخط دفاعه الذي يقوده «الجزّار» جورجيو كييليني، لكن الفضل الأكبر يعود لخط الوسط الذي يحمي خط الظهر، حيث يوجد ثلاثة مدافعين فقط بشكلٍ لم يعهده «اليوفي» الذي اعتاد قبل كونتي اللعب بظهيرين كان لهما الدور الأساس في العمليتين الدفاعية والهجومية على حدّ سواء، وهذا ما بدا جليّاً عندما فاز الفريق باللقب الأوروبي للمرة الثانية والأخيرة موسم
1995-1996، حيث برز الظهير الأيمن جانلوكا بيسوتو ونظيره الأيسر مورينو توريتشيللي...
اليوم، تختلف الأمور بعض الشيء، إذ إن وجود أمثال كلاوديو ماركيزيو والفرنسي بول بوغبا والتشيلياني أرتورو فيدال والمبدع أندريا بيرلو في الوسط، لا يترك حاجة الى تكديس المدافعين في الخلف أو حتى التفكير في اعتماد أسلوب «الكاتيناتشو» الذي اشتهرت به الفرق الإيطالية، في ظل طموحاتها لحصد اللقب القاري المرموق. وهذا الخط هو نقطة القوة لدى كونتي، والدليل أن غالبية أهداف الفريق تأتي منه، في الوقت الذي يواصل فيه بيرلو رسماته الجميلة على أرضية الميدان، وكان آخرها التمريرة الساحرة التي ضرب فيها دفاع سلتيك، ليوصل الكرة الى فيدال الذي لعبها بدوره عرضية الى فابيو كوالياريلا، ليسجل الأخير الهدف الثاني.
وحده، خط الهجوم يمكن أن يخون «السيدة العجوز» في المراحل اللاحقة، إذ إن هذا الخط لم تلحقه عمليات التجميل الناجحة، فبقي خالياً من مهاجمٍ على مستوى عالمي أو مصنّفاً من المستوى الأول، ففي الموسم الماضي كان أليساندرو ماتري أفضل مهاجمي الفريق بعشرة أهداف فقط، بينما يأخذ هذه الصفة الآن كوالياريلا وسيباستيان جوفينكو بسبعة أهدافٍ لكل منهما.
لكن يحسب لكونتي هنا أنه يعرف كيف يخلط بين الذكاء الفطري لأحد مهاجميه والحسّ التهديفي المرهف للآخر، فركّب المونتينغري ميركو فوتشينيتش مع ماتري، وأحياناً مع جوفينكو وكوالياريلا، ما أوجد توازناً خفّف على لاعبي الوسط القيام بعملٍ مزدوج بين الهجوم والدفاع طوال الدقائق التسعين.
طبعاً، أصبح الحذر أكبر من «اليوفي» في إيطاليا، لكن لا شك في أن هذا الحذر امتد الى أوروبا كلّها في اليومين الأخيرين، فهناك في تورينو أصبح الحديث واسعاً عن أنه حان الوقت لاقتحام عرين كبار أوروبا مجدداً واستعادة أمجاد الماضي الغابر.



في حالة جوع

وصف مدرب يوفنتوس أنطونيو كونتي فريقه بأنه في حالة جوع لإحراز الألقاب، تعليقاً على نتائجه الطيّبة محلياً وأوروبياً. وأضاف كونتي: «هذا الفريق جائع، وعلينا أن نكون جائعين دائماً. والسبب أننا بدأنا لتوّنا الأكل. لقد فزنا بلقب الدوري الإيطالي في الموسم الماضي، لكنه لم يكن سوى البداية. علينا الآن أن نحافظ على تركيزنا لتحقيق أهدافنا».